سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كونستانتين إيجيرت
يقدِّر الكرملين علاقاته الخاصة ببرلين، لكن عقيدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقوم على عدم النظر إليه على أنه ضعيف. فإذا قامت الحكومة الألمانية بفرض عقوبات، فسيقوم بوتين بالرد. فهناك العديد من الأسئلة الشائعة حول كيفية استجابة الكرملين لطرد دبلوماسيين روس من ألمانيا يوم الأربعاء. جاء ذلك بعد أن اتهمت الحكومة الألمانية السلطات الروسية بالتواطؤ في اغتيال المقاتل الانفصالي الشيشاني “زليمخان خانجوشفيلي”. إذ أطلق عليه النار في برلين في أغسطس من شخص راكب دراجة نارية. ويقبع المشتبه فيه حاليًا في حجز الشرطة. لكن يبدو أن جواز سفره قد صدر باسمٍ مزيفٍ. فالمشتبه فيه صامت طوال الوقت. في حين ينكر الكرملين أي تورط لها، وهو ما لا يشكل مفاجأة.
فكقاعدة عامة، ترد موسكو بشكل متماثل وسريع. فإذا تمَّ طرد اثنين من الروس، فإنه يجب على الدبلوماسيين الألمان مغادرة مجمع السفارة الألمانية المترامي الأطراف في غرب موسكو إلى الأبد. ومع ذلك، فحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يصدر أي إعلان حول هذا الأمر. ربَّما لا تزال السلطات الروسية تقرر من الذي ستطرده بالضبط. لكن التفسير الأكثر منطقية هو أنهم يقبعون حاليًا على دراسة عواقب التصعيد. فقد أعلنت الحكومة الألمانية أنها قد تفرض عقوبات على روسيا في حالة ظهور دليل إضافي على تورط رسمي في جريمة قتل “خانجوشفيلي”. وإذا حدث هذا، فإننا سنكون بصدد أكبر أزمةٍ في العلاقات الثنائية بين روسيا وألمانيا منذ سقوط حائط برلين.
هل تكون ألمانيا قادرة على الاعتماد على تضامن حلفائها في الناتو في مثل هذه الظروف؟ عندما اتهمت الحكومة البريطانية روسيا بمحاولة اغتيال العقيد السابق في المخابرات العسكرية “سيرجي سكريبال” وابنته في مدينة “سالزبوري” الإنجليزية، طردت 20 دولة من أعضاء الناتو ما مجموعه أكثر من 100 دبلوماسي روسي اتهموا بأنهم جواسيس. لكن هذه المرة الأمر يبدو حقًا جللاً، وهو ما يبدو من خلال الجوانب التالية:
أولاً، استغرقت الحكومة الألمانية وقتًا طويلاً لتسوية هذه الاتهامات. وهذا يخفف من الشعور بإلحاح الوضع. ثانيًا، في “سالزبوري”، توفي مواطن بريطاني بريء يدعى “دون ستورجيس”، كضحية جانبية لمحاولة التسمم. وكان “خانجوشوفيلي” مواطنًا جورجيًا، لديه طلب لجوء غير موافق عليه، وكان قد تمَّ ترحيله، كما نظر التحقيق المطول في إمكانية أن يتصل الأمر بعصابة إجرامية. ثالثًا، استفادت المملكة المتحدة من مشاركتها في مؤتمر “العيون الخمسة” Five Eyes، وهو تحالف استخباراتي مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. وعندما تتصرف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا كقوة واحدة، فإن حلفاء الناتو الآخرين ليس لديهم خيار سوى أن يحذوا حذوهم، وهو ما يعكس ديناميات النفوذ والقوة في الناتو. رابعًا، على الرغم من أن علاقات الكرملين مع الولايات المتحدة وحكومات المملكة المتحدة، ظلت متوترة منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014 ، فإن ألمانيا لم تغلق الباب تمامًا على الاتصال بموسكو، مع أن برلين تتفوق على العديد من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى عندما يتصل الأمر بالعقوبات. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف جيدًا أنه لا يزال بإمكانه إيجاد جمهور في برلين وباريس، حتى لو كان نظراؤه في ألمانيا وفرنسا نادرًا ما يتفقون معه حول ذلك، وهو ما يدركه ويقدره بوتين جيدًا.
اتصالات موسكو وبرلين
على الرغم من اعتراضات حكومة الولايات المتحدة والاحتجاجات الشديدة من جانب أوكرانيا، سمحت ألمانيا لشركة “جازبروم” Gas Brom التي تحتكر قطاع الغاز في روسيا باستكمال مشروعها “نورد ستريم 2”. إذ يرى المسؤولون في “كييف” أن خط الأنابيب يمثل محاولة من جانب روسيا للتخلص من طريق عبور الغاز عبر أوكرانيا وسرقة البلاد جزء كبير من إيرادات الميزانية. فالمستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” تعدُّ هي الأخرى واحدة من المؤيدين الرئيسيين لتحفيز الرئيس الأوكراني الجديد، “فولوديمير زيلينسكي”، نحو شكل من أشكال التسوية مع بوتين عندما تجتمع روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا في قمة العمل القادمة في “نورماندي” للمساعدة في إنهاء الصراع في دونباس. وقد دعا العديد من السياسيين من جميع أنحاء الطيف الحزبي في ألمانيا إلى رفع العقوبات عن الكرملين. هنا نشير إلى أن الرأي العام عمومًا في ألمانيا، يبدو لطيفًا تجاه روسيا وقيادتها أكثر مما هو عليه في بريطانيا أو الولايات المتحدة.
كل هذا من شأنه أن يجعل بوتين يفكر مرتين قبل الانخراط مع ألمانيا على نطاق واسع. وعلى خلاف “سالزبوري”، تمَّ اعتقال المشتبه فيه في برلين. استولى المدعون الفيدراليون على ملفات القضية من الشرطة، وكلما زاد التحقيق، أصبح الأمر أكثر سوءًا بالنسبة للحكومة الروسية. إذ يواجه الكرملين كارثة في العلاقات العامة مع جلسة استماع في هولندا من المقرر عقدها في مارس في قضية الطائرة الماليزية التي أسقطت على “دونباس” في عام 2014 بسبب ما يعتقد المحققون أنه بفعل صاروخ روسي. ومن الصعب أن تستفيد موسكو من فضيحة متزامنة في ألمانيا. كما قد تحاول الحكومة الروسية تبني مقاربة أكثر تصالحية على أمل التوصل إلى اتفاق مع برلين قريبًا.
ومع ذلك، يحكم بوتين مبدأ عدم إظهار الضعف أبدًا. لذلك قد يقرر الاحتجاج، على سبيل المثال، عن طريق إلغاء مشاركته في محادثات تنسيق “نورماندي” Normandy المقرر عقدها يوم الاثنين. فبوتين يبدو أنه ليس في عجلة من أمره لمقابلة “زيلينسكي”، ولا يريد أن يدافع عن “ميركل” بشأن مقتل “خانجوشفيلي”. إذ يعتمد بوتين على الحكومة الألمانية لعزل القضية عن قرارات صنع السياسات الرئيسية، حتى لا يصل الأمر إلى إغلاق الباب بالكامل أمام روسيا.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: راديو ألمانيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر