في “دافوس”: البحث في أزمة الرأسمالية | مركز سمت للدراسات

في “دافوس”: البحث في أزمة الرأسمالية

التاريخ والوقت : الأحد, 26 يناير 2020

إيشان ثارور

سيبدأ المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو أكبر تجمع للثروة والسلطة في العالم، مرة أخرى وسط قلعة من الثلج والجليد في جبال الألب السويسرية. ويستعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإلقاء خطاب أمام هذا المنتدى الثلاثاء المقبل. إذ سيكون هناك عشرات من قادة العالم حاضرين. بالإضافة إلى قائمة من كبار المديرين التنفيذيين ومديري المؤسسات الكبرى وعدد قليل من المشاهير، الذين سينضمون إلى الحشود التي ستكتظ بها حفلات الفنادق الفخمة في المدينة الجبلية النائمة.

وسيكون هذا التجمع هو الخمسون منذ تدشينه في عام 1971، وهو ما يمثل نصف قرن من الأحداث السياسية والازدهار الاقتصادي والكساد. ولسنوات، مثل دافوس، الذي أضحى مؤتمرًا لقادة العالم، التفسير الواضح لعدد من وجهات النظر العالمية.

إذ تعتقد كبرى الشركات العالمية في فضائل الليبرالية والعولمة ارتكازًا على قناعة بأن رؤساء الشركات يمكن أن يصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية الأخلاقية للصالح العام.

كما نشير إلى أن الاضطرابات والصدمات التي حدثت في العقد الماضي، أدت إلى اختبار مدى ثقة “دافوس” في حد ذاته. فقد أصبح رجل الأعمال النموذجي “دافوس مان”، “المعولم” ذو المكانة المميزة، مكانًا للسخرية وعدم الثقة لكل من اليسار واليمين السياسيين. فالأزمات المالية، والنزعات الشعبوية القومية المتزايدة في الغرب، وكذلك الاستبداد المتزايد في الصين، والتداعيات المتتابعة لتغير المناخ، أقنعت الكثيرين بأنه لا يوجد شيء لا يمكن التغلب عليه بشأن التقدم الليبرالي. وقد كشف استطلاع رأي عالمي جديد لعشرات الآلاف من الأشخاص أن أكثر من 50% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون حاليًا بأن الرأسمالية “تضر أكثر مما تنفع”.

وكل عام، يرافق المنتدى موجة غير متوقعة من السخرية عبر وسائل الإعلام. إذ يصبح المنتدى بمثابة “لم شمل الأسرة بالنسبة للأشخاص الذين أداروا العالم الحديث” كما قال “أناند جيرادراداس”، المؤلف والناقد الشهير صراحة، موجهًا كلامه للمليارديرات، في مقابلة تلفزيونية العام الماضي. وهنا يثار التساؤل: هل يمكن لـ”دافوس” أن يحافظ على وضعه التقليدي؟ إذ تشير صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن “دافوس كان ذات يوم منارة للتعاون الدولي، لكنه أصبح يشهد نقطة تحول”.

كما أن “كلاوس شواب”، مؤسس المنتدى الثمانيني ورئيسه التنفيذي، يبدو مقتنعًا بأن اللحظة الحالية تحتاج إلى المزيد من المنتديات الشبيهة بـ”دافوس”، وليس تراجعه. وفي الفترة التي سبقت اجتماعات هذا الأسبوع، تمَّ إعلان “بيان دافوس”، الذي يدعو الشركات إلى “دفع حصتها العادلة من الضرائب، وعدم التسامح مطلقًا مع الفساد، والتمسك بحقوق الإنسان عبر سلاسل التوريد العالمية، والادعاء بأن مثل هذه الروح، سوف تقطع شوطًا طويلاً في معالجة أوجه عدم المساواة في العالم، كما أنها قد تساعد الحكومات على تحقيق الأهداف المناخية التي حددتها اتفاقية باريس لعام 2015”.

وكتب “شواب” في مقال نُشر الشهر الماضي: (قادة الأعمال أمامهم الآن فرصة رائعة)، حيث جاء فيه: “فمن خلال إعطاء معنى ملموس للرأسمالية، يمكنهم تجاوز التزاماتهم القانونية والوفاء بواجبهم تجاه المجتمع”. ذلك أنه من المفترض أن يكون تمجيد “شواب” للرأسمالية مفيدًا بالنسبة لأصحاب المصالح في إطار سلسلة رابحة للأرثوذكسية الغربية التي تحقق أقصى قدر من الربح لرأسمالية “المساهمين”، ما يكسبها أهمية حقيقية.

ورغم ذلك، قد يجادل النشطاء بأنه حتى هذا الحد لا يبدو كافيًا.

ففي دراسة أجريت بالتزامن مع المنتدى الاقتصادي العالمي، وجدت “أوكسفام” أن أصحاب المليارات في العالم يسيطرون على ثروات أكثر من 4.6 مليار شخص، أو 60% من البشر. وهناك أيضا مؤشر آخر على أن أزمة عدم المساواة تخرج عن نطاق السيطرة، إذ يقول “بول أوبراين” من “منظمة أوكسفام الأميركية” في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني، إنه على الرغم من التحذيرات المتكررة حول عدم المساواة، فإن الحكومات لم تغير مسارها. إذ تعمل بعض الحكومات، وخاصة الولايات المتحدة، في الواقع على تفاقم اللامساواة من خلال تخفيض الضرائب على الأغنياء والشركات، في حين تخفض الخدمات العامة وشبكات الأمان، مثل الرعاية الصحية والتعليم، وهي المجالات المهمة في مكافحة عدم المساواة.

ويتفق بعض الحاضرين في “دافوس” على أن الكعكة الاقتصادية أكبر من أي وقت مضى في التاريخ، وهو ما يعني إمكانية جعل الجميع في وضع أفضل، لكننا اخترنا كمجتمع أن نترك الكثير من الناس وراءنا، كما يقول “إريك برينجولفسون”، مدير مبادرةMIT الخاصة بالاقتصاد الرقمي. كما يقول “هيذر لونغ” أن “هذا أمر لا يغتفر أخلاقيًا فحسب، بل إنه سيئ أيضًا من الناحية التكتيكية”.

ومن خلال قراءة نص مختلف تمامًا، نجد أنه من المتوقع أن يقوم الرئيس ترمب بالحديث كثيرًا عن نجاح سياساته الاقتصادية والتجارية. ففي الماضي، كانت هناك موجة عارمة من السخرية من جماعة “دافوس”.

على الرغم من أن الرئيس لم يكن متناسقًا فيما يتعلق برؤيته للعالم، فقد أوضح أنه ليس لديه أي خطط للتراجع عن تكتيكاته القوية حتى مع استعدائه للأصدقاء والأعداء الأميركيين على حد سواء، كا يقول كل من “آن جيران” و”جون هدسون”.

ومن المرجح أن يواجه ترمب تحديًا في “دافوس” من قِبَل مجموعة متزايدة من نشطاء المناخ وصانعي السياسات. وفي نفس اليوم الذي يلقي خطابه فيه، من المتوقع أن تخاطب الناشطة السويدية “غريتا ثونبرج” السياسيين والمديرين التنفيذيين الذين ما زالوا يستثمرون في الوقود الأحفوري. ورغم أنه من شبه المؤكد أن ترمب لن يستجيب لتلك الدعاوى، فإن ممثلي الشركات الكبرى الذين سيحضرون المنتدى يائسون من إظهار كيف يقومون بتكييف نماذج أعمالهم لاستيعاب مخاوف المناخ.

فقبل عامين، وجه “شواب” انتقادات لما كان ينظر إليه على أنه خطاب مغرٍ محض للترحيب بترمب في المنتدى، أمَّا الآن، فالأمر يبدو مختلفًا مع الوضع الذي يواجه إشكاليات عديدة ليس أقلها الحاجة الملحة لأزمة المناخ. لذا، فقد قال “شواب” للصحفيين الأسبوع الماضي: “لا نريد الوصول إلى نقطة التحول التي لا رجعة فيها بشأن تغير المناخ، فنحن لا نريد أن ترث الأجيال القادمة عالمًا يصبح أكثر عدائية وأقل قابلية للتكيف مع العالم”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: واشنطن بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر