سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ويل بالديت
رغم أن تأثير فيروس كورونا على مدارسنا كان استثنائيًا، فقد بذل المعلمون ومساعدوهم وموظفو الدعم ومديرو المدارس جهودًا استثنائية أيضًا للحفاظ على سلامة أطفالنا وتعليمهم. بيدَ أننا قد لا نعرف التأثير النفسي الكامل لكوفيد-19على الأطفال لسنواتٍ عديدة، وعندما تصبح أنظمة “الفقاعات الطبية” والأقنعة والفصول التعليمية التي تُعقد عن بعد عبر برنامج “زووم” شيئًا من الماضي، ستظهر مشكلاتٌ.
في هذا الصدد، حذَّر المتخصصون في مجال عملي -الذين يسعون لمنع انتشار التطرف والإرهاب- طوال جائحة كورونا من أن العزلة والاعتماد على الإنترنت يمكن أن تزيد قابلية الناس، خاصة الشباب، للأيديولوجيات التآمرية المتطرفة، وتزيل في الوقت ذاته عوامل الحماية التي تساعدنا على تحديد المتأثرين بها.
وليس من قبيل المصادفة أن عملنا أصبح متوافقًا في جوهره مع كلمة “حماية“. ويُعزى ذلك إلى أن العديد من العوامل الرئيسة التي تزيد من قابلية الشخص للتطرف يمكن تحديدها وحلها في أطر الرعاية الاجتماعية التي تقدمها المجالس المحلية على مدى عقود.
لكن هذا لا ينفي دور الأيديولوجية، حيث تشكّل بعض عناصر الأيديولوجية أو المعتقد مداخل للتطرف، وليس هناك نقص في المتطرفين المستعدين لاستغلال المجتمعات أو تجنيد الأتباع، ولكن غالبًا ما تكون هناك قضايا أساسية تساعد على جعل عقيدتهم أكثر أهمية بكثير بالنسبة لشاب يحاولون فهم العالم.
يمكن لجماعةٍ أيديولوجية ما أن تستغل مظالم الشخص وتضخمها، وتلبي العديد من احتياجاته غير الملباة: الشعور بالعزلة والتهميش والحرمان من الحقوق، وعدم التمكين، وعدم القدرة على إيصال صوته للمسؤولين، عدم الشعور بالانتماء أو الهدف. وكثيرًا ما نرى، خلال عملنا، أن الأشخاص الأكثر عُرضة يعانون من حياة أسرية ممزقة أو فوضوية أو كانوا شهودًا على العنف المنزلي (و/أو ضحية له). وهناك أيضًا، بطبيعة الحال، حالات لأشخاص يريدون ببساطة أن يفهموا العالم غير العادل الذي يعيشون فيه، ويريدون سردًا يتجنب تعقيدات الحياة، ويُقدم لهم تفسيرًا أكثر تبسيطًا ووضوحًا.
وهكذا، يتضح لنا أن هذه العوامل لا تخص التطرف فقط: فهي تهيمن أيضًا على الحالات التي يتورط فيها الشباب في العصابات وشبكات الاتجار بالمخدرات في البلدات والمناطق الريفية وغيرها من الأعمال الإجرامية. وهي موجودة عندما يستغل طفل من قبل البالغين أو الأقران المسيطرين، أو عندما يعاني شخص ما من سوء الصحة العقلية أو يتعرض للتنمر. لهذا السبب طوَّرنا حزمةً كاملة من التدخلات لمساعدة أولئك الذين يشعرون بالضياع، وينجرفون نحو السلوكيات المعادية للمجتمع أو الإجرامية أو الضارة. وتُعتبر هذه التدخلات اعترافًا بأنه من الأفضل منع شخص ما من تجاوز تلك الخطوط بدلًا من إقناعه بالتخلي عنها والمخاطرة بوقوعه في ضررٍ لن يقتصر على نفسه.
استمرار وجود هذه العوامل الكامنة التي تساعد في التطرف هو الذي دفع الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى استخدام مبادئ الحماية نفسها للحماية من التطرف. إنه ليس نظامًا مضمونًا، لكنه ليس فاشلاً.
أحدث البيانات الإحصائية في المملكة المتحدة للفترة الممتدة بين عامي 2019-2020 تحدد ما مجموعه 642,980 طفلًا و475,560 بالغًا تمت إحالتهم لبرنامج الحماية نظرًا لوجود مخاوف تتعلق بسلامتهم في ذلك العام (أكثر من 1.1 مليون حالة في المجموع)، وأثيرت في جميع الحالات مخاوف حقيقية بشأن سلامة الشخص. غير أنه في 262,223 حالة من هذه الحالات (حوالي 23.5%)، لم تحدد أي مخاطر وأغلقت القضايا نظرًا لعدم وجود “أي إجراءات أخرى” يلزم اتباعها. وفي حين أنه قد يشعر المرء بالراحة نظرًا لأن معظم هؤلاء الأشخاص أصبحوا في مكانٍ أفضل بكثير مما كان متوقعًا في البداية، فإن ذلك يعني أن تلك المخاوف الأولية لم يكن لها أساس من الصحة.
يحدث الشيء نفسه عندما نمنع التطرف. وستكون هناك مناسبات لا توجد فيها، لحسن الحظ، مخاوف يمكن الحديث عنها ولا سبب لتقديم أي دعم. لا أحد يقوم بإحالة حقيقية للحماية بدافعٍ خبيث، فدائمًا ما يحدث ذلك انطلاقًا من دوافع طيبة واهتمام بالغ بالطفل. لذا، ينبغي أن يشعر المرء بالراحة عندما يتضح أن هذه المخاوف كانت بمثابة إنذار كاذب.
من الأهمية بمكان إدراك أنه لا يمكن لأي معلم أن يكون خبيرًا في كل مسائل الحماية: الاعتداء البدني، والاعتداء الجنسي، والاعتداء العاطفي، والإهمال، والتنمر، والعنف المنزلي، واستغلال الأطفال، وتجنيد العصابات، والصحة العقلية، وإساءة استعمال المخدرات، وشبكات الاتجار بالمخدرات في البلدات والمناطق الريفية، وإيذاء النفس، والاتجار في البشر، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والتطرف. ولا يمكن أن يتوقع منهم سوى فهم المواضيع العريضة للتغيرات السلوكية التي قد تشير إلى تعرضهم للأذى، ومن ثم إبلاغ المجلس المحلي أو الشرطة المحلية -المتخصصين الذين لديهم خبرة في هذه المجالات- لاتخاذ قرارٍ مستنير.
وهناك طرق للتخفيف من الإحالات الخاطئة. يجب أن يكون لدى موظف المدرسة المخصص للحماية القدرة على مراعاة الحساسيات عند التحدث إلى الطفل واستكشاف السلوكيات أو التعليقات التي أثارت مخاوفه. واعتمادًا على المشكلة التي يكتشفها، ربما يكون مناسبًا التواصل مع الوالدين، وغالبًا ما تكون هذه وسيلة جيدة لوضع الأسرة في الصورة، إلا إذا كانت هناك مخاوف من أن يؤدي إشراك الوالدين لعواقب ضارة. وإذا ظلَّت هناك مخاوف، عندئذ ينبغي اللجوء إلى الموقع الإلكتروني للتدخل المبكر التابع للشرطة، وربما يكون عقد محادثة مهنية مع المجلس المحلي الخاص بك خيارًا مناسبًا، فهي وسيلة للتحقق من مخاوفك مع متخصص آخر في الحماية ومعرفة ما إذا كان يشاطرك الرأي.
إذا اتضح أن شيئًا ما يبدو غير عادي، ويستدعي مزيدًا من الفحص، فيجب تقديم طلب رسمي للإحالة -طلب تقديم خدمات لدعم الطفل- لحمايته من التطرف. تجدر الإشارة إلى أن عدد الإحالات الخاصة بمنع التطرف في المملكة المتحدة، وهي بالمناسبة (مطمئنة)، ترسم صورة مصغرة لأرقام الحماية الوطنية، حيث تمثل 6,287 حالة فقط من أصل هذا الرقم البالغ 1.1 مليون حالة. وعلى الرغم من العناوين الصحفية المبالغ فيها، فإنها أقل من 0.6% من المجموع.
لكننا قد نشهد زيادة في هذه الأعداد مع عودة الأطفال إلى المدارس، بعد انتهاء تدابير الإغلاق والعزلة الذاتية. وستكون هناك تغييرات كبيرة في بعض الأطفال من عالم ما قبل الجائحة إلى الحياة المعتادة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن المدرسين مدربين على اكتشاف التغيرات السلوكية لدى الأطفال وفحصها من منظور مسؤولياتهم الأوسع نطاقًا في مجال الحماية.
إذا ما وضعت هذه التغييرات جنبًا إلى جنب مع الحديث عن نظرية “الاستبدال العظيم” أو “الخلافة العالمية” (العبارات التي تهيمن على التقارير الإعلامية للتطرف) فلن يكون من المبالغة أن نتساءَل هل لم يكن كل ذلك الوقت الذي يقضيه الأطفال على الانترنت حميدًا، ربما، ربما فقط.
ختامًا، فيجب أن نضع في اعتبارنا التحديات التي تنتظر أطفالنا ومدارسنا ومعلمينا. لا شك أنه ستقع بعض الأخطاء، ولكن يجب أن نثق في نظم الحماية التي تقوم بفرز الإحالات لضمان معالجة تلك الأخطاء بسرعة؛ ولهذا السبب توجد تلك الضوابط والتوازنات. ولكن يجب علينا قبل كل شيء أن نثق في المعلمين، الذين يعتنون بأحبائنا ويعلمونهم. ومع خروجنا من أكبر أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية، سيكون المضي قدمًا صعب، ذلك أن التهديد الذي يشكله الإرهاب والتطرف لم يتضاءل؛ بل تنامى.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر