سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لا نبالغ إذا قلنا إن العام المنقضي يمكن وصفه بأنه عام الانتصار للمرأة السعودية، ورغم أن الفترة شهدت إنجازات عديدة على كافة الصُعد، اجتماعيًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا ورياضيًا، فإن تمكين المرأة كان علامة فارقة في المملكة خلال الشهور الأخيرة، التي شهدت حزمة قرارات داعمة لها وفق رؤية السعودية الحكيمة 2030، وكان درة تاج هذا الإنصاف، مع قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إعطاء المرأة في المملكة العربية السعودية حق قيادة السيارة. ومن المعروف لكل مراقب للتعامل الغربي مع الشأن السعودي، كم استغل حظر قيادة السيارة من قِبل كثيرين تعمدوا دائمًا تجاهل ما تحقق لنساء السعودية، وما حققن في مجالات عدة، داخل المجتمع السعودي وعلى صعيد دولي، بقصد التشويه.
قرار إعطاء المرأة السعودية حق قيادة السيارة يأتي ضمن توجه قيادة، واستراتيجية حكم، ورؤية مستقبلية لدولة عظيمة، دولة تؤمن بقدرات المرأة، وتعدها عنصرًا مهمًا من عناصر قوة المجتمع، وسعت إلى تمكينها، اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وتوفير مناخ آمن وخدمات تسهّل لها القيام بواجباتها الوطنية، مع ضمان تمتّعها بحقوقها الكاملة في مختلف المجالات، لما في تمكينها من دفع لعجلة التنمية، بما يحقق رؤية السعودية للتنمية المستدامة 2030.
يحمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على عاتقه مسؤولية نقل المملكة إلى مصاف الدول الكبرى وفقًا لـ”رؤية السعودية 2030″. ولم يغفل الأمير الشاب، المرأة السعودية التي ينظر إليها بكل تقدير، ويقدّر لها مكانتها في المجتمع، ودورها المنوط بها في السعودية التي يرغب ولي العهد السعودي، في جعلها حقيقة واقعة لا حلمًا أو طموحًا. ومن هنا، يقف الأمير محمد بن سلمان، بكل قوة لدعم حقوق المرأة. ورغم خطواته الشجاعة في طريق تمكين المرأة، فإن سموه لا يزال يرى أن المرأة السعودية لم تحصل على حقوقها كاملة حتّى اليوم، وهناك حقوق منصوص عليها في الإسلام ما زالت لا تملكها، مؤكدًا أن المملكة قطعت شوطًا طويلاً جدًا وتبقّى طريق قصير لتقطعه.
إن خطوات تمكين المرأة السعودية، وتقبّل المجتمع لها بدون أية مشكلات أو قلق، تؤكد أن قيادة المملكة تدرس كل خطواتها قبل أن تقدم عليها، لا سيَّما تلك التي ترتبط بالمجتمع وتؤثر فيه بشكل كبير. ولا شك أن قرار قيادة المرأة تمت دراسته بعناية، ومن المنتظر أن يكون له نتائج وانعكاسات اجتماعية جيدة، إذ إن الخطوة جاءت تلبية لحاجة المجتمع، ولما تقتضيه المتغيرات، ولما تنحو إليه طبيعة الحياة العصرية اليوم. وكذلك، فإن لهذا القرار آثارًا إيجابية ستلقي بظلالها على المجتمع حاضرًا ومستقبلاً.
ومن النتائج المهمة للقرار من الناحية الاجتماعية، التخلص من مشكلة السائق الأجنبي، الذي تنتهي معه مشكلة هروبه، وما يصاحبها من أزمة تجعل الأسر في حالة طوارئ دائمة يتعطل معها قضاء المصالح المرتبطة بوجود سائق، بالإضافة إلى الانحياز لمصالح احتياجات فئات مثل الأرامل والمطلقات، وهي جوانب كان عدم وجود بديل مدعاة للكثير من السلبيات التي لا تخفى.
كذلك، يمكن تصنيف قرار قيادة المرأة للسيارة بأنه انتصار لوجود المرأة، وليس لمشكلاتها فقط، فهي الآن أمام حالة إثبات أن المرأة سند للمجتمع، وليست عبئًا أخلاقيًا. فالقيادة تعني – بالضرورة – أن تشارك المرأة في الفضاء العام، وتتمتع بكامل الحقوق والواجبات، وعليها أن تبني خبراتها في الحياة بنفسها دون اللجوء لوسطاء، بما فيها مراجعة المؤسسات الحكومية والشركات، ومقابلة موظفين وموظفات، في فضاءات مفتوحة لا معزولة، ومن ثَمَّ، فسوف تزول أوهام أن المرأة ضعيفة ومستهدفة، وينبغي عزلها لحمايتها.
لقد حظي قرار قيادة المرأة بقبول وترحيب مجتمعي كبير، الأمر الذي يدلل على ملاءمة توقيت القرار وجاهزية المجتمع، وتجلى ذلك بعد أن تمَّ تمكين المرأة في غالبية المجالات؛ إذ أصبحت المرأة السعودية مهندسة، وطبيبة، ومسؤولة، وإعلامية وغيرها من الوظائف والمكانات المتعددة. أصبح المجتمع يعي أن عملية عدم قيادة المرأة للسيارة عائق كبير أمام تقدم المرأة السعودية ومكانتها، فالمرأة العاملة ليس أمامها إلا أن تمتلك سيارة وتقودها بنفسها، وألا تعتمد على السائق الأجنبي، الذي ربَّما يضرب عن العمل. ولهذا، فإن الدولة بهذا القرار تكون قد وثقت بقدرة المرأة السعودية على قيادة السيارة، بعد أن أثبتت نجاحها في قيادتها للتنمية جنبًا إلى جنب مع الرجل، فليس صعبًا عليها أن تقود مثل هذه المركبة الصغيرة.
يتفق القرار ويتزامن مع رؤية السعودية 2030، باعتبار أن المملكة تتكون من مجتمع حيوي، ومن اقتصاد مزدهر؛ لذا كان لا بدَّ أن يتحقق لمثل هذا المجتمع هذه الطموحات. فرؤية السعودية 2030 الطموحة والتحول الوطني، يتطلبان مشاركة جميع أفراد المجتمع في سوق العمل، وخصوصًا أننا نتحدث عن مجتمع حيوي يحتاج إلى أن يشارك فيه المجتمع، رجالاً ونساءً، بالشكل الذي يتسق مع طموحات هذا المجتمع. نصف الشعب كان مشلولاً، وليس من المعقول أن يكون نصف الشعب مشلول الحركة يقوده في المركبة شخص غير متعلم وغير واعٍ قادم من بيئة مختلفة تمامًا عن بيئتنا، ويتم فرضه علينا في منازلنا يقاسم المجتمع في مأكله ومشربه ويطلع على خصوصياته وأسراره.
الانعكاسات والفوائد لقرار قيادة المرأة، ليست مقصورة على الجانب الاجتماعي فقط، بل إن للقرار مزاياه وفوائده الاقتصادية، فكما أن للقرار فوائد اجتماعية، فله مزايا مهنية اقتصادية، حيث ستكون هناك فرص للاستثمار والتدريب والتأهيل في بيئة تناسب عمل المرأة، والفرص الاستثمارية التي ستنتج عنه كبيرة، وذلك بفتح مجالات عمل جديدة.
وإذا كان الاقتصاد هو لغة الأرقام، فإن الأرقام تقول إن نسبة النساء السعوديات المشاركات في سوق العمل لا تتجاوز الـ22 في المئة. وتطمح “رؤية السعودية 2030” إلى زيادة هذه النسبة لتصل إلى 30 في المئة. وبينما تبلغ نسبة البطالة العامة في السعودية 12.7 في المئة، بلغت نسبة البطالة بين النساء 33 في المئة. ومع رفع الحظر على قيادة النساء، سيصبح هدف الحكومة لزيادة الناتج الإجمالي المحلي السعودي بنسبة 65 في المئة، أمرًا أكثر سهولة. فرفع الحظر سيؤثر على قطاعات متعددة، مثل قطاعي السيارات، والبيع بالتجزئة. وسيؤدي القرار إلى زيادة الإنتاجية، لأن عددًا أكبر من النساء سيتمتعن بالقدرة على العمل، ما قد يزيد من إمكانية ادخار الأموال.
ومن المتوقع، أن يطال القرار بتأثيراته الإيجابية ليس النساء فقط، بل جهات التوظيف أيضًا، التي تتكلف الكثير من الأموال لإيصال الموظفات من وإلى أماكن العمل. كما أن الأسرة السعودية التي توظف سائقًا أجنبيًا، ستتمكن من توفير معدل ألف دولار شهريًا كحد أدنى. بالإضافة إلى خفض قيمة التحويلات للخارج، إذ إن ما يزيد على 25 مليار ريال تخرج سنويًا من المملكة بسبب العمالة الوافدة.
كذلك، سيؤدي القرار إلى فتح الاستثمار لعمل المرأة في قطاع السيارات، وانتعاش عمل قطاعات التدريب، ورفع مساهمة المرأة في الناتج المحلي، وإمكانية توسيع عمل المرأة في وظائف الضبط المروري، مع إمكانية فتح مكاتب بيع وتأجير خاصة بالسيدات، وإمكانية توفير فرص عمل للمرأة في مكاتب الأجرة العامة، ومساهمة المرأة في صناعة إكسسوارات السيارات الخاصة بالسيدات، وإمكانية الدخول كمستثمر رئيس في محطات الوقود وخدمة السيارات.
لقد أكد قرار قيادة المرأة أن المملكة تتناغم مع مخططاتها واستراتيجيتها التي تحاكي المستقبل، وتبني اقتصادًا مستدامًا، دون المساس – بالطبع – بالثوابت المجتمعية التي تضعها السعودية في المقدمة. كل خطوة تتخذها القيادة في البلاد، تبقى ضمن النطاق المطلوب، وتُطرح في الوقت الذي يجب أن تطرح فيه؛ لأن منظومة التنمية لا يمكن أن تقف أمامها عقبات، بصرف النظر إذا ما كانت هذه العقبات عامة أو خاصة. وكل قرار وطني خالص يبقى جزءًا من متطلبات الحاضر والمستقبل. والبناء على أسس عملية وواقعية، يظل أكثر متانة من أي بناء لا أساس له، أو بأساس هش ضعيف.
إن قيادة المرأة للسيارة في المملكة، خطوة عملية ورمزية في آنٍ معًا في إطار الانفتاح من أجل المستقبل، ولا سيَّما أن أي خطوة من هذا القبيل، تستند إلى أسس وطنية في مصلحة المجتمع. ستشهد المملكة مزيدًا من الإنجازات على صعيد تمكين المرأة، مع تزايد الطلب في سوق العمل المحلية، نتيجة عملية البناء الاستراتيجي الراهنة. فضلاً عن تزايد عدد الإناث في التعليم والتأهيل والتدريب في قطاعات مختلفة على الساحة الوطنية.
وحدة الدراسات الاجتماعية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر