قيادة فيتنام للآسيان | مركز سمت للدراسات

قيادة فيتنام للآسيان: الفرصة في الأزمات

التاريخ والوقت : الإثنين, 3 أغسطس 2020

ستيفن ناجي ونغوين هانه

 

خلال النصف الثاني من عام 2020، يتعين على فيتنام أن تركز على دمج الاقتصاد غير الرسمي مع الاقتصاد الرسمي واستئناف المفاوضات لوضع مدونة لقواعد السلوك في بحر الصين الجنوبي.

وكان من المقرر أن يكون 2020 عامًا دبلوماسيًا كبيرًا بالنسبة لفيتنام، إذ إنها تشغل منصب الرئاسة الدورية للآسيان. وهو ما يعدُّ أمرًا مهمًا لأنه يسمح لفيتنام برفع وضعها الدبلوماسي داخل الآسيان وإثارة القضايا التي تمثل أولوياتها الوطنية والإقليمية. ومع ذلك، فإن جائحة “كوفيد – 19” عطَّل بدوره طموحات فيتنام الدبلوماسية، حيث كان على دول المنطقة التركيز على استجاباتها للجائحة الوبائية. وأهم من ذلك كله، أن القيود المفروضة على السفر جعلت من المستحيل عقد مؤتمرات قمة والانخراط في الدبلوماسية غير الرسمية، وهي سمة أساسية لرابطة أمم جنوب شرق آسيا.

ومع ذلك، فإن فيتنام تعتبر واحدة من الدول القليلة التي تمكنت من السيطرة على الوباء، على الأقل في الوقت الحالي. لكن رغم وجود تركيزات كثيفة من السكان في مناطقها الحضرية، وميزانية وطنية متواضعة، وقدرة محدودة على الاختبار، وحدود مشتركة مع الصين، فإن فيتنام تجاوزت وزنها بالاعتماد على الوقاية المبكرة، وتتبع الاتصال القوي، والحوكمة الشفافة والفعالة.

وحتى يوليو 2020، فإن فيتنام يوجد بها حوالي 400 حالة ولم تسجل وفيات. وعلى ذلك، فإن نجاح جهود الاحتواء في فيتنام في الداخل يُعَدُّ أيضًا كنموذج للاستجابة للوباء ويحظى باحترام الدول الأخرى.

ورغم النكسات التي منيت بها محاولات تنظيم مؤتمرات القمة بسبب القيود على السفر، فإن فيتنام تمكنت من قيادة الآسيان بشكل فعال. ولتوضيح ذلك، ترأست سلسلة من المؤتمرات عبر الفيديو “كونفرانس” تناقش أساليب مواجهة الوباء والاستجابة له، ليس فقط بين دول الآسيان ولكن أيضًا مع شركاء خارجيين آخرين، مثل: الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وذلك لتعزيز دورها القيادي في الآسيان، كما تشارك فيتنام أيضًا في “استراتيجية دبلوماسية الأقنعة”، من خلال التبرع بأقنعة الوجه والإمدادات الطبية الأخرى لدول الآسيان، مثل: لاوس، وكمبوديا، وكذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن أقوى عرض لرئاسة فيتنام للآسيان جاء مع قمة الآسيان السادسة والثلاثين.

فقد اتخذت عملية صناعة القرارات وتفضيلها للدبلوماسية غير الرسمية وغير الملزمة، خطوة مفاجئة من خلال التأكيد على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 كإطار قانوني لتحديد المطالبات البحرية والقيام بالأنشطة البحرية في بحر الصين الجنوبي.

ويمكن أن يسهم تراجع آسيان غير المتوقع ضد مطالبات الصين الإقليمية والبحرية في جهود فيتنام لتعبئة موقف إقليمي موحد بشأن النزاع. والسؤال المطروح أمامنا يتصل بـ” هل هذا التأكيد سوف ينكسر من خلال ممارسة الصين الطويلة في إعاقة التدخل في إجماع الآسيان مما يجعل القضايا الحساسة تجاه بكين؟

ومع ذلك، فإن الاستجابة الوبائية الفعالة لفيتنام تأتي أيضًا بثمن اقتصادي باهظ. فقد تضرر اقتصادها، وهو الذي يعدُّ أحد أسرع الاقتصادات نموًا في المنطقة، حيث أصيب بركود كبير نتيجة للوباء.

ووفقًا لـ”معهد فيتنام للأبحاث الاقتصادية والسياسية”، سجلت فيتنام معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بلغ 0.36% في الربع الثاني من عام 2020، وهو انخفاض حاد مقارنةً برقم العام الماضي البالغ 6.71%.

بينما لا تقدم المؤشرات الأخرى رؤية متفائلة للاقتصاد أيضًا. فعلى سبيل المثال، زاد عدد الشركات المعلقة مؤقتًا بنسبة هائلة بلغت 38.2% على أساس سنوي، وانخفض عدد العمال المسجلين بنسبة 21.8%. بينما تأثر قطاعان بشدة وهما السياحة والصناعة بسبب قيود السفر العالمية وتعطلت سلاسل التوريد.

ومع ذلك، تظل فيتنام نقطة مضيئة للانتعاش الاقتصادي، كونها واحدة من عدد قليل من البلدان التي حققت نموًا إيجابيًا في النصف الأول من عام 2020 بفضل معالجتها لأزمة الوباء منذ وقت مبكر من اندلاعها.

وتمثل الصين الأكثر حزمًا في بحر الصين الجنوبي، صداعًا ثانيًا بالنسبة لفيتنام. فلم يتمكن الوباء العالمي من إبطاء جهود الصين لدفع مطالباتها الإقليمية والبحرية في الوقت الذي تواصل فيه مضايقة ومنع المدعين الآخرين، بما في ذلك فيتنام، من القيام بأنشطة بحرية.

فعلى سبيل المثال، ورد أن سفينة صيد فيتنامية صدمتها وأغرقتها سفينة مراقبة بحرية صينية في الماضي. واضطرت فيتنام أيضًا إلى إلغاء العقود مع شركتي نفط عالميتين، ربما بسبب ضغوط من الصين. ووسط تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، ستواصل الصين تأكيد مطالبها بقوة في بحر الصين الجنوبي، مخاطرة بمزيد من التوترات مع فيتنام.

وفي الوقت نفسه، ستؤدي المفاوضات المتوقفة بشأن مدونة قواعد السلوك بسبب قيود السفر إلى تعقيد القيادة الفيتنامية في الآسيان. ونظرًا لأن المفاوضات الافتراضية ليست خيارًا، لأنها ستبطل إحدى نقاط القوة الدائمة للآسيان في الإجماع غير الرسمي وغير الملزم من خلال الحوار مع أعضائها، ستحتاج فيتنام إلى إيجاد طريقة لإجراء مفاوضات ومنع الصين من تخفيف هذه الوثيقة الحاسمة.

وقد حقَّق النصف الأول من عام 2020 إنجازات وتحديات ملموسة بالنسبة لفيتنام. وفي النصف الثاني من العام، ستحتاج فيتنام إلى مواصلة قيادتها الفعالة في الآسيان من خلال تسريع الانتعاش الاقتصادي والضغط من أجل إجراء مفاوضات مباشرة وجهًا لوجه. فالاقتصاد المتعافي لا يدعم الوضع الدبلوماسي لفيتنام فحسب، بل يحرر اهتمامها ومواردها للتركيز على القضايا الإقليمية. فهذا سيحتاج بالضرورة إلى تضمين الاقتصاد غير الرسمي الذي تأثر سلبًا بشكل غير متكافئ من “جائحة كوفيد – 19”.

ومع ذلك، فإن الانتعاش البطيء والمضطرب في الولايات المتحدة وأوروبا، قد يؤخر تعافي اقتصاد فيتنام لأنهما شريكان تجاريان مهمان بالنسبة لفيتنام. ففي الوقت نفسه، بما أن دول الآسيان الأخرى تكافح أيضًا مع نفس المشكلة، يمكن لفيتنام أن تعزز الانتعاش الاقتصادي في هدف مشترك للتعاون الإقليمي وطرح أفكار لتسريع الانتعاش. ويمكن أن يكون دمج الاقتصاد غير الرسمي هو أحد المقترحات الخاصة لتخفيف الصعوبات الاقتصادية. وقد أبرز الوباء محنة العمال المهاجرين العاملين في القطاع غير الرسمي لاقتصادات رابطة أمم جنوب شرق آسيا؛ حيث يتباهى بعضهم بمعدلات توظيف غير رسمية عالية جدًا.

ويمكن أن يهدد الركود الاقتصادي الناجم عن الوباء ونقص مزايا الضمان الاجتماعي سبل عيشهم، حتى يدفعهم مرة أخرى إلى براثن الفقر. ويمكن لفيتنام أن تدافع عن مقترحات لدمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، مثل توفير التدريب وتحسين الوصول إلى التمويل وظروف العمل. فالاندماج لا يساعد العمال غير الرسميين على تأمين مستقبل أفضل لأنفسهم فحسب، بل يسمح أيضًا لدول الآسيان بتحسين قدرتها التنافسية في الاقتصاد الرقمي ومنع الاضطرابات الاجتماعية.

هنا، يجب على فيتنام العمل بنشاط مع شركاء خارج المنطقة لتعزيز التكامل، وتعزيز قدرات الرعاية الصحية المحلية، وتوفير شريان الحياة الاقتصادية لهم في الاقتصاد غير الرسمي لمساعدتهم على تجاوز العاصفة الاقتصادية التي يسببها “كوفيد – 19”.

ولا ينبغي أن يكون هذا النهج في صورة معادلة صفرية. فباستخدام شعارات الأمن غير التقليدي، تحتاج فيتنام إلى إيجاد طرق تمكن كلاً من اليابان والصين نشر قدراتهما الجماعية لتحقيق الاستقرار في اقتصاد الآسيان، والتخفيف من انتشار “كوفيد – 19″، وتعزيز التكامل داخل الآسيان.

وتعتبر الرؤية الحرة والمفتوحة بين الهند والمحيط الهادئ اليابانية و”مبادرة الحزام والطريق” في الصين، بمثابة منصات مفيدة تتداخل في بعض أسباب وجودها وتآزرها في قدراتها. ومن الأهمية بمكان أن تقوم فيتنام بزيارة أعضاء الآسيان للتعبير عن احتياجاتها بحيث يمكنهم نقلها بشكل جماعي إلى الشركاء من خارج المنطقة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

إن إجراء مفاوضات وجهًا لوجه يعدُّ عملية أكثر صعوبة، ولكن بنفس القدر من الأهمية، والتي يجب أن تكون التركيز الثاني لفيتنام. فنظرًا لأن المؤتمرات الافتراضية ليست مناسبة للدبلوماسية السرية وغير الرسمية بالنسبة للآسيان، فقد يكون تخفيف قيود السفر للمسؤولين الذين يحضرون المفاوضات بداية جيدة.

إضافة إلى ذلك، في حين أن بيان الآسيان الأخير بشأن نزاع بحر الصين الجنوبي يعدُّ خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنه ليس كافيًا. فمن المتعين على فيتنام الاستفادة من موقعها كرئيس للآسيان الحالي لتوسيع التعاون مع القوى الأخرى التي تشترك في نفس المخاوف بشأن طموحات الصين في بحر الصين الجنوبي. ويمكن أن يكون أقوى بيان أميركي حتى الآن بشأن النزاعات، الذي يرفض مطالبة الصين بالكامل ويوائم المواقف الأميركية مع قرار محكمة التحكيم الدائمة لعام 2016، تشجيعًا لفيتنام ومطالبة للآخرين بتعبئة موقف آسيان موحد أثناء المفاوضات.

وبشكل عام، فقد حققت فيتنام إنجازات مذهلة على الرغم من جائحة “كوفيد – 19”. ورغم استمرار القضايا المتبقية في التعقيد الخاصة بجهود فيتنام، لا يزال بإمكانها أن تأمل في النصف الثاني من العام بشكل أفضل من خلال استخدام موقفها لتسريع التعاون داخل المنطقة وخارجها لتعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار والاستدامة مع المساهمة في الوقت نفسه في إدارة التحديات الأمنية التي تواجه الآسيان.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيوبوليتيكال مونيتور

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر