سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جرليف شيلوا
منحت الأكاديمية السويدية للعلوم، أخيرًا، جائزة نوبل في الاقتصاد لـ”أبيجيت بانيرجي”، و”إستير دوفلو”، و”مايكل كريمر” عن اجتهادهم في المقاربة التجريبية لتخفيف حِدَّة الفقر في العالم. ولا تعدُّ الجائزة التي تمنح في مجال الاقتصاد واحدة من الجوائز الأصلية التي تمنحها مؤسسة ألفريد نوبل السويدية، والتي تمَّ تأسيسها عام 1969 حتى صارت اسمًا لامعًا، ويتم منح الجائزة من خلال وقف ببنك السويد.
ونتيجة لجهودهم، فقد تمَّ تطوير نظام بيئي يكون فيه مصاصو الدماء في وضع أفضل من حيث التأثير في جميع أنحاء العالم، وهو “مختبر مكافحة الفقر”، وكذلك هناك مجموعة تقييم الأثر الإنمائي التابعة للبنك الدولي. وهنا، فإن الفكرة الأساسية وراء عمل العلماء الثلاثة تكمن في معرفة الأدوات الفعالة بشكل حقيقي في حقل التنمية من خلال المنهج التجريبي. أمَّا الميدان الأكثر شيوعًا في استخدام ما توصلوا إليه هو الطب، حيث توجد العديد من الفرص للتدخلات العشوائية في مجموعات العلاج، فضلاً عن إمكانية تطبيقها للسيطرة على الأمراض. وكما هو الحال في الطب، فإن الرؤية النظرية التي قدموها، تسمح للعلماء بإمكانية تطوير الاقترابات النظرية وذلك في ضوء الصرامة التي يتسم بها المنهج التجريبي. فقد قام كل من “بانيرجي” و”دوفلو” بنشر أعمالهما في كتاب صدر عام 2011 بعنوان (ضعف الاقتصاد: إعادة التفكير الجذري في طرق مكافحة الفقر العالمي).
وعلى الرغم من أن جوائز نوبل الأخرى غالبًا ما تجتذب الجدل العام، وبخاصة في فرعَي السلام والأدب، فقد نالت جائزة الاقتصاد قدرًا كبيرًا من الاهتمام وذلك بمجرد الإعلان عن الجوائز التي تقابل في كثير من الأحيان قدرًا من السخرية عند المقارنة بجائزة الكيمياء على سبيل المثال. لكن الأمر كان مختلفًا هذا العام، كما تكرر الأمر سابقًا في العام الذي فاز فيه “ميلتون فريدمان”، الأب الروحي لـ “الليبرالية الجديدة”.
وقد حظيت جائزة الاقتصاد هذا العام بقدر كبير من التعليقات، وبخاصة في الجزء الجنوبي من العالم، حيث قررت اللجنة بعدم مكافأة النهج الذي يعتبره الكثيرون في وضع معاناة بسبب المشاكل الأخلاقية والمنهجية الخطيرة، وامتد الأمر ليشمل الفوائد المفترضة التي ربَّما يحصل عليها الفقراء.
لقد قام العلماء الثلاثة بإجراء العديد من التجارب على عدد من الأشخاص السود الذين يسكنون الأجزاء الفقيرة في العالم. وهنا، فقد أثيرت سلسلة من الأسئلة الأخلاقية الهامة، وبخاصة ما يتعلق منها بأنواع التجارب التي سمح بها في إطار أبحاثهم. ففي إحدى الدراسات التي أجريت في غرب كينيا، والتي شهدت إجراء نصف هذا النوع من التجارب، حيث تمَّ التركيز على العشوائيات في بعض القرى، وقد أجريت التجارب مقابل منح المبحوثين قدرًا من المال بغرض دراسة سلوك هؤلاء الأفراد حينما يحصلون على هذه الأموال.
قام مؤلفو الدراسة بكتابة عنوان (هل تكسب الألم الخاص بي؟) دون خجل منهم، وفي دراسة أخرى حول الهند، التي تمثل النصف الآخر من ميدان الدراسة، قام الباحثون بتركيب كاميرا في قاعات الدراسة، وكانت هذه الدراسة في الواقع محل إشادة من قبل الأكاديمية السويدية. بجانب ذلك، فهناك بعض التبريرات السطحية لهذا النوع من الأشياء، لكن الدراسات من هذا النوع وغيرها الكثير، ما كانت لترى النور اليوم لو كانت فئات المبحوثين تنتمي إلى المجتمعات الغربية الغنية.
هناك أيضًا مخاوف حول الطبيعة الاستخراجية للمشروع البحثي الذي تبنوه. فلتنفيذ هذه التدخلات، تعتمد العشوائيات على فرق ضخمة من المساعدين المحليين (الأكاديميين المحليين والطلاب والعاملين في المجتمع…إلخ)، والذين يقدمون في كثير من الأحيان مساهمات جادة جدًا في المشاريع البحثية. وبالمثل، فإن أولئك الذين ستتم دراستهم وهم من القرويين والفقراء، يضيفون على عملهم هذه المشاريع العاطفية الكثيرة جدًا، والتي غالبًا ما يكون من غير الواضح إن كانت قد تمت استشارة المبحوثين على نحوٍ كافٍ، أو أن العشوائية قد دخلت في صفقات مع المسؤولين المحليين. فالقرويون هم الذين يتعين عليهم التعامل مع كافة تلك الاضطرابات على مستوى المجتمع الذي يضم العشوائيات، ومن ثَمَّ تترك وراءها بمجرد عودتهم إلى حياتهم الرغيدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبينما يوجد قدر متزايد من المواقف التي تنطوي على التعويض عن هذا الاستغلال، من خلال بعض الباحثين، فإن عوائد المشاريع مثل التقدم الوظيفي المربح والشهرة، وغيرها تتراكم بشكل أكبر من أي وقت مضى، وهي الحالة التي ارتبطت بالجائزة التي أعلن عنها هذا الأسبوع.
وبالإضافة إلى الجوانب الأخلاقية لهؤلاء العلماء الثلاثة الذين فازوا بجائزة نوبل، فإن تلاميذهم والمؤسسات التي أنشؤوها يمثلون مشكلتين منهجيتين خطيرتين تقوضان نتائجهما بشكل أساسي.
تكمن المشكلة الأولى في أن الغالبية العظمى من الدراسات التي أجريت باستخدام هذه الأساليب، والتي قد تصل إلى 90% ليست قابلة للتعميم بشكل رسمي. بعبارة أخرى، لا يوجد أي أساس للاعتقاد بأن نتائج هذه الدراسات يمكن تطبيقها خارج الحدود الضيقة للسكان التي أجريت عليها التجارب، وهذا يعدُّ، ببساطة أمرًا ضارًا لأغراض السياسة.
أمَّا لجنة منح الجائزة، فتتعامل مع ذلك فقط من خلال قولها إن “الفائزين كانوا أيضًا في طليعة البحث حول مسألة ما إذا كانت النتائج التجريبية تنطبق في سياقات بيئية أخرى”. إلا أن هذا يعدُّ أمرًا مضللاً في أحسن الأحوال، بل إنه كاذب في أسوأ الأحوال. لكن هناك بعض المدافعين عن التجارب العشوائية الذين أجروا أبحاثًا مهمة حول هذه المشكلة، لكن غالبية المساهمات الرئيسية ليست من جانب دعاة التجارب العشوائية، فقد كان المشاركون الثلاثة الذين شاركوا في المسابقة في وضع هامشي. فالنقطة الأكثر أهمية تكمن في أنه إذا لم يتم حل المشكلة المرتبطة بما إذا كانت النتائج التجريبية ذات صلة خارج التجربة، فكيف يمكن الادعاء بأن عمل العلماء الثلاثة هو “الحد من الفقر في العالم؟”.
التناقض الثاني يتجلى بشكل واضح في أنه على الرغم من السيل المتدفق من العناوين التي حملتها الصحافة الغربية، فإنه لا يوجد دليل على أن السياسة القائمة على التجارب العشوائية تبدو أفضل كثيرًا مقارنة بالمجموعات البديلة. فالبلدان المتقدمة لا تحتاج حاليًا إلى الباحثين الأجانب الذين يجرون تجارب على الفقراء المحليين من أجل تنمية اقتصاداتهم.
فهناك عدد من الأدلة التاريخية الوفيرة التي تؤكد أن النمو والتنمية، فضلاً عن التخفيضات الهائلة التي تطرأ على معدلات الفقر، يمكن تحقيقها دون تجارب عشوائية. فيرى “راندوميستاس” أن أساليبهم تعتمد على نموذج “الكأس المقدسة” للتنمية، لكنهم لم يقدموا أي حجج مقابلة لتوضيح سبب استجابتهم. فالمشكلة تكمن في أن مثل هذه الأساليب تبدو على درجة عالية من الحسم بالنسبة للسياسة، حيث تعتبر إلى حد بعيد أمرًا مسلمًا به؛ لأنهم يعتقدون أنهم يعملون من خلال العلم. لكن بينما يعمل العلماء الثلاثة على غرار ما يفعل الباحثون في مختلف التخصصات العلمية، فإن الادعاء بأن النتائج موثوق بها ومفيدة للأسئلة الاقتصادية والاجتماعية، هو أمرٌ لا يمكن الوثوق به. فالأمر على هذا الأساس يبدو كمسألة إيمان أعمى، تمامًا كما هو الحال بالنسبة للقناعة التي يبدو أن العديد من هؤلاء الأفراد يعتنقونها لإمكانيتها إنقاذ جماهير العالم الفقيرة، الذين يكونون في الغالب من السود.
أخيرًا، ليست لدينا وجهة نظر حول ما إذا كان ينبغي منح هؤلاء الأفراد الجائزة، فالجوائز عادة ما تكون مشكوكًا فيها إلى حد ما. لكن الادعاءات بأن ثمة جدوى ومصداقية للأساليب المتبعة، سواء أكان لا أساس لها من الصحة، أو أنها تتصل بمجتمع تبشيري نعتقد أنه يمثل تهديدًا لتقدم الدول النامية أكثر من كونه ينطوي على معونة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: موقع البلد الإفريقي African Country
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر