سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سامانثا لولر
قام البشر على مدار 3000 عام بتوثيق الأنماط في سماء الليل. أخبرت الحركات الدورية للأجرام السماوية أسلافنا بموعد الاصطياد المحددة وزراعة المحاصيل وكيفية التنقل في المحيطات. منذ أقل من قرن مضى، كان بإمكان الجميع أن ينظروا ويروا السماء المرصعة بالنجوم. لكن ليس بعد الآن. إذ أدى انتشار التلوث الضوئي في المناطق الحضرية إلى صعوبة رؤية أكثر من حفنة من النجوم في العديد من المدن حول العالم.
تسببت مجموعة من الأقمار الصناعية المتطفلة والجديدة نسبيًا، في حدوث المزيد من التلوث الضوئي عامًا بعد عام. نظرًا لأنها تعكس ضوء الشمس من مداراتها على ارتفاعات عالية، إذ تبدو هذه الأقمار الصناعية تمامًا مثل النجوم تتحرك عبر السماء. ابتداء من الآن، تعد الأقمار الصناعية أمرًا جديدًا يجب تتبعه والإشارة إليه، لكننا على وشك الانتقال من التحديق إليها إلى رؤيتها وهي تجتاح سماء الليل في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
في حين أن هذا سيظل أمرًا مزعجًا لمراقبي النجوم العاديين، إلا أنه سيكون مدمرًا لعلم الفلك البحثي.
يحتوي برنامج “ستارلنك” التابع لشركة “سبيس إكس” على حوالي 1840 قمرًا صناعيًا في المدار، بموافقة مؤقتة لإطلاق 40 ألف قمر إضافي، وهو ما يعادل 10 أضعاف العدد الإجمالي للأقمار الصناعية الموجودة حاليًا في المدار. والغرض من هذا الهيكل الضخم الجديد للأقمار الصناعية، الذي يُطلق عليه أيضًا اسم “ساتكون”، هو توفير الوصول إلى الإنترنت للعملاء في جميع أنحاء العالم، ولا سيَّما سكان الريف الذين يكافحون بدونه خلال سنوات العمل من المنزل أثناء الجائحة.
شركة “سبيس إكس” في طليعة سباق الفضاء الجديد بين الشركات الخاصة، محرزة تقدمًا موثوقًا نحو امتلاك ما لا يقل عن 65 ألف قمر صناعي في السماء تديرها شركات متعددة. فما الذي قد يبدو عليه شكل سماء الليل في المستقبل؟
في غضون ساعتين من شروق الشمس أو غروبها، ستكون عشرات إلى مئات الأقمار الصناعية مرئية بالعين المجردة، وتزحف عبر السماء في جميع الاتجاهات المختلفة مدارية خلفها النجوم، وفقًا لبحث نشرته أنا وزملائي الشهر الماضي في المجلة الفلكية.
سيحدث هذا الشكل الجديد من التلوث الضوئي في جميع أنحاء العالم. ولن يهم ما إذا كنت في الضواحي، أو في واحدة من 18 محمية في السماء المظلمة، أو في القطب الشمالي. عندما تنظر إلى السماء ليلاً، فإن واحدة من كل 15 نقطة ضوئية يمكنك رؤيتها بأم عينيك ستكون الأقمار الصناعية متحركة. سوف تغير سماء الليل التي نعرفها تمامًا.
يعتمد علماء الفلك على سماء مظلمة تمامًا لاكتشاف النجوم والمجرات البعيدة الخافتة والصغيرة جدًا بحيث يتعين على التلسكوبات الضخمة جمع الضوء لدقائق أو ساعات في المرة الواحدة باستخدام كاميرات حساسة وقوية لالتقاط صورة. الآلاف من الأقمار الصناعية المضاءة بنور الشمس في السماء فوق كل موقع من مواقع تلسكوب السماء المظلمة سوف تعيقها قريبًا.
من أجل بحثي في علم الفلك، أبحث عند حافة نظامنا الشمسي عن عوالم جليدية جديدة خافتة بملايين المرات عن قمر “ستارلنك”. طبقًا لحساباتي، سيطير العديد من أقمار “ستارلنك” عبر كل صورة من صور التلسكوب الخاص بي في المستقبل القريب جدًا. إنها مثل محاولة التحديق في النجوم بينما يقوم شخص ما بشكل دوري بتسليط مؤشر ليزر في عينك.
يكون التلوث الضوئي الناجم عن أقمار “ساتكون” أسوأ بالقرب من الشفق، عندما تكون المراقبة بالتلسكوب مهمة جدًا لاكتشاف وقياس مداري دقيق للكويكبات التي يحتمل أن تكون خطرة. يعد الاكتشاف المبكر لجسم يمكن أن يصطدم بالأرض أمرًا حاسمًا لمنع حدوثه. رد فعل المجتمع الملتوي والمتجاهل تجاه اكتشاف مذنب خطر يتجه نحو الأرض يحدث في حبكة الفيلم الساخر “لا تنظر لأعلى”، لكن ماذا يحدث عندما لا نستطيع النظر إلى أعلى؟
لا يمكننا فقط إرسال المزيد من التلسكوبات إلى الفضاء. إذ يكلف بناؤها وإطلاقها ما لا يقل عن 10 أضعاف تكلفة التلسكوب الأكبر بكثير الذي سيتم استخدامه على الأرض. وعلى الرغم من احتوائه على مرآة أصغر من العديد من التلسكوبات الأرضية، فإن تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي الذي أُطلق، مؤخرًا، هو أغلى جهاز تم تصنيعه على الإطلاق، بتكلفة تقارب 10 مليارات دولار، وسيستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانية الفيزياء الفلكية لوكالة “ناسا” على مدار سنوات عديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تلسكوب “هابل” الفضائي، الذي أُطلق في عام 1990، ومعظم التلسكوبات الفضائية الأخرى، موجود في مدار أرضي منخفض – جنبًا إلى جنب مع الآلاف من الأقمار الصناعية المجاورة لها – وقد أُعيقت بالفعل جراء التلوث الضوئي من الأقمار الصناعية.
لن تنهي هذه الأقمار الصناعية أبحاث علم الفلك، لكنها ستجعل الأمر أكثر صعوبة، مما قد يتسبب في فقدان 30% من صورنا بسبب الخطوط التي تسببها أقمار “ستارلنك” وحدها. يمكن استخراج بعض البيانات المفيدة من صورة أفسدتها أقمار “ساتكون”، لكنها تتطلب مجهودًا حاسوبيًا ولوجستيًا كبيرًا.
إن ظهور بحر من الأقمار الصناعية في الفضاء يعني أنه سيتم إجراء عدد أقل من الاكتشافات الرائدة في علم الفلك (وربما المنقذة للأرض)، ويرجع أساس ذلك إلى ممارسات شركة أمريكية خاصة واحدة وهي “سبيس إكس”.
الطريقة الوحيدة التي يمكن بها حفظ سماء الليل هي أن يقوم مشغلو الأقمار الصناعية بجعل أقمارهم الصناعية أكثر خفوتًا، أو إطلاق عدد أقل منها. حاول برنامج “ستارلنك” طوعًا رسم قمر صناعي واحد باللون الأسود، لكنه سرعان ما فشل. تمت إضافة واقٍ شمسي إلى بعض الأقمار الصناعية الأحدث في محاولة لجعلها خافتة جدًا بحيث لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لكنها لم تنجح أيضًا. تحتاج “سبيس إكس” إلى تسخير المزيد من المهندسين لحل هذه المشكلة المعقدة.
على الرغم من هذه المعوقات الدائمة والمتغيرة للسماء (بالإضافة إلى قضايا التلوث الأخرى)، فإن توفير الوصول إلى الإنترنت من خلال الأقمار الصناعية سيفيد بشكل كبير عددًا صغيرًا نسبيًا من الناس. ويتمثل أحد الحلول الممكنة في جعل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية غير ضرورية. وبدلاً من ذلك، يمكن للولايات والبلديات الاستثمار في البنية التحتية للإنترنت مثل النطاق العريض في المناطق الريفية عبر الألياف الضوئية أو الشبكات الخلوية. ولكن بتكلفة باهظة للعالم يوفر برنامج “ستارلنك” طريقة للحكومات لتجنب نفقات إنشاء بنية تحتية للإنترنت. ولا عجب أنهم لا يشتكون. مع هندسة أفضل، ربَّما من الممكن الوصول إلى حل وسط.
تقوم شركة سبيس إكس بانتظام بجعل الصواريخ تهبط على سفن مسيرة عن بعد في المحيط؛ يجب أن يكون مهندسوها الموهوبون هؤلاء قادرين على جعل الأقمار الصناعية أكثر خفوتًا. كما يجب عليهم معرفة كيفية استخدام عدد أقل من الأقمار الصناعية لتوفير التغطية للعملاء أو مشاركة البنية التحتية للأقمار الصناعية، كما تفعل شركات شبكات المحمول مع الأبراج الخلوية. يمكن أن تساعد سبيس إكس في إنقاذ أبحاث علم الفلك من خلال المساهمة في التمويل لتعويض التكاليف الإضافية التي سيواجهها الباحثون مع تجنب التلوث الضوئي من أقمارها الصناعية.
نحن علماء الفلك لا نملك مطلقًا أي سلطة قانونية على هذه الشركات الدولية الضخمة. من المرجح أن يستجيبوا فقط للتشريعات الدولية التي قد تكون بطيئة جدًا في النفاذ. يمكن تطبيق تأثير ضغط المستهلكين: إذا كان لدى العملاء بديلاً، فيمكنهم اختيار عدم الاشتراك في الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. يمكنهم التحدث إلى ممثليهم في جميع مستويات الحكومة ومطالبتهم بدعم أنواع أخرى من البنية التحتية للإنترنت في المناطق الريفية، وتنظيم الأقمار الصناعية في المدار بشكل صحيح. يمكنهم أيضًا الانضمام إلى منظمة نشطة في مكافحة التلوث الضوئي، مثل الجمعية الدولية للسماء المظلمة.
من المؤكد أن الأقمار الصناعية هي أعمال هندسية مثيرة للإعجاب، ولكن تكمن وراءها المذنبات والكواكب الخارجية والثقوب السوداء والمجرات والفيزياء الخيالية أكثر مما نتخيله حاليًا. ولكي نعرفهم، يجب أن نكون قادرين على رؤيتهم.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: latimes
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر