قمة مكة المكرمة فرصة للحوار | مركز سمت للدراسات

قمة مكة المكرمة فرصة للحوار

التاريخ والوقت : الأربعاء, 29 مايو 2019

محمد الشاذلي

 

السعودية دعت لعقد قمتين طارئتين في مكة المكرمة يوم الخميس المقبل، في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك.. خليجية أولًا، ثم عربية قبل انطلاق القمة الإسلامية العادية..

بالنسبة للقمة الخليجية، فإن السؤال الصعب هو عن التمثيل القطري في ظل مقاطعة ثلاث دول خليجية لقطر أي نصف دول مجلس التعاون الخليجي الست.. وبالتالي قد يحضر ممثل قطر في المجلس..

أما القمة العربية فقد دعت إليها السعودية، ثم قامت جامعة الدول العربية بتعميم الدعوة بعد أن قالت الدوحة إنها لم تتلق دعوة للحضور.. وقد مررنا بقمم عدة منذ المقاطعة الرباعية لقطر بسبب دعمها للإرهاب.

وكانت التصرفات القطرية فيها تتسم بعدم النضج السياسي. فالتمثيل إما متواضع أو يحضر الأمير بطائرته للصورة الجماعية التقليدية للقادة ثم يغادر، سيان قال كلمة أو لم يقل، أبلغ بمغادرته أم تسلل. والقمة الأخيرة في تونس قيل فيها الكثير في قنوات فضائية تركية عن محاولات رئيس جماعة النهضة راشد الغنوشي لإقناع أمير قطر باستكمال الجلسة الافتتاحية والبقاء، بعد أن غادرها مقاطعًا كلمة الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط، ظنًا منه أنها تحمل رسائل غير مباشرة إلى قطر.

قطعًا ليس هكذا تتعامل الأمم والزعامات، إلا إذا كانت فارغة من المعنى وخائفة من عدم قدرتها على تلبية مطالب القوى التي تتعاطى معها مجتمعة.

وفي المسألة القطرية يحتاج الأمر إلى ساحر لكي يلبي في الوقت نفسه مطالب حماته مختلفي المآرب والتوجهات.

فما الذي يجمع بين أهداف إيران وتركيا والولايات المتحدة، على الأقل في الوقت الراهن، لكنهم يلتقون في النقطة القطرية الحرجة، وهي قطعًا تحرج الدوحة أكثر من أي أحد آخر. فالبنوك الإيرانية في الدوحة قطر والمصالح التجارية المتبادلة، وقاعدة “العديد” الأميركية في قطر، والتي ستنطلق منها الطائرات لضرب إيران.
وتتجاهل قطر في العقدين الأخيرين حقائق التاريخ والجغرافيا فيما يخص انتماءها الخليجي الذي لا يمكن أن تخلعه بقرار أو برغبة في زعامة لا تقدر عليها، وبالتالي لا تتمكن من تحقيق أكثر من إثارة الرمال والأتربة.

العناد القطري مستمر قبل قمة مكة وحتى الآن، ولم تتمكن أي وساطات من تليين موقف الدوحة أو جعلها تعود إلى السرب الخليجي، ويبدو أن المسألة ستستغرق المزيد من الوقت.

أما قمم مكة هذا الأسبوع الخليجية والعربية والإسلامية، فإن إيران على رأس الموضوعات المطروحة.. فالتطورات العنيفة في الخليج، سواء التخريب الذي طال ناقلات إماراتية، أو التصعيد الأمريكي – الإيراني المتبادل، والذي يصل إلى دق طبول الحرب، والتهديدات والتحذيرات المتبادلة على مدار الساعة، كانت وراء عقد القمتين الخليجية والعربية. وكذلك الاعتداءات من قبل الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران ضد أهداف اقتصادية ومدنية في السعودية وآخرها الصواريخ البالستية الموجهة إلى مكة وقبلها بأيام لمحطتي ضخ بترول، بخلاف الضربات التي يوقفها سلاح الجو السعودي، هي إذن قمم ضبط إيقاع أو محاولة اللحاق بالتطورات قبل تدهور الموقف في الخليج.

وتمارس واشنطن سياسة الردع بالظن والوهم لتحريك مواقف طهران وإجبارها على الموافقة على التوصل لاتفاق جديد حول قدراتها النووية بديلا عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقا وانسحبت منه واشنطن بعد رحيل إدارة باراك أوباما ومجئ إدارة دونالد ترمب.

إن قراءة واحدة في مواقف العواصم الكبرى تصل بنا إلى صعوبة بناء تحالف دولي عاجل ضد إيران لضربها عسكريًا؛ لأن المسألة أكثر تعقيدًا.

والواضح حتى الآن – برغم التهديدات وإرسال البوارج وحاملات الطائرات إلي الخليج – أن واشنطن تأمل الكثير من سياسة الضغط الاقتصادي والمعنوي على طهران، كما استطاعت أو استثمرت الأزمات بين كل من السعودية والإمارات، وبين إيران في المزيد من حشر إيران في الزاوية من جهة المسعى السعودي – الإماراتي نحو تحجيم التدخلات الإيرانية في دول خليجية تؤكدها وتلح عليها الرياض وأبوظبي والمنامة، مع بعض التأييد من دول عربية أخرى.

وبرغم استبعاد الخيار العسكري حاليًا، لكنه يسيطر على التحليلات والأسئلة، التي تدور حول قدرة إيران على استهداف السفن الحربية الأميركية، وتقول طهران إنها قادرة علي ذلك.

أما الإدارة الأميركية فتعتبر نفسها حققت الكثير من أهداف الحملة على إيران، حصار اقتصادي بدأ يعطي مؤشرات، ضغوط سياسية، تهديدات عسكرية، ما جعل الرئيس ترمب يعرب عن سعادته “بإرباك إيران”، وأنها “لم تعد تعرف كيف تفكر”.

لكن ظن ترمب لن يستمر طويلا، فإيران – عبر عقود من تحديات متبادلة مع الغرب – عرفت كيف تصل إلى إبرام اتفاق مازالت عواصم عدة تحترمه، وإنها تتلكأ في وضع خطط شاملة لتنفيذه.

هل تحتمل المنطقة كل هذا التصعيد؟ وهل يمكن أن تخرج القمم الطارئة في مكة المكرمة بموقف متوازن؟.. المكان هو مكة المكرمة، لعل الروحانيات السائدة فيها في هذا الشهر توحي للمجتمعين بأفكار للحل السلمي، وإعطاء فرصة أخيرة للدبلوماسية، بما في ذلك بدء حوار عربي مع طهران للتوصل إلى نقاط عمل مشتركة؛ لإبعاد شبح حرب جديدة في الخليج.

 

المصدر: الأهرام

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر