سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
شكلت العلاقات التركية المتنامية مصدرًا لإثارة التوتر ودعم الخلاف بين دول الخليج ومصر من ناحية، وقطر من ناحية أخرى؛ إذ بدلاً من أن تتعاون الدوحة مع محيطها الجغرافي والثقافي والطبيعي، اضطرت إلى اللجوء إلى تركيا وإيران لتحقيق تعاون اقتصادي يعوضها عن المقاطعة التي فرضتها الدول العربية الرئيسية عليها، رفضًا لسلوكها وتدخلاتها في المنطقة عبر أذرعها ومنصاتها.
المقاطعة والارتماء في الحضن التركي
لم تعدل قطر عن تصرفاتها رغم التحذيرات المتتالية من الدول العربية لها، وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر والبحرين، واستمرت في التدخل في الشؤون الداخلية لعدة دول عربية، وإدارة منصات إعلامية مختلفة لدعم جماعات الإسلام السياسي بها، رغم تصنيف هذه الجماعات على قوائم الإرهاب بهذه الدول، كذلك احتضنت العديد من رموز وقيادات هذا التيار وقدمته للرأي العام العربي على أنه معارضة سياسية.
ونتيجة لهذا السلوك المستمر أعلنت الدول الأربع عن مقاطعة الدوحة ديبلوماسيًا واقتصاديًا، ردًا على عدم التزامها بالإجماع العربي وعملها على زعزعة الاستقرار في المنطقة.
هذه المقاطعة دفعت الدوحة إلى اللجوء السريع إلى تركيا التي تربط رئيسها رجب طيب أردوغان علاقات قوية بالحكم القطري، فاستغل الفرصة لوضع أقدامه في الخليج، فبدأ بإنشاء قاعدة عسكرية بها آلاف الجنود الأتراك الذين أصبح لهم نفوذ كبير بالدوحة، مستغلاً الوضع الاقتصادي لتحقيق مكاسب كبرى للشركات ورجال الأعمال الأتراك للسيطرة على أسواق قطر.
الاتفاق التركي القطري
كجزأ من سياستها وتصرفاتها المخالفة لدول الخليج ومحيطها العربي، وقعت قطر اتفاقية أمنية وعسكرية مع تركيا، تضمنت العديد من النقاط المبهمة التي وُضعت خصوصًا، بحسب محللين، حتى يتمكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من استغلالها وفق توجهاته السياسية والأيديولوجية. ونشر الموقع السويدي “نورديك مونيتور” نصوص الاتفاقية السرية.
فتركيا الدولة العضو في حلف الناتو، التي يحكمها نظام جمهوري يُشترط أن يكون للبرلمان فيه سلطة في الحساب والمراقبة، تحايل رئيسها على الأمر بإقرار اتفاقية تسمح له بتجاوز محددات السياسة الخارجية للجمهورية التركية ومصالحها، بما يخدم التطلعات والرغبات الأيديولوجية له.
بنود مبهمة
ضمت الاتفاقية التي وقعتها تركيا وقطر في الثامن والعشرين من أبريل عام 2016 بالدوحة، بنودًا مبهمة تسمح للجانب التركي باستخدامها لصالح أطماعه والتوجهات السياسية التي تنتمي إلى الإسلام السياسي، الذي يحكم هناكوأساسه حزب العدالة والتنمية. هذه البنود ضمت تعريفات فضفاضة لبعض مصطلحاتها وأطلقت يد الرئيس التركي للتصرف كما يشاء بعيدًا عن الرقابة البرلمانية في بلاده التي قد تعوقه إذا ما اضطر إلى التصرف وفقها.
إطلاق يد أردوغان
أتاحت الاتفاقية المبرمة بين الدوحة وأنقرة للرئيس التركي استخدام القدرات العسكرية التركية، وهي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي، والتصرف كما يحددها الرئيس دون الحاجة للبرلمان، وبالتالي استخدامها في مشروعه السياسي والأيديولوجي بعيدًا عن المحددات السياسية للجمهورية التركية التي تقوم على التوازن والاستقلالية مع الدول العربية، وعدم الانحياز لدول أو تيارات سياسية على حساب أخرى. وتكمن خطورة هذا في أن أردوغان قد يلجأ في فترة ما إلى استخدام الاتفاقية لتنفيذ أجندته، حتى ولو لم ترضَ الدوحة بها، ضد دول خليجية لمحاولة فرض نفوذه وسيطرته والتأثير على الوضع السياسي بالمنطقة.
جنود خارج المساءلة
ومن أخطر ما جاء في الاتفاقية أنها لا تجيز محاكمة أو ملاحقة أي جندي تركي موجود على الأراضي القطرية في حال ارتكابه أي مخالفة أو جريمة أثناء فترة وجوده، إذ أكدت أن “كافة الجنود الأتراك الموجودين على الأراضي القطرية لا يمكن أن يخضعوا للقانون القطري ولا للجهاز القضائي هناك، وأنه في حال ارتكب أي منهم مخالفة أو جريمة، فإن القضاء التركي هو الذي يختص بالنظر فيها”.
وتنص المادة الخامسة من الاتفاقية في فقرتها الثانية على أن “الجمهورية التركية هي صاحبة الاختصاص القضائي فيما يتعلق بمواطنيها في حال اُرتكبت “أية جريمة ضد الأمن أو الممتلكات أو الأشخاص التابعين لتركيا”، و”أية جرائم تتسبب بها الأعمال التي تتم لتنفيذ المهام الرسمية للأتراك، أو أخطاء، أو فشل قد يحدث عند إنجاز المهام الرسمية”، بالإضافة إلى “أية شهادات أو وثائق تتعلق بالمهام يتوجب أن تصدر بعد التواصل بين الجهات القانونية في البلدين، ويتوجب توقيعها من جنرالات أتراك وقطريين معًا”.
أكثر من كونها تدريبات
تكمن خطورة الاتفاقية في أنها لا تحدد مهمة القوات التركية الموجودة على الأراضي القطرية بالتدريب أو المناورات فقط، وإنما تفتح المجال للقيام بـ”عمليات” مشتركة أو قتالية” تشير إلى تبييت النية على أن هذه القوات دورها يتجاوز ما يتردد عن كونها للتدريب والتعاون فقط، وأنها جاءت – بالأساس – لتكون عامل تهديد للدول المحيطة وزيادة التوتر والصراع بالمنطقة. وما يعزز من هذه الفرضية، تسريع البرلمان التركي الذي يسيطر عليه حزب الرئيس أردوغان، إقرار الاتفاقية خلال أيام وجيزة رغم أنها تستغرق في الوضع الطبيعي أسابيع وشهورًا حتى يتم إقرار اتفاق مشابه.
واحتوت الاتفاقية على مصطلحات فضفاضة، مثل “أي مهمات أخرى”، تتيح للرئيس التركي تجاوز البرلمان باعتبار أن قراراته تكون تحصيل حاصل ضمن الاتفاقية التي أقرها البرلمان، ولا داعي لمناقشتها مجددًا، وقد ظهرت في المادة الرابعة على هذا النحو: “تتمثل المهمة الرئيسية للوحدة في دعم وتحسين القدرات الدفاعية لقطر من خلال تمرينات وتدريبات مُشتركة/ موحدة، وتخضع لموافقة كلا الطرفين، وتنفيذ التدريبات/ التمرينات مع القوات المُسلحة لدولٍ أخرى والمساهمة في مواجهة الإرهاب وعمليات دعم السلام الدولي، وأي مهمات أخرى، يتم الاتفاق عليها بشكل مُتبادل بموافقة خطية من كلا الطرفين”.
اتفاق غير محدد المدة
تعمد الاتفاق بين الدوحة وأنقرة على جعل وجود القوات التركية مفتوح الأمد وبلا مدة معينة، خلافًا لأي اتفاقيات مماثلة، فالوجود التركي ليس له نهاية أو مدة زمنية يتم التجديد لها حتى، وإنما ترك المجال مفتوحًا حتى يتمكن الرئيس التركي وتياره السياسي من إبقاء الوضع كما هو عليه دون الحاجة إلى طلب موافقات برلمانية. ورغم تحديد المادة الـ17 من الاتفاقية مدة لها تقدر بعشر سنوات تجدد تلقائيًا لخمس أخرى، فإن ذلك لم يشمل وجود القوات نفسها التي قد تبقى إذا انتهت الاتفاقية أو لا.
عدد وعتاد غير محدد
لم تحدد الاتفاقية عدد الأفراد الأتراك الذين ينبغي أن تشملهم، ويوجدون على الأراضي القطرية، بالإضافة إلى عدم تحديده العتاد العسكري المختلف من قوات برية وبحرية وجوية، قد تنقلها تركيا إلى هناك، ويترك هذا المجال مفتوحًا لوجود أي عدد من الأفراد أو جلبهم، وكذلك الآليات والتجهيزات القتالية دون الحاجة – أيضًا – للحصول على موافقة البرلمان، رغم أن القسم رقم 2 من هذه المادة ينص على أن “نشر القوات يجب أن يكون وفقًا للخطة التي يقبل بها الطرفان”.
وأهم من ذلك، أن الاتفاقية لم تعالج مسألة النزاعات مع طرف ثالث ولم تنص على آلية لهذا الغرض. وأشارت المادة السادسة عشرة من الاتفاقية إلى أن الخلافات “يجب أن تُحل عبر المفاوضات بين الطرفين، دون الرجوع إلى السلطة القضائية الخاصة بالطرف الثالث، أو محكمة وطنية أو دولية”، فقط دون التطرق الى التعامل مع طرف ثالث.
استنزاف تركي للدوحة
التقارب الكبير بين قطر وتركيا، استغلته أنقرة لصالحها على كل الصُعُد، فبعد البُعدين العسكري والاستراتيجي اللذين جعل لهما موطئ قدم واسع وغير محدد المعالم في الخليج العربي، توجهت الدولة التركية التي عانى اقتصادها من الانكماش والترنح تحت تداعيات أزمة الليرة، للهيمنة على الأسواق القطرية والمشاريع العملاقة بها، بما يوحي للمتابع والمراقب أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين ليست علاقة تساوٍ في المصالح، وإنما استغلال من قبل الشريك الأكبر والأقوى، وهو تركيا، للشريك الأضعف الطالب للحماية، واستنزافه اقتصاديًا، وجعله يعتمد عليه بصورة شبه كلية.
تغول اقتصادي غير مسبوق
وقعت قطر وتركيا عشرات الاتفاقيات التجارية خلال القمم المتعددة التي عقدت بين حاكمي الدولتين، حيث عقدا معًا 17 لقاء خلال 41 شهرًا، وسمحت هذه الاتفاقيات للجانب التركي بالدخول بقوة إلى الأسواق القطرية والهيمنة عليها. وبالرغم من أن الاستثمارات التركية المعلنة في قطر تبلغ نحو 12 مليار دولار، فإن أضعاف ذلك تنقل إلى تركيا لتكون رافدًا للاقتصاد التركي ويجني أرباح سوق مضاف إليه تسهيلات واتفاقيات حررت التجارة بين البلدين وحققت له أكثر ما هو متوقع. كما مثَّل دعم حاكم قطر الأمير تميم بن حمد، طوق نجاة للرئيس التركي في محنته العام الماضي، عندا انهار سعر صرف الليرة التركية، إذ أعلن تميم استثمار 15 مليار دولار مباشرة في الاقتصاد التركي بما يسمح لحليفه بامتصاص مؤقت للانهيار الكبير في سعر الليرة التركية أمام الدولار.
استشراف وتوقعات مستقبلية
مثلت الاتفاقية الأمنية والاتفاقيات التجارية الأخرى بين قطر وتركيا، ميزانًا مختلاً لصالح الجانب التركي، كما يرى المراقبون. ورغم أن قطر تسعى من خلف هذه الاتفاقيات إلى تعزيز موقفها في مواجهة محيطها العربي، فإنها قدمت اقتصادها ومزايا ضخمة لتركيا، ويُتوقع أن تسير الأمور على هذا النحو:
1- استغلال تركيا الاتفاقية الأمنية لممارسة هيمنة عسكرية على الدوحة والتحكم في مقاليد السياسة والإعلام واعتبار قطر قاعدة تركية تمارس من خلالها نفوذها في المنطقة.
2- استخدام الرئيس التركي الاتفاقية والوجود العسكري لإثارة نزاعات إقليمية تدعم أيديولوجيته وتدعم جماعات الإسلام السياسي من خلالها.
3- تحويل قطر لمجرد سوق للبضائع التركية والهيمنة التجارية عليها بما يُعدُّ رافدًا لتركيا يساعدها في مواجهة مشاكلها الاقتصادية.
وحدة الدراسات التركية
المراجع
1- موقع نورديك مونيتور Turkey-Qatar military agreement signals strategic paradigm shift.
2- موقع سويدي ينشر وثائق لـ”اتفاقية عسكرية سرية” بين قطر وتركيا، سبوتنيك.
3- اتفاقية هي الأولى من نوعها بين قطر وتركيا، روسيا اليوم.
4- بعد الـ3 مليار دولار القطرية لتركيا أردوغان يطمع في المزيد، اليوم السابع.
5- اتفاق اقتصادي جديد يستنزف قطر لمصلحة تركيا، الإمارات اليوم.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر