سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
في مطلع عام 2016، وفي يناير/ كانون الثاني، قامت المملكة العربية السعودية بتنفيذ حكم الإعدام على 47 شخصًا، على رأسهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، وقد أدانتهم بتهم تتعلق بـ”اعتناق المنهج التكفيري المشتمل على عقائد الخوارج المخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ونشره بأساليب مضللة، والترويج له بوسائل متنوعة، والانتماء لتنظيمات إرهابية، وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية”.
وتصاعدت الأزمة بين الرياض وطهران، وتوعد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، السعودية بالانتقام الإلهي، وفق تصريحاته التي خرجت آنذاك، بينما حذر حسين جابر أنصاري، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية السعودية بأنها سوف تدفع ثمن إعدام النمر غاليًا، فضلاً عن ذلك قام محتجون إيرانيون بمهاجمة السفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد ليأتي الرد السعودي حاسمًا عبر قطع كامل العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
في هذه الأثناء، لجأت دول الخليج العربي إلى التضامن مع الرياض وقامت بإجراءات عقابية لطهران على ما قامت به من اقتحام للسفارة السعودية وما صاحبها من أعمال شغب، إلا أن قطر في هذه الأثناء اكتفت باستدعاء سفيرها من طهران تضامنًا مع السعودية في أزمتها مع طهران.
وبدا أن الدوحة تحاول أن تلعب دورًا وسيطًا بين كافة دول المنطقة، وإن كان على حساب القرارات الذي ذهبت إليها قناعات دول التعاون الخليجي، على الرغم من أنها عضو في المجلس، وتناست قطر في الوقت نفسه أن علاقاتها بالرياض من الممكن أن تتأثر جراء احتفاظ الدوحة بعلاقات حميمية مع طهران.
وبخصوص حميمية العلاقة بين الدوحة وطهران – وهو بطبيعة الحال وصف ليس بعيدًا عن الواقع – فقد اتصل الأمير تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس الإيراني حسن روحاني في 12 سبتمبر / أيلول 2016 لتهنئته بعيد الأضحى. ووفقًا لتقرير وكالة أنباء فارس الإيرانية حينذاك، فقد وصف تميم العلاقات القائمة بين قطر وإيران بـ”الحميمة”.
وذكرت وكالة فارس أن “الشيخ تميم هنأ الرئيس والحكومة والشعب في إيران بعيد الأضحى المبارك، ووصف العلاقات القائمة بين البلدين بالتاريخية والحميمة، وأعرب عن ترحيبه بتعزيز التعاون بينهما على جميع الصعد، مؤكدًا أنه يسعى لإقامة علاقات متميزة مع طهران”، بحسب الوكالة. كما أكدت الوكالة أن الشيخ تميم “لفت إلى العلاقات الممتازة القائمة بين طهران والدوحة، وأعرب عن تصوره بضرورة الاستفادة من هذه العلاقات من أجل إيجاد حلول للمشاكل المعقدة والصعبة في المنطقة، واصفًا إيران بأنها تحتل مكانة متميزة في المنطقة، وأن أداء دورها يصب في مصالح بلاده أيضًا”.
في الوقت نفسه تغاضت وكالة الأنباء الرسمية القطرية “قنا” عن تفاصيل الاتصال واكتفت بنشر خبر تبادل التهاني بالعيد بينهما لشعورها أن كشف التفاصيل من الممكن أن يؤذي العلاقة بين الدوحة ودول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها الشقيقة الكبرى الرياض.
العلاقات القطرية الإيرانية لم تتوقف عند ذلك، بل إن قطر وقعت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي اتفاقًا مع البحرية الإيرانية لمكافحة التهريب في الخليج. فضلاً عن تعظيم الاستفادة من حقل غاز “حقل الشمال” الذي يمثل أكبر حقول الغاز في العالم، كما تستفيد إيران من الخبرات القطرية في مجال استثمار الغاز. ورغم الخلافات القطرية الإيرانية في سوريا، ثم في اليمن أخيرًا؛ فإن الأمر لم يلقِ بظلاله على مسار العلاقات بين البلدين.
وفي الوقت الذي تجهزت الرياض من أجل القمة العربية الإسلامية الأميركية بحضور الكثير من ملوك ورؤساء وأمراء العالم العربي والإسلامي، فضلاً عن دونالد ترمب الرئيس الأميركي، من أجل مناقشة الملفات العالقة في المنطقة، وخاصة ملف إيران وسوريا والحوثيين في اليمن، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، كانت صحيفة العربي الجديد (المحسوبة على النظام القطري) تستقبل مقالاً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 20 مايو 2017 الذي تم نشره صبيحة اليوم تحت عنوان: “مستعدون لإهداء السلام إلى المنطقة”.
جواد ظريف قدم دولته في المقال باعتبارها قادرة على قيادة المنطقة إلى السلام، ولم يكتفِ بذلك، بل تندر على لقاء القمة المنعقد في السعودية، معتبرًا أنها قمة تثير الانتباه.
وألمح وزير الخارجية الإيراني في مقالته إلى أن بعض دول المنطقة تثير برامج تخويف من طهران في المنطقة، كما كان يفعل الكيان الصهيوني منذ سنين ضد إيران.
وقدم ظريف دولته بشكل رسمي على أنها مستعدة دائمًا للحوار البناء. وحكومة الرئيس روحاني التي سبق أن طرحت علی الصعيد العالمي “عالم خال من العنف” و”مشروع حل الأزمة السورية المؤلف من 4 مواد”، بالإضافة إلى أفكار مثل “تشكيل ملتقى الحوار الإقليمي”؛ لا تزال تری نفسها ملتزمة بمتابعة هذه المشاريع والأفكار، كما أنها اتخذت خطواتٍ عملية نحو تحقيقها.
مقال ظريف – بطبيعة الحال – ترويجي ودعائي في المقام الأول لطهران من قلب إحدى دول مجلس التعاون الخليجي وهي قطر، التي يحضر أميرها القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض – في تناقض واضح – حول هذه القمة، فالأمير يحضر في الوقت الذي يسمح فيه بنقد القمة على لسان وزير خارجية أكبر دولة عدائية للمنطقة وفقًا لسياسات مجلس التعاون الخليجي.
إن العلاقات الإيرانية مع قطر ليست – بطبيعة الحال – الملف الأول الذي يتشابك مع علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي، فهناك ملفات أخرى على رأسها موقف الدوحة من ملف الإخوان المسلمين في مصر، واستغلال منبر الجزيرة من أجل الهجوم المتكرر اليومي على النظام السياسي في مصر باعتباره غير شرعي، وأن محمد مرسي ما زال الرئيس الشرعي للبلاد، وفتح المجال لكل المحسوبين على تنظيم الإخوان من أجل ممارسة نشاطهم السياسي والإعلامي ضد الدولة المصرية، وهو الموقف الذي يتعارض مع توجهات مجلس التعاون الخليجي الداعم بقوة للنظام المصري واستقراره حاليًا.
فضلاً عن ذلك لا ينكر أحد دور الدوحة الواضح في الأزمة السورية من خلال دعم تنظيمات على حساب تنظيمات أخرى على خلاف ما ترغب السعودية ودول المجلس، في الملف السوري، وكذلك وقوف قطر بجانب تنظيمات سياسية ومسلحة في الملف الليبي على خلاف ما ترنو إليه السلطة المصرية والخليج في ليبيا.
وعلى ذلك، فإن موقف الدوحة السياسي المتعلق بقناعاتها السياسية والعسكرية في المنطقة يقف على أقصى يسار تطلعات مجلس التعاون الخليجي في المنطقة، وهو ما ينذر بمشكلات سياسية ولوجيستية في القريب العاجل.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر