قاعدة “برنيس” العسكرية.. رسائل لأنقرة وطهران | مركز سمت للدراسات

قاعدة “برنيس” العسكرية.. رسائل لأنقرة وطهران

التاريخ والوقت : الأحد, 26 يناير 2020

افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قاعدة “برنيس” العسكرية على سواحل البحر الأحمر والثانية في مصر من حيث الضخامة بعد قاعدة “محمد نجيب” والتي تقع شمال شرقي مصر.

القاعدة الضخمة انضمت إلى جملة القواعد العسكرية الكبيرة التي يعمل الجيش المصري على بنائها وتحديثها، في إطار عملية التحديث الشامل للقوات المسلحة، ولتكون نقطة انطلاق جنوب شرقي مصر إذا ما دعت الحاجة.

وجاءت عملية تدشين القاعدة ضمن مناورات واسعة لكافة أسلحة الجيش، حيث عرضت أسلحة وطائرات جديدة انضمت للخدمة، بالاضافة لقطع بحرية منها حاملتي طائرات هليوكبتر وغواصات.

وكان لافتا في عملية التدشين وتنفيذ المناورة، حضور الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي في تأكيد على عمق العلاقات بين الخليج من جهة ومصر من جهة أخرى.

هذه القاعدة تمثل ثقلاً استراتيجيًا ونوعيًا للقوات المسلحة المصرية، خاصة أنها منشأة في مكان غير مألوف نسبيًا للعمليات العسكرية المصرية، سواء تلك التي من الجهة الشرقية حيث وجود الجيوش في مناطق السويس والإسماعيلية، أو المنطقة الغربية، التي شهدت أخيرًا افتتاح قاعدة “محمد نجيب” الكبيرة أيضًا.

كما أنها تعدُّ إضافة جوهرية لمنظومة الأمن القومي العربي الذي تمثل المملكة ومصر أكبر جيوشه وتتصديان لمحاولة زعزعة الاستقرار التي تقوم بها قوى إقليمية طامعة على رأسها نظام ولاية الفقيه في إيران ونظام الإسلام السياسي في تركيا.

حضور نائب وزير الدفاع السعودي الحدث الهام، كان رسالة ضمنية للقوى الإقليمية التي تسعى لصرف أنظار كل دولة وإشغالها بقضايا معينة، فهي وإن كانت تأكيدًا على عمق العلاقات السعودية المصرية، فإنها تؤكد حضور السعودية الهام والقوي في كافة ملفات المنطقة باعتبارها ركيزة الأمن في الشرق الأوسط.

مغزى المكان

مثَّل مكان قاعدة “برنيس” اهتمامًا للمراقبين السياسيين والعسكريين على حد سواء، إذ تقع القاعدة على ساحل البحر الأحمر جنوب سفاجا، فكان يطلق عليها “ميناء أهل الكهوف” كما يقول اليونانيون، ثم سميت “برنيس الذهبية” في العصر البطلمي وكان بها أكبر ميناء تجاري عام 275 قبل الميلاد.

وتعود تسمية المكان إلى “برنيقية” أم بطليموس الثاني الذي حكم مصر قبل الميلاد، لكن الكلمة حرفت لتصبح “برنيس” وكانت ميناء على سواحل البحر الأحمر. وهذه المنطقة قديمة من مناجم ذهب منتشرة في محيط جبل العلاقي.

المكان يكتسب أهميته من كونه قريبًا من مضيق باب المندب الذي يعدُّ بوابة الجنوب للبحر الأحمر والبوابة الأولى لعبور قناة السويس والانتقال إلى البحر الأبيض المتوسط. وهنا، فإن هذه القاعدة تمتلك أهمية استراتيجية تمكن مصر من تعزيز النفوذ العسكري في حدودها الجنوبية وتسمح لها بالانتشار السريع في حالة حدوث خلل بأمن البحر الأحمر والملاحة به. كما أنها تعدُّ بمنزلة مركز استراتيجي للتموين والانطلاق في العمليات العسكرية.

إمكانيات القاعدة

تعدُّ قاعدة “برنيس” العسكرية، هي الثانية في مصر بعد قاعدة “محمد نجيب” من حيث المساحة، إذ تبلغ نحو 150 ألف فدان وأنشئت في عام واحد فقط. وتضم قاعدة جوية وأخرى بحرية، ومستشفى عسكريًا ورصيفًا بحريًا. وبها ممرات عديدة، طول كل منها ثلاثة كيلومترات وعرض من 30 إلى 45 مترًا. ويبلغ رصيف القاعدة البحري نحو 1000 متر وعمقه 14 مترًا.

القاعدة تضم أيضًا العديد من ميادين الرماية والتدريب وعددًا من المباني السكنية. ويجري العمل على إنشاء ميناء تجاري بطول 1200 متر وعمق 17 مترًا.

المهمات

تعمل القاعدة على حماية الحدود المصرية الجنوبية والساحلية، وتهدف إلى تقليل الضغط على قاعدة سفاجا البحرية التي تقع في الشمال منها. وهي تعدُّ الثانية بعد قاعد “محمد نجيب” في سلسلة القواعد العسكرية الجديدة التي يعمل الجيش المصري على بنائها. وتمثل القاعدة بإمكانياتها منطلقًا لعمليات عسكرية شاملة، إذ ستكون مركزًا لانطلاق بحري وجوي يسمح بسرعة انتشار وتعامل وقت الحاجة، وحفظ الأمن في البحر الأحمر وخطوط الملاحة، بالإضافة إلى حماية الاستثمارات المصرية.

الاهتمام الدولي بالقاعدة

مثَّل افتتاح القاعدة ضمن مناورات “قادر 2020” اهتمامًا لدى المراقبين السياسيين والعسكريين. واعتبرها الكثيرون تعزيزًا للقدرات العسكرية المصرية وتثبيتًا لوجودها على سواحل البحر الأحمر والحدود الجنوبية لمصر. وحظي الافتتاح والمناورات التي أجريت وحضرها نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، باهتمام متزايد، لما مثَّله حجم القاعدة والأسلحة والمعدات التي شاركت في المناورات. فالمناورات الضخمة التي انطلقت من القاعدة شارك فيها طائرات جديدة من كافة الطرازات وتنوعت بين المقاتلة والمروحيات والنقل العسكري، وقطع بحرية انضمت إلى الأسطول المصري أخيرًا. وأعلن عن طائرات الكاموف وعن الوحدة 999 قتال التابعة للصاعقة المصرية.

“وكالة سبوتنيك” الروسية قالت إن أهمية القاعدة تتمثل فى الأوضاع التي تشهدها المنطقة حاليًا خاصة التوترات التي تحدث في حيز المتوسط. وأنها ستكون بمثابة حصن لمصر ضد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر وتضمن الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس والمناطق الاقتصادية المرتبطة بها.

واعتبرت صحيفة “الاتحاد” الإماراتية أن “قوة مصر هي قوة للعرب جميعًا” إذ أكد ذلك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبى، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء حضوره افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية برفقة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

وذكرت صحيفة (الخليج) “أنه لا بدَّ لعملية التنمية والإنجازات من قوة ترد عنها الشرور والأطماع، كما لا بدَّ من حماية السلام بقوة رادعة، خصوصًا أن منطقتنا مستهدفة بجغرافيتها وتاريخها وحضارتها”.

صحيفة الشرق الأوسط رأت أن قاعدة “برنيس” العسكرية تمثل التكامل بين أنظمة التسليح وجميع عناصر القوات المسلحة من الوحدات الميكانيكية والمدرعات والإشارة والحرب الإلكترونية ووحدات المراقبة بالنظر، والوحدات الإدارية تحت غطاء عناصر الدفاع الجوى بالتعاون مع القوات الجوية والقوات البحرية.

دور القاعدة الاستراتيجي

وجود قاعدة ضخمة ومهمة في هذا المكان من البحر الأحمر يمثل رسالة واضحة لأطراف دولية تطمع في لعب دور أكبر في هذا الإقليم، وتسعى للوجود العسكري أو الاقتصادي. وهنا، فإنه يمكن الإشارة إلى هدفين أساسسين يمكن أن تمثل القاعدة ووجودها تحذيرًا لهما من زيادة الدور عن المسموح به في منطقة البحر الأحمر وهما تركيا وإيران.

فتركيا التي تقاربت مع نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير ونجحت في الحصول على حق إعادة تأهيل الجزيرة واستثماراتها اعتبره مراقبون تصرفًا متماشيًا مع سعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة النفوذ العثماني القديم. فالجزيرة كانت تحظى بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، وقد كانت مركزًا لبحريتها في البحر الأحمر، بل إن ميناءها ضم مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885. لكنها ارتبطت في أذهان السودانيين بمقاومة المستعمر العثماني الذي تكتظ الجزيرة بآثاره.

وعلى ذلك، فإن الوجود المصري القوي على ساحل البحر الأحمر يعدُّ تهديدًا واضحًا لأي محاولة لفرض واقع جديد أو إنشاء أي قواعد أجنبية في المنطقة تمثل تهديدًا لدوله.

كما أن القاعدة تمثل تعزيزًا للحماية داخل البحر الأحمر وحفاظًا على الممر الملاحي العالمي الذي يحقق لمصر دخلاً كبيرًا عبر قناة السويس. فبوابة البحر الأحمر مهددة من الاعتداءات الحوثية على الملاحة الدولية، ومحاولتها السيطرة على مداخله لخلق قلق عالمي ولفت الأنظار لهذه الميليشيا التي تسيطر على العاصمة اليمنية صنعاء.

وفي هذا رسالة واضحة لإيران التي يتبع لها الحوثيون وينفذون أجندتها في جنوب شبه الجزيرة العربية ويسعون من خلال ذلك لتهديد الملاحة البحرية والسيطرة على باب المندب.

حماية الأمن العربي

كانت مشاركة الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، والشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، في افتتاح القاعدة بمنزلة التأكيد على أهمية الدور المصري في تعزيز الأمن العربي، ومثلت رسالة قوية مفادها أن مصر والسعودية والإمارات يقفون في خندق واحد ضد الأطماع الدولية في الشرق الأوسط.

وهو ما أكده الأمير خالد، إذ قال إن هذه القاعدة “تعدُّ محورًا رئيسيًا لمواجهة التهديدات في نطاق البحر الأحمر وتأمين حركة الملاحة العالمية”، لافتًا إلى أنها “تبين ما وصلت إليه جمهورية مصر العربية من تطور في منظوماتها العسكرية”، وفاقًا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. في حين أكد الشيخ محمد بن زايد، أن القاعدة “إنجاز نوعي يعكس رؤية مصر الطموحة لآفاق تنموية شاملة، تعزز دورها المحوري في منظومة الأمن العربي والاستقرار الإقليمي.. تمنياتنا لها مزيدًا من التقدم والازدهار”.

نتائج

يمكن القول إن قاعدة “برنيس” تمثل إضافة مهمة للقوات المسلحة المصرية، والأمن القومي العربي، وإن مشاركة الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، في افتتاحها، هي استمرار لدعم القيادة السعودية للقدرات المصرية وتعزيز لدورها الإقليمي الذي يسهم في تحقيق الاستقرار. كما أنها تضيف قوة استراتيجية للقوات المصرية تسمح لها بتفوق استراتيجي. وتمثل أيضًا عنصر استقرار لأمن البحر الأحمر وترسخ من التعاون المصري الخليجي عن طريق:

– تدفع القاعدة لمزيد من التعاون الأمني بين مصر ودول الخليج، خاصة السعودية التي تشاركها الجهة المقابلة في البحر الأحمر، بما يعزز من التعاون ويحقق أمن المنطقة. وهنا يمكن القول إن السعودية باعتبارها صاحبة الجيش الأكثر تطورًا في المنطقة وما لها من ثقل سياسي واستراتيجي، تعمل مع مصر على حفظ الاستقرار وتعزيزه.

– من شأن ذلك أن يعطي القوات المسلحة أفضلية في الحركة وسهولة تجعلها أكثر قدرة على حماية أمن الملاحة إذا ما تطلب الأمر تدخلاً عسكريًا مباشرًا.

– إن القاعدة تعدُّ تأكيدًا مصريًا على أنها لن تقبل بأي محاولة للتدخل في شؤون البحر الأحمر أو إنشاء قواعد عسكرية خاصة في السودان أو تهديد الملاحة البحرية في باب المندب.

– تدفع القاعدة لمزيد من التعاون الأمني بين مصر ودول الخليج، خاصة السعودية التي تشاركها الجهة المقابلة من البحر الأحمر، بما يعزز من التعاون ويحقق أمن المنطقة.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع

1 – “برنيس”.. تفاصيل عن القاعدة التي رفضت مصر تسليمها لأميركا. العربية.
https://bit.ly/3ansP2K
2 – “برنيس” العسكرية | الصحف العربية: مصر هي السند.. والإعلام الإسرائيلي: الجيش المصري أصبح “وحشًا”. بوابة أخبار اليوم.
https://bit.ly/36bF53g
3 – 10 معلومات عن قادر 2020.. تعرف على سر توقيت المناورة. اليوم السابع.
https://bit.ly/2RyT2Tq
4 – أطماع تركيا في البحر الأحمر تتحطم على جزيرة سواكن السودانية. العين الإخبارية.
https://bit.ly/3atC41t
5 – بنظر خالد بن سلمان ومحمد بن زايد.. ما أهمية قاعدة برنيس العسكرية في مصر؟ سي إن إن عربي. https://cnn.it/2TTucAH

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر