سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تظل القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والأبرز في العالم العربي، وفي مقدمة اهتمامات المملكة العربية السعودية على مدى العصور، فما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في كلمته بالقمة العربية التاسعة والعشرين، المنعقدة في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي الدولي في الظهران، بأن القضية الفلسطينية، هي قضية العالم العربي الأولى، وانطلاقًا من رئاسة خادم الحرمين للقمة، فقد أسماها بـ”قمة القدس”، مما يعتبر خير دليل على أهمية القضية ككل في عقل وقلب الدولة السعودية وقيادتها الرشيدة، وبالتالي كافة قادة وشعوب العالم العربي. هذه القمة التاريخية، اكتسبت أهميتها، بجانب كونها تحت رئاسة السعودية، أنها جاءت خلال فترة عصيبة، تمر بها المنطقة بتعرضها للعديد من التحولات خلال السنوات الماضية، أدت إلى تهديدات ضخمة للأمن القومي العربي، بداية من القرار الأميركي لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكذلك الملف الأخطر المتمثل في جماعات التطرف والإرهاب. في حين تشير التقارير الدولية الخاصة بالإرهاب إلى أن كل الدول العربية أصبحت تواجه الإرهاب، بصرف النظر عن مستوى الحداثة والتطور السياسي والاقتصادي لديها. والجميع يعلم أن الثلاثي (إيران- تركيا – قطر) على علاقة وثيقة ومتينة بقوى الإرهاب على اختلاف مستوياته وعقائده وأيديولوجياته، وفي كل الحالات تبقى التهديدات الأمنية تشكلها بوتقة واحدة.
وفي ظلال الكثير من الأزمات الخطيرة التي تعرضت لها المنطقة، تمكنت قوى دولية وإقليمية من التدخل في شؤون دول المنطقة بصورة غير مسبوقة، تصل إلى حد التهديد الوجودي، عبر خلايا وميليشيات إرهابية وطائفية، ناهيك عن كون ملف التدخلات الإيرانية يشغل العرب جميعًا، وهو من الأمور التي تتعامل معها المنظومة العربية بأعلى درجات اليقظة والانتباه. كما أعلن أمين عام الجامعة، أحمد أبو الغيط، أن القمة أعلنت التزامها بتهيئة الوسائل الممكنة وتكريس كافة الجهود اللازمة للقضاء على العصابات الإرهابية وهزيمة الإرهابيين في جميع ميادين المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية، والاستمرار في محاربة الإرهاب وإزالة أسبابه والقضاء على داعميه ومنظميه ومموليه في الداخل والخارج كإيران وأذرعها في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا[1].
وجاءت الأزمة السورية، ضمن العديد من القضايا التي تناولتها القمة، ولكن بروزها كان لسخونة الأحداث الواقعة بها عقب إطلاق صواريخ أميركية على أهداف تابعة للجيش السوري، ردًا على استخدام النظام الغاز الكيماوي ضد المدنيين، فتبين أن القمة عزمت أمرها على استعادة زمام المبادرة في جهود إنهاء الأزمة والعمل على وقف القتال، ودعم مسار جنيف للتوصل لحل سياسي على أساس القرار 2254، يحفظ وحدة سوريا وتماسكها واستقلاليتها ويقبل به الشعب السوري، والإجماع على وحدة الوطن السوري وتكامل ترابه الإقليمي، واستقلاله وحقن دماء أبنائه، تمثل كلها منطلقات جوهرية في أية معالجة للوضع المأساوي الذي تعيشه سوريا. وتمكنت الجهود العربية المخلصة من جمع شتات المعارضة السورية على أجندة موحدة، وبقي أن يستمع النظام السوري لصوت العقل، وأن يتخلى عن تصوراته بإمكانية الحسم العسكري اعتمادًا على قوى أجنبية لا تتوخى سوى تحقيق مصالحها الذاتية[2].
قراءة في كلمات القادة العرب
أكدت الكلمات التي ألقاها القادة العرب، خلال انعقاد القمة العربية[3]، الاتفاق والتوافق حول كل ما يتعلق بالقضايا والتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي، وبداية بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتسميته القمة بـ”قمة القدس”، على اعتبار أنها قضية جامعة لكل العرب والمسلمين من المحيط إلى الخليج، وهو الأمر الذي اتفق عليه كافة قادة الدول وشعوبها. ولما كان الأمن القومي العربي منظومة متكاملة لا تقبلُ التجزئة، فقد طرحنا أمامكم مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان (تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة)، مؤكدين على أهمية تطوير جامعة الدول العربية ومنظومتها.
وفي الشأن اليمني، أكد خادم الحرمين، التزام المملكة بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وأمنه وسلامة أراضيه، وأضاف “كما نؤيد كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن، وفقًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل تنفيذًا لقرار مجلس الأمن 2216، ودعا المجتمع الدولي للعمل على تهيئة كافة السبل لوصول المساعدات الإنسانية لمختلف المناطق اليمنية، محملاً الميليشيات الحوثية الإرهابية التابعة لإيران كامل المسؤولية حيال نشوء واستمرار الأزمة اليمنية والمعاناة الإنسانية التي عصفت باليمن، مرحبًا بالبيان الصادر عن مجلس الأمن الذي أدان بشدة إطلاق ميليشيات الحوثي الإرهابية صواريخ باليستية إيرانية الصنع تجاه المدن السعودية.
فيما أكّد أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن قضية فلسطين شهدت انتكاسة بعد إعلان نقل السفارة الأميركية للقدس، وقال إن النظام السوري يتحمل مسؤولية كبرى في انهيار الوطن وفقدان الكرامة. وأضاف أبو الغيط، أن التهديدات الكبرى التي تواجهنا تتساوى في أهميتها وتتطابق في خطورتها، مشددًا على أن إيران دعمت عصابات مارقة في اليمن لتهديد أمن المملكة العربية السعودية، مؤكدًا وجوب التضامن مع السعودية في إجراءاتها لصون أمنها، وقال “التدخلات الإيرانية في منطقتنا لا تستهدف الخير للعرب”. وزاد أبو الغيط أنه “هناك دول عربية ومن بينها السعودية تقوم ببناء تنمية مستدامة وعمل دؤوب لخدمة المواطن العربي.”
ونفس الأمر، اتفق عليه أمير دولة الكويت،صباح الأحمد الصباح، بقوله “مطالبون بأن نبذل جهودًا لحل الخلافات التي تعصف بعالمنا العربي ودراسة آليات مشتركة لتحديد الخلل والقصور، لافتًا إلى أنه سيعمل من خلال عضوية دولته في مجلس الأمن على تفعيل دور المجلس في حل قضايا المنطقة، واهتمامه البالغ بالضربات الجوية نتيجة استخدام السلطات السورية للسلاح الكيماوي بسبب عجز المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن عن الوصول إلى حل سياسي للصراع.
وفي ذات الوقت، الذي أكد فيه أمير الكويت، جهود “دول التحالف بقيادة السعودية لدعم الشرعية والدور الإنساني الرائد لدول التحالف لمعالجة الأوضاع الإنسانية الصعبة في اليمن الشقيق”، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي “نثق بحكمة خادم الحرمين الشريفين في دعم آلية العمل العربي المشترك”، مؤكدًا أن ثمة دولاً عربية تواجه خطر إسقاط مؤسسات الدولة، وطرف إقليمي يبني مناطق نفوذ داخل أكثر من دولة عربية”، لافتًا إلى أن “بلادنا تواجه أكبر أزمة منذ استقلالها، ونحتاج إلى استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، وأن مصر طرحت مبادرات عدة لبناء استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، وأن الحق العربي في القدس ثابت ولا يقبل المساومة، والمجتمع الدولي يتحمل مسؤولية مواجهة مخططات مصادرة حق الشعب الفلسطيني”، واستنكر بشدة “قيام جماعة الحوثي الإيرانية بإطلاق صواريخ باليستية باتجاه المملكة، مشددًا على أن مصر لن تقبل استهداف المملكة، وأن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ”.
انعكاسات الدور السعودي على القمة العربية
وقبل الحديث عن “إعلان الظهران”، من المهم أن نتناول انعكاسات الدور السعودي على القمة الحالية، فمن مميزات القمة العربية الـ29، أنها في عهدة السعودية، المعروفة بقدرتها على تصدر المشهد العربي والإسلامي بكل صلابة وقوة، والشاهد على ذلك استضافتها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، للعديد من القمم الكبرى على المستويين الإقليمي والعالمي، بما فيها قمة القدس الحالية، نجحت خلالها في تحقيق العديد من التحالفات والسياسات، نلخص بعض منها، كالتالي:
ولذا، كان من أبرز نتائج القمة، إعلان الملك سلمان بن عبدالعزيز، عن مبادرة لتعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة، إيمانًا منا بأن الأمن القومي العربي منظومة متكاملة لا تقبل التجزئة، وتمَّ طرح مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان (تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة)، تأكيدًا على أهمية تطوير جامعة الدول العربية ومنظومتها، والترحيب بما توافقت عليه الآراء بشأن إقامة القمة العربية الثقافية لدفع عجلة الثقافة العربية الإسلامية[4].
القضايا العربية وإعلان الظهران
ومن أبرز ما نتج عن القمة، “إعلان الظهران”[5]، الذي شدد على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تنتهجها جميع الدول العربية في قمة بيروت، وحدد العشرات من القضايا التي تدعمها القمة، نلخص أبرزها في الآتي:
لماذا سميت بـ”قمة القدس”؟
ولا شك أيضًا، في أن القضية الفلسطينية ستظل كذلك حتى حصول الشعب الفلسطيني على جميع حقوقه المشروعة، وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أبان خادم الحرمين الشريفين، في كلمته الافتتاحية للقمة، وتجديده رفض قرار الإدارة الأميركية المتعلق بـالقدس، بل والتشديد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، وهو ذات الأمر الذي تحدث عنه خادم الحرمين الشريفين، وكذلك البيان الختامي للقمة. وكما هو معروف، بأن السلام من ثوابت الجامعة العربية، كخيار عربي استراتيجي بحسب ما ورد في مبادرة السلام العربية من إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس، بما لا يؤدي إلى تأجيج الصراع[6].
ويجب ألَّا نغفل هنا، موقف خادم الحرمين الشريفين، المعروف بالنسبة للقضية الفلسطينية، إذ لا بدَّ أن نشير إلى تصريحاته، في منتصف ديسمبر الماضي، في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة لمجلس الشورى[7]، فقد شدد حينها العاهل السعودي على أهمية استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، بما في ذلك حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وما برهن على ذلك أكثر، التبرع بمبلغ مئتي مليون دولار أميركي، لصالح الأوقاف الإسلامية في القدس، ودعم اللاجئين الفلسطينيين، وبجانب ذلك أثبت البيان الختامي لقمة القدس، أن القضية الفلسطينية، هي عربية بامتياز، بما يدعو إلى وقف سيل المزايدات الإيرانية والتركية على قضية القدس، فأكد البيان وكلمة خادم الحرمين الشريفين على العديد من النقاط، نتناولها كالتالي:
ومن قضية القدس إلى التدخلات الإيرانية، جاء البيان الختامي حاسمًا بدعوة دول الجوار بوقف كل التدخلات الإقليمية، والتصدي لها بكل حزم لما تفعله إيران في البلدان العربية. وننوه هنا إلى الصواريخ الباليستية التي تطلقها ميليشيات الحوثي على المدن السعودية، والتي بلغت 117 صاروخًا، بما يؤكد – بلا شك – دموية أفكار مرجعيتها وتبنيها لكافة الأعمال الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في اليمن، وهنا نبرز الممارسات الإيرانية بواسطة الحرس الثوري:
– من الواضح للعيان، أن المشروع التمددي الإيراني في اليمن تنفذه ميليشيا الحوثي.
– وفي لبنان باتت ميليشيا حزب الله الإرهابية عبئًا ضد إرادة الدولة اللبنانية.
– وفي العراق تتعامل طهران معها وكأنها جزء أساسي من الأراضي الإيرانية ودعمها الكامل لميليشيات الحشد الشعبي.
– وعلى نفس الدرجة يبدو جليًا تدخلاتها في سوريا.
نتائج قمة القدس برئاسة السعودية
– أنها تخلت نهائيًا عن المواقف الرمادية، وكانت مواقفها بالنسبة للقدس حاسمة، حيث إن قرار الرئيس الأميركي الأحادي وغير القانوني بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، يعد تحديًا غير مسبوق لمحددات التسوية النهائية المستقرة والمتفق عليها دوليًا.
– اتخاذ موقف واضح حيال كل من يمس الأمن القومي العربي، فلا مجال بعد اليوم لكل من يحاول التغلغل والتدخل في شؤون المنطقة العربية، وجاءت الوثيقة النهائية للقمة حاسمة وحادة في وقف ممارسة الميليشيات الإيرانية المسلحة، وكذلك التدخل التركي في الأراضي العراقية والسورية.
– التأكيد على الدعم العربي الكامل للشعب السوري الشقيق، والحفاظ على وحدة سوريا ومؤسساتها وفقًا لإعلان جنيف (1) وقرار مجلس الأمن رقم (2254).
– إعادة إعمار العراق، فقد يعتبر بالنسبة لكافة أعضاء الجامعة العربية، فرصة لا بدَّ من استثمارها من أجل استمرار مساهمة العراق مع أشقائه في دعم مسيرة العمل العربي المشترك، وقد خصصت المملكة مبلغ مليار ونصف مليار دولار لإعادة إعماره ودعم الصادرات السعودية له خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في الكويت مؤخرًا.
– من المؤكد، أن الجامعة العربية ستبذل الكثير من الجهود في احتواء الأزمة الليبية من خلال دعم حكومة الوفاق الوطني وبذل الجهود الحثيثة للعمل بما جاء في اتفاق “الصخيرات” من أجل حل الأزمة في ليبيا حفاظًا على أمنها ووحدة أراضيها.
– وبخلاف الأطماع الفارسية، فقد أرسلت القمة إشارة إلى الرئيس التركي وتدخلاته السافرة في الشؤون العربية، حيث تتعرض بعض من الدول العربية لمخططات تركية. ويجدر بنا أن نذكر ما تتعرض له المناطق الحدودية في كل من سوريا والعراق، وهو ما أشار إليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في كلمته بالقمة – ضمنًا – بالاحتلال، ونضيف إلى ذلك ما أفصح عنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك رفع العلم التركي على مقر بلدية عفرين، والتخطيط للتمدد شمالي سوريا، بدعوى إزاحة أكراد سوريا من على الحدود مع تركيا.
– كما نتج عن القمة، التأكيد على أن الإجماع العربي ما زال منعقدًا على كافة القضايا التي تمس الأمن القومي العربي.
وحدة الرصد والمتابعة*
المراجع
[1]السعودية تطرح مبادرة تعزيز الأمن القومي العربي.
[2]البيان الصحفي لجامعة الدول العربية.
[3]خادم الحرمين يفتتح القمة الـ29 في مدينة الظهران، صحيفة عكاظ.
[5]نص إعلان “الظهران” عن القمة الـ29.
[6]نص كلمة خادم الحرمين الشريفين في قمة القدس، صحيفة سبق.
[7]الملك سلمان: من حق الفلسطينيين دولة عاصمتها القدس الشرقية، سكاي نيوز.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر