فهم خطر أسلحة الدمار الشامل | مركز سمت للدراسات

فهم خطر أسلحة الدمار الشامل

التاريخ والوقت : الأحد, 10 يناير 2021

مصطفى كولونجو

 

مقدمة

يشهد العالم الحديث تقدمًا مستمرًا في التكنولوجيا، مما خلق مساحة أكبر للأعمال الإجرامية المُنظَّمة مثل الإرهاب والاتجار بالبشر والتهريب وغسيل الأموال. فعلى سبيل المثال، سَهَّلَت التكنولوجيا التطور السريع لشبكاتٍ عالميةٍ ناشئةٍ قويةٍ توفرُ للجهات المعادية من غير الدول منصة لتبادل المعلومات حول الوصول إلى التقنيات المدمرة. وتكمن خطورة أسلحة الدمار الشامل في كونها يمكن أن تسبب دمارًا واسع النطاق وخسائر في الأرواح. وتعدُّ أسلحة الدمار الشامل أكبر تهديد للسلامة العامة، ذلك أنها تنشر الخوف بين الأفراد حول العالم.

ومن الناحية النظرية والمثالية، توفر التكنولوجيا وسيلة سهلة للجهات الفاعلة من غير الدول والمنظمات الإجرامية الأخرى لتصنيع واستخدام أسلحة الدمار الشامل لإلحاق الأذى بالأبرياء. وعلى هذا النحو، فإن وجود مثل تلك أسلحة في أيدي قوى معادية مثل الإرهابيين أو المتمردين أو المتطرفين الدينيين، يعتبر تهديدًا خطيرًا. ويعدُّ التقدم التكنولوجي أحد أسباب تطوير أسلحة دمار شامل مثل: الأسلحة البيولوجية والنووية والإشعاعية والكيميائية. وتعمل الأجهزة الأمنية، مثل وزارة الأمن الداخلي، على مدار الساعة لمنع الإرهابيين من الوصول إلى الأسلحة. وبناءً على ذلك، فإن ثمة حاجة لتقييم التهديد التكنولوجي في تعزيز سهولة استخدام أسلحة الدمار الشامل والوصول إليها.

التحليل

يقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن التطورات التكنولوجية السريعة قد أوجدت العديد من الفرص لتطوير أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إيصالها. وتشكل مثل هذه الأحداث تهديدًا للعديد من دول العالم، مثل الولايات المتحدة. أمَّا الأدوات التكنولوجية المختلفة، مثل المواقع المظلمة، والطائرات بدون طيار، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وما إلى ذلك، فقد استمرت في اكتساب قوة جذب في مجتمع الأمن الدولي، مما زاد من التهديدات للبشرية.

لقد تمَّ تطوير الطباعة ثلاثية الأبعاد في الثمانينيات وشهدت تحسنًا كبيرًا في وظائفها المتعددة. والآن تعدُّ الطابعات ثلاثية الأبعاد رخيصة الثمن نسبيًا؛ وبالتالي، يمكن شراؤها أو الوصول إليها بسهولة. وتعتمد معظم الصناعات على الطابعات لإنتاج عدد لا يحصى من الأجزاء المتماثلة. ومن الناحية الاقتصادية، تسهل الطابعات العمليات المتكررة وعمل نماذج تصميم معماري مفصلة. ومع ذلك، يمكن تطبيق التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد في تخطيط وتصنيع أسلحة مثل الأسلحة النارية البلاستيكية، التي يصعب اكتشافها من خلال أجهزة المسح الضوئي التقليدية للمطارات.

وبدلاً من ذلك، يمكن أن تشارك الطباعة ثلاثية الأبعاد في تخطيط وتصنيع ونقل أسلحة الدمار الشامل والنماذج الأولية ذات الصلة. ويطبق المهندسون الطباعة ثلاثية الأبعاد في تصميم الأجزاء التجريبية وأبعاد الدراسة. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في إنتاج نموذج كامل لرأس حربي نووي. وفي التسعينيات، طبقت الولايات المتحدة التكنولوجيا في إنشاء نماذج نووية تمَّ استخدامها لتدريب الأفراد على كيفية تجميع وتفكيك المكونات النووية لسهولة النقل. وتعدُّ الطباعة ثلاثية الأبعاد غير مكلفة؛ ويمكن استخدامها في طباعة الأجزاء الفردية من الأسلحة. فهي وسيلة رخيصة، لذا توفر بديلاً قليل التكلفة بالنسبة للجماعات المعادية من أجل إنشاء مصبوبات تستخدم في حيازة المتفجرات، أو المواد الكيميائية، أو المواد الانشطارية لإنتاج الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد في تصنيع الصمامات والتجهيزات والمقاييس المطلوبة بشدة لقياس الضغط على الأسلحة. وتساعد تلك التقنية أيضًا في إعادة بناء الأسلحة التالفة؛ وهو ما يمكن أن يوفر فرصة للإرهابيين لجمع الأسلحة التالفة في ساحات القتال لإعادة تشغيلها واستخدامها في المستقبل.

وبالمثل، تعزز المواقع المجهولة من قدرة الإرهابيين على الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل وتصنيعها. ومن الملاحظ، أخيرًا، أن ثمة سيلاً من الأسلحة والتكنولوجيا المتاحة للشراء في العديد من أسواق تلك المواقع المجهولة. وبالتالي، تعزز المواقع الإلكترونية من قدرة الإرهابيين والمنظمات المعادية الأخرى مثل المتطرفين الإسلاميين على الوصول إلى أسلحة دمار شامل خطيرة. وتوفر تلك المواقع المجهولة المظلمة أسواقًا خفية أو بؤرًا إجرامية ساخنة من أجل توظيف وشراء السلع غير القانونية. وإذا لم يتم التحكم في الموقع، فمن الممكن أن يسهل وصول الإرهابيين إلى أسلحة الدمار الشامل.

وعلى الرغم من أن الجماعات الإرهابية لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه، وكذلك تحديات فنية كبيرة لتتغلب عليها في الحصول على أسلحة الدمار الشامل واستخدامها، فإنه في الوقت نفسه، يمكن للتقدم التكنولوجي أن يُسَهِّلَ هذا المسعى وأن يتحقق عاجلاً وليس آجلاً. وتستكشف العديد من الجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة غير الحكومية استخدام ما يعرف باسم “الشبكة العميقة” Deep Web، في إشارة إلى جميع صفحات الإنترنت المشفرة التي لا تستطيع محركات البحث التقليدية أو المتصفحات العثور عليها بسبب تشفيرها، ومن ثَمَّ تضعف إمكانية البحث عن وسائل لتصنيع وتسليم أسلحة الدمار الشامل إلى الهدف المقصود. وتعتمد جميع مواقع الإنترنت تقريبًا على تلك الشبكة العميقة من خلال آليات تشفير خاصة لإخفاء هويتها وأنشطتها. وعلى سبيل المثال، يمكن لأي شخص استخدام وسيلة التشفير تلك لمحاكاة موقعه. بعد ذلك، يبدو أن الشخص في دولة مختلفة عن التي يوجد بها بالفعل، تمامًا كما هو الحال عند استخدام تقنيات معينة تدرك من خلالها الجماعات الإرهابية كيفية العمل داخل دائرة مغلقة، تمامًا مثل العديد من المنظمات والجمعيات السرية التي يمكن أن تستخدم الشبكة العميقة للتواصل مع العالم الخارجي والداخلي. بالإضافة إلى الشبكة العميقة، فإن استخدام الجماعات الإرهابية والجهات الفاعلة غير الحكومية للطائرات بدون طيار والطابعات ثلاثية الأبعاد يزيد من المخاوف.

أمَّا الطائرات بدون طيار، وهي أيضًا من الابتكارات التكنولوجية، فهي لديها إمكانية للتهديدات. يمكن تسليح الطائرات بدون طيار لأن الجيوش تعتمد على تعدد استخدامات الطائرات بدون طيار لضرب الأهداف التي لا تستطيع القوات البرية الوصول إليها. ومع ذلك، يمكن للفاعلين غير الحكوميين أو الإرهابيين استخدام طائرات بدون طيار لنقل أجزاء أو أسلحة كاملة سرًا من موقع إلى آخر. إن مثل هذا الحادث سيجعل من الصعب على رجال الأمن أو المنظمات اعتراض ومنع الإرهابيين من شن الهجمات المميتة.

ويجب أن تكون منظمات الأمن الداخلي حذرة من التهديدات التي تسببها العناصر التكنولوجية ذات الاستخدام المزدوج مثل الطائرات بدون طيار، وابتكار الطباعة ثلاثية الأبعاد. ويجد مجلس الأمن نفسه في معضلة تنظيم استخدام (الطائرات بدون طيار والطباعة ثلاثية الأبعاد) دون تقييد للغرض المشروع من مثل تلك التقنيات. الطائرات بدون طيار لها استخدام مشروع لأن الجيوش تعتمد عليها في أهدافها التي لا يمكن للجنود البرية الوصول إليها. واليوم، تعدُّ التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد مناسبة جدًا لتقييد استخدامها. ومع ذلك، فإن الطائرات بدون طيار والتقنيات ثلاثية الأبعاد خطيرة جدًا إذا كان الإرهابيون وغيرهم من الفاعلين الخبيثين في مواقع الإنترنت الخفية في متناول اليد. فالإنترنت مليء بمقاطع الفيديو التي تعرض كيف تسهل التقنيات ثلاثية الأبعاد صنع الأسلحة والبنادق. وتتمتع الطائرات ثلاثية الأبعاد والطائرات بدون طيار باستخدامات مشروعة وغير مشروعة بما يجعل من الصعب منع وقوع أسلحة الدمار الشامل من أن تقع في أيدي المجرمين المعادين والإرهابيين. ويستفيد الإرهابيون الآن من التقنيات ذات الاستخدام المزدوج للوصول إلى أسلحة الدمار الشامل أو إنشائها أو الحصول عليها أو نقلها. وفي عام 2015، استخدم الجهاديون الإسلاميون غاز الخردل ضد المدنيين في سوريا، مما أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى. وهو الحادث الذي يعدُّ مؤشرًا على أن الإرهابيين يمكنهم الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل.

الملخص والاستنتاج

باختصار، فإن التكنولوجيا تجعل الإرهابيين يغيرون في طرقهم المتبعة، ما يعزز خطورتها في نهاية المطاف، كما يضعف سبل مكافحتها. وبالتالي، فهناك حاجة لمزيد من التحسينات الأمنية لمنع التهديدات الناشئة في العالم. وأكثر من ذلك، أنه يجب على الصناعة الكيميائية العالمية اتخاذ تدابير فورية لتشديد أمن المواد الكيميائية الحساسة. كما يجب على المجتمع الدولي أن يتحد ويتعاون في مكافحة الإرهاب وسد جميع الثغرات التي من شأنها تعزيز وصول الإرهابيين إلى أسلحة الدمار الشامل.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

 

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر