سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ليونيد بيرشيدسكي
قد تجلب النتائج الأولى لتجربة فنلندا بشأن «الدخل الأساسي العالمي» التي استغرقت عامين، والتي لم يؤكدها كثير من الأبحاث حتى الآن، الضرر لقضية «الدخل غير المشروط». فقد أظهرت التجربة أن مبدأ «المال مقابل لا شيء» يسعد الناس، لكنه لا يدفعهم للبحث عن عمل، على عكس معونة البطالة التقليدية.
كانت التجربة الفنلندية التي أجراها معهد «كالا» – معهد التأمين الاجتماعي الأكبر في البلاد – خلال عامي 2017 و2018 بالغة الأهمية لصناع السياسة العالمية الباحثين عن تنوع الدخل غير المشروط نوعاً من التعويض عن خسارة الوظائف بسبب التغيير التكنولوجي. وحتى الآن لم يظهر مثال آخر لتجربة واسعة النطاق في دولة أوروبية يمكنها منافسة التجربة الفنلندية سوى في مقاطعة أونتاريو الكندية. فقد جرى تعيين موظفين في أبريل (نيسان) 2018، لكن بعد تغيير الحكومة تقلصت التجربة بشكل دائم، ما يعني أن البيانات الحقيقية المتاحة أمام الباحثين بشأن الدخل الأساسي العالمي في الدول الصناعية جاءت من فنلندا وحدها.
ربما أن أهم المعايير بالنسبة لصناع السياسة فيما يخص هذه البيانات، تتعلق بتأثير الدخل غير المشروط على التوظيف وعلى الإنفاق الاجتماعي للحكومة. وفي كلتا الحالتين، فقد فشلت التجربة الفنلندية في تحقيق تقدم جديد لمؤيدي ما يعرف بـ«الدخل الأساسي العالمي»، فقد كان التصميم المعيب للتجربة سبباً جوهرياً.
دفعت فنلندا مبلغ 560 يورو (636 دولاراً أميركياً) لألفي شخص إعانة بطالة بصفة شهرية من دون أن تطلب منهم المرور بالإجراءات البيروقراطية الضرورية للتقدم للحصول على مثل هذه الإعانات التقليدية، وبصرف النظر عما إذا كان الشخص قد وجد عملاً أم لا. وبالنظر إلى متوسط الدخل البالغ 2900 يورو شهرياً لعامة الناس، فإن المبلغ الذي دفعته الحكومة والمذكور آنفاً يقل قليلاً عن خط الفقر، لكن المستفيدين لم يحرموا من غير ذلك من الإعانات الاجتماعية مثل بدلات الإسكان والمرض. يمكن للمستفيدين أيضاً التقدم بطلب معونة بطالة حال كان المبلغ الذي يستحقونه أعلى من الدخل الأساسي، وهي حالة مكررة للعائلات التي تضم أطفالاً. لكن ذلك أثر سلباً في تأثير الدخل الأساسي العالمي، إذ إنه لم يأخذ بيد الناس بعيداً عن الفقر المدقع ولم يخلصهم من البيروقراطية المرهقة.
وحتى الآن، فإن معهد كالا للتأمين الاجتماعي وعدداً من الأكاديميين من الجامعات الفنلندية الذين عكفوا على دراسة نتائج التجربة لم يحللوا سوى بيانات عام واحد. صحيح أن بيانات عام 2018 قد تغير من نتائجهم، لكن استناداً إلى بيانات عام 2017، فإن الدخل الأساسي العالمي لم يزد من ميل الناس للبحث عن عمل.
في المتوسط، عمل الأشخاص في مجموعة العلاج (المستفيدين من الدخل الأساسي العالمي) لمدة 49.64 يوم خلال عام 2017، فيما عمل الأشخاص في مجموعة التحكم (الذين يحصلون على إعانات تقليدية) لمدة 49.25 يوم، ما يعني أنه لا توجد فروق جوهرية بين المجموعتين.
في المتوسط، حصل المستفيدون من الدخل الأساسي على 15.159 يورو من الحكومة عام 2017، بما في ذلك الدخل الأساسي العالمي، فيما حصل الأشخاص في مجموعة التحكم على 11.337 يورو، ما يعنى أن الحكومة أنفقت 5 آلاف يورو إضافية على كل شخص مشارك في التجربة ليحصل على الدخل نفسه لسوق العمل. لكن قليلاً من صناع السياسة ستشكل لهم هذه النتائج مصدر إلهام.
لكن الجوانب الأخرى في التجربة لم تكن مشجعة بهذا القدر. فقد أجرى الباحثون الفنلنديون مسحاً باستخدام مجموعة علاجية ومجموعة تحكم نهاية عام 2018 لتقييم النتائج الموضوعية للرفاه بعد عامين من بداية التجربة. فقد أظهرت الدراسة تحسناً كبيراً في شعور الناس بصحتهم ومستقبلهم عندما يحصلون على دخل غير مشروط.
أفاد المستفيدون من الدخل الأساسي العالمي بأنهم كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر اهتماماً بالبحث عن عمل وأقل توتراً من نظرائهم الذين يتقاضون إعانات بطالة تقليدية، بل إنهم أظهروا ثقة أكبر في الساسة (وإن كان دخلهم لا يزال أقل من عامة الناس).
لذلك يجب أن نأخذ نتائج الاستطلاع مع بعض الملح بسبب انخفاض مستوى الاستجابة لاستبيان الباحثين، الذي بلغ 31 في المائة من مجموعة العلاج و20 في المائة من مجموعة التحكم. ربما أن التحيز للاختيار الشخصي كان له دور، بمعنى أن الأشخاص الذين سعدوا بالتجربة جاءت مشاركتهم بأعداد أكبر ممن لم تسعدهم التجربة. على سبيل المثال، 30 في المائة من المشاركين الذين حصلوا على الدخل الأساسي كانوا يعملون في الوقت الذي خضعوا فيه للاستطلاع، و25 في المائة من مجموعة التحكم كانوا موظفين بالفعل.
بديهياً، يبدو أنه صحيح أن الأشخاص الذين يشعرون بأمان لحصولهم حتى على دخل بسيط يبدون تفاؤلاً أكبر ويشيرون إلى أنهم يعملون بصورة أفضل. وتؤكد بعض البيانات الموثقة ذلك أيضاً، فقد حصل المستفيدون من الدخل الأساسي العالمي على متوسط 121 يورو إعانة مرضية عام 2017، مقارنة بمبلغ 216 يورو لمن لا يحصلون عليه.
السؤال الذي تحتاج الحكومة أن تسأله هو ما إذا كانت النتائج الخفيفة – المقصود الأشخاص الأكثر سعادة نسبياً والأقل ضغطاً نفسياً في أدنى سلم الدخل – يستحقون زيادة كبيرة، أم لا. من الواضح أن تقليص أعداد العاطلين عن العمل وتحسين نوعية الوظائف التي يحصل عليها العاطلون عن العمل ستمثل مسار الجدل الأكبر بشأن الدخل غير المشروط. لكن في بعض المجتمعات المتقدمة، يمكن أيضاً اعتبار السعادة نتيجة وافية لتبرير زيادة الأعباء الضريبية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر