في خضم المواجهة بين أميركا والصين “هواوي” تحارب من أجل البقاء | مركز سمت للدراسات

في خضم المواجهة بين أميركا والصين “هواوي” تحارب من أجل البقاء

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 16 يوليو 2019

أبهيجيت موخوبادهيا ونيشانت جها

 

مع تواصل النزاع حول شركة هواوي Huawei الصينية، تتصاعد المزاعم والادعاءات المضادة من كافة الأطراف في اتجاهات مختلفة.

ففي الأول من ديسمبر 2018، تمَّ توقيف المدير المالي لشركة هواوي، “منغ وانزهو”، Meng Wanzhouفي “فانكوفر” بكندا بناءً على طلب من سلطات الولايات المتحدة الأميركية، حيث واجه اتهامات بمساعدة الشركة في تغطية انتهاكات العقوبات الأميركية على إيران من خلال إبلاغ المؤسسات المالية بأن شركة تابعة لـ”هواوي”، وذلك وفقًا لما ذكره المدعى العام الكندي. وفي وقت لاحق، أطلق سراحه بكفالة قدرها 10 ملايين دولار، لكنه يواجه تسليمًا محتملاً إلى الولايات المتحدة الأميركية.

قام الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحظر فعلي على هواوي من خلال إصدار أمر أمن وطني في 15 مايو 2019. وإذا ظل الوضع على حاله، فمن المحتمل أن تقوم شركات التكنولوجيا الأميركية، مثل: “جوجل”Google، و”فيس بوك” Facebookبقطع علاقاتها مع هواوي، وكذلك الحال بالنسبة لتطبيقات أخرى، مثل: “جوجل بلاي ستور” Google Play Store، أو “فيس بوك” Facebookالتي لن تكون متاحة في هواتف هواوي حول العالم.

“منغ وانزهو” أيضًا هي ابنة الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة هواوي، “رين زينغ في” Ren Zhengfei. وبشكل عام يُنظر إلى أن الخطوة الأميركية بتوريط “منغ وانزهو” إنما هي جزء من حربها التجارية المستمرة مع الصين، لكن المشرعين الأميركيين يرون أن هواوي تمثل تهديدًا أمنيًا. كما كانت هناك ادعاءات خطيرة تمَّ توجيهها للشركات الصينية بما فيها هواوي التي يُزعم بأنها قامت باختراقات للأجهزة وهو ما قد يؤدي إلى تهديد للأمن السيبراني.

وكما حدث مع بعض القرارات المتعلقة بالتجارة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة (وكان عدد قليل منها ضد الصين)، فإنه يتم في تلك الحالة تفعيل بند “استثناء الأمن القومي” بموجب المادة الحادية والعشرين من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT). وفي حكمٍ صدر أخيرًا عن لجنة تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، حيث تمَّ تقديم وجهات نظرها كطرف ثالث، أكدت الحكومة الأميركية بشكل قاطع أن استثناء الأمن القومي إنما هو “حكم ذاتي” بالكامل وأن منظمة التجارة العالمية تفتقر إلى الاختصاص في تحديد هذا الاستثناء. وهو ما يلخص المزاج الصراعي لواشنطن في المرحلة الراهنة.

هنا سيكون من الحكمة أن نتذكر ما قاله واحد ممن صاغوا المادة 21 من اتفاقية “الجات” بأنه “يجب أن يكون لدينا بعض الاستثناءات بالنسبة للتجارة الحرة. فلا يمكننا أن نجعلها محكمة جدًا، حيث لا يمكننا حظر الإجراءات اللازمة لأسباب أمنية بحتة. ومن ناحية أخرى، لا يمكننا أن نجعلها واسعة ومطاطة لدرجة أن تتخذ البلدان تدابير ذات غرض تجاري بالفعل”.

وفي الوقت نفسه، نفى “رين زينغ في” بشدة زعم أن شركته تتجسس لصالح الحكومة الصينية وقال: “هواوي ليست كبيرة لهذا الحد، فكيف يمكن لبذور السمسم الصغيرة أن تؤثر على الصراع بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والصين؟ فهواوي مجرد بذرة سمسم، ليس بمقدورها أن تلعب هذا الدور”. ومع تواصل النزاع حول هواوي، تتصاعد الادعاءات والادعاءات المضادة من جميع الأطراف المعنية في جميع الاتجاهات.

لماذا هواوي؟

كان للصعود المذهل لشركات أجهزة الاتصالات الصينية، بما فيها هواوي و “زد تي إي” ZTE، خلال السنوات العشر الماضية دور في إثارة النقاش والجدل في كل مكان. ويظهر تصاعد هواوي في الوقت الذي تخطت فيه “نوكيا” و”إريكسون” لتصبحا في مكانة أفضل بلا منازع بالنسبة لحصتهما في عائدات معدات تزويد خدمات الاتصالات.

علاوة على ذلك، فقد تجاوزت شركة “إريكسون” السويدية تلك الحدود لتصبح أكبر مورد أجهزة ومعدات اتصالات في العالم، وذلك بالرغم من تحركات الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا لتقييد الاستخدام الرسمي لمنتجات هواوي. وبالتالي، فالقيود المفروضة على منتجات هواوي ليست ظاهرة جديدة، حيث منعت الولايات المتحدة الأميركية جميع شركات الاتصالات المحلية من شراء أجهزة ومعدات من هواوي و”زد تي إي” في عام 2012، ثم تلا ذلك فعل مشابه من جانب أستراليا في عام 2013 عندما قامت بحظر واردات شركة هواوي البالغة 38 مليار دولار.

ومع ذلك، فإن مسيرة نجاح شركة هواوي لا تنتهي عند هذا الحد. فبحلول الربع الثالث من عام 2018، أصبحت الشركة الصينية العملاقة تحتل مكانة ثاني أكبر شركة للهواتف الذكية في العالم بعد “سامسونج”Samsung، بعد أن تجاوزت شركة “آبل” Apple. لذلك، أصبحت هواوي تتمتع بدورٍ أكبر في طموحات الصين بأن تصبح قوة عالمية عظمى في مجال التكنولوجيا، بغض النظر عن محاولةِ الرئيس التنفيذي لها تقديم صورة “بذرة السمسم”.

تعميم تكنولوجيا الجيل الخامس: أضرار جانبية

سوف تحل تقنية الجيل الخامس الجديدة المزودة بنطاق ترددي أكبر، مع إمكانية تقليل زمن الوصول (وهو الوقت المستغرق لنقل البيانات بين نقطتين)، وكذلك مستوى أفضل من حيث الكفاءة في استخدام الطاقة (وذلك عن طريق تقليل استهلاك الطاقة لمختلف الأجهزة)، مع زيادة سعة الشبكة. وبغض النظر عن التحسن المتوقع في تكنولوجيا الهاتف المحمول، ستقوم تكنولوجيا الجيل الخامس أيضًا بتحويل وحفز التطورات التكنولوجية مثل السيارات ذاتية القيادة، والواقع الافتراضي المُعَزَّز، والإنترنت “الملموس” (الذي تكون فيه الآلات قادرة على اللمس والإحساس)، والمدن الذكية، وإنترنت الأشياء (أي تقنيات العمليات).

ومع ذلك، فإن خطة هواوي والصين لمثل هذه الهيمنة التكنولوجية يمكن أن تتعرض لخطرٍ شديدٍ بسبب الحظر الفعلي على الصادرات الذي تفرضه الولايات المتحدة على الشركة. كما سيتأثر إنتاج هواتف هواوي وحصتها السوقية العالمية لاحقًا بشكل سلبي نتيجة لسحب الدعم الفني لخدمات “جوجل” و”أندرويد” Android. وبغض النظر عن الخسارة المؤقتة المحتملة في سوق الهواتف الذكية الخاص به، سيكون هناك تداعيات أشد خطورة في تطبيق تقنية الجيل الخامس في أماكن أخرى من العالم. حيث تعتمد شركة هواوي بشكل كبير على الرقائق الدقيقة شبه الموصلة التي تنتجها بعض الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة. وبالتالي، فإن الحظر الفعال للتصدير سيؤثر على إنتاج الشركة للأجهزة والمعدات المختلفة، مما سيؤخر طرح تقنيات الجيل الخامس في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم.

أمَّا فيما يتعلق بموقف الحكومات المختلفة من شركة هواوي، فإن إسبانيا وسلوفاكيا والمجر لا تواجه في الوقت الراهن أي تهديد في التعامل مع هواوي، لكن ثمة ثلاثة اقتصادات أوروبية أكبر، هي: ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، في حالة مزاجية تميل نحو منع عمليات هواوي إلى حدٍ بعيدٍ. ففي حين تنقسم الآراء حول هواوي، نجد بعض الحكومات لم تقرر بعد موقفًا محددًا بشأن مستقبل الشركة في دول، مثل: هولندا وإيطاليا والنمسا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا. كما أن الموقف النهائي لهذه البلدان سيقرر إلى حدٍ بعيدٍ مصير هواوي في القارة الأوروبية. وغني عن القول، أن المواقف النهائية السلبية المحتملة التي اتخذتها هذه الحكومات ستزيد من ضغط ميزانية الشركة المحاصرة. فالجدول الزمني لنشر تقنية الجيل الخامس في هذه البلدان، سيتعرض بلا شك للخطر في هذه العملية.

وبشكل يتجاوز الأوضاع في أوروبا، فإن الاضطراب في سلسلة التوريد العالمية الناجم عن الحظر الأميركي على شركة هواوي، سوف يكون محسوسًا في قارتي إفريقيا وأميركا اللاتينية. فالصين هي أكبر مانح للقروض وشريك تجاري لإفريقيا، كما أن هواوي هي الشركة المهيمنة في سوق الاتصالات بالقارة الإفريقية. فقد قامت بتشييد معظم البنية التحتية للاتصالات في إفريقيا، كما أنها باتت على استعداد للعب دورٍ حاسمٍ في نشر تقنية الجيل الخامس بالقارة. ومن المتوقع أن يتم تزويد معظم الصناعات التحويلية في القارة بتقنيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في المستقبل. كما يمكن أن يؤدي تعطيل الإنتاج في شركة هواوي والتأخير اللاحق في تطبيق تقنية الجيل الخامس إلى تقليل احتمالات هذا التصنيع في جميع أنحاء القارة الإفريقية. لذلك، فمن المتوقع أن تتأثر البلدان الإفريقية سلبًا من خلال حظر محتمل  واسع النطاق لـ”هواوي”.

كما تسود حالات مماثلة في بلدان مختلفة بأميركا اللاتينية، حيث تتمتع شركة هواوي بحصصٍ كبيرةٍ في أسواق بلدان واقعة على طول الحزام الغربي للقارة بما في ذلك فنزويلا وكولومبيا وبيرو وشيلي. وعلى الرغم من أن أكبر الاقتصادات في القارة، وهي البرازيل والمكسيك والأرجنتين تبدو أنها تتجه نحو موقفٍ مؤيدٍ لشركة هواوي، فإن الاضطرابات الخطيرة في سلسلة التوريد العالمية من هواوي ستعيق تطبيق تقنية الجيل الخامس في هذه البلدان أيضًا.

وخلال حوارٍ إعلاميٍ أخير، قال “رين زينغ في” إنه “من غير المتوقع أن تهاجم الولايات المتحدة هواوي بشدة. كما لم نتوقع أن تضغط الولايات المتحدة على سلسلة التوريد الخاصة بنا على هذا النحو الواسع، والذي لم يطل حظر تزويد المكونات، ولكن أيضًا مشاركتنا في المنظمات الدولية”.

وبالتالي فقد أقر الرئيس التنفيذي للشركة للمرة الأولى أن العقوبات الأميركية قد تُقَلِّص عائداتها بنحو 30 مليار دولار في العامين المقبلين، ومن ثَمَّ القضاء على نمو الشبكة العملاقة وجعل إيراداتها راكدة بنحو 100 مليار دولار خلال هذين العامين. ورغم أن الشركة قامت ببناء مخزون استثنائي لحالات الطوارئ خلال الأشهر القليلة الماضية من خلال الشراء الكثيف بالسوق الدولية، إلا أن سيطرتها في سوق الاتصالات العالمية ستواجه تحديًا خطيرًا إذا توقفت الاقتصادات الكبرى في العالم عن التعامل معها، وهو ما يهدد بقاءها على المدى الطويل.

وخلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة، قام الرئيس دونالد ترمب بتخفيف موقفه من شركة هواوي، وسمح للشركات الأميركية بالتعامل مرة أخرى مع الشركات الصينية التي وضعت على قائمة الكيانات في نظام الأمن القومي السابق لإدارته. ومن الواضح أنه استخدم هواوي كورقةِ مساومةٍ في المفاوضات التجارية مع الصين. ومع ذلك، فإن المتشددين في واشنطن يشعرون بالضيق إزاء آخر تحركٍ له، إذ ربَّما يتجهون إلى استخدام تدابير أخرى لمنع هواوي. وفي الوقت نفسه، التزمت الصين الصمت الحذر بشأن هذه القضية، بل إنها قللت من احتمالات التقدم في المحادثات التجارية.

في الأيام المقبلة، ستكون ملحمة هواوي أشبه بمؤامرةٍ فرعيةٍ مهمةٍ ينبغي الانتباه إليها، بينما من المحتمل أن تتعمق المشكلة الرئيسية، وهي الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت

المصدر: Observer Research Foundation

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر