فصل التوترات الصينية الأميركية في بحر الصين الجنوبي | مركز سمت للدراسات

فصل التوترات الصينية الأميركية في بحر الصين الجنوبي

التاريخ والوقت : الإثنين, 7 سبتمبر 2020

روميل سي بانلاوي

 

وسط تفشي وباء “كوفيد – 19” الذي أثر في العالم بأسره، تدخل الصين والولايات المتحدة حاليًا في توتر أمني يزداد سوءًا في بحر الصين الجنوبي. وقد وصلت العلاقات الصينية الأميركية إلى أدنى مستوى لها منذ تطبيع العلاقات بينهما عام 1979.

لقد عملت الولايات المتحدة أخيرًا على تعزيز مواقفها الأخيرة في بحر الصين الجنوبي من خلال تكثيف عمليات “حرية الملاحة” (FONOPs)، وإجراء المزيد من التدريبات العسكرية، ومطالبة الصين صراحة بالالتزام بالقرارات الدولية الصادر عام 2016 بخصوص المنطقة. ومن ناحية أخرى، تعمل الصين أيضًا على تعزيز موقفها من خلال التأكيد بقوة على سيادتها في بحر الصين الجنوبي بزيادة الدوريات البحرية وتطوير البنية التحتية التابعة لها في المنطقة.

وبسبب الصراع الصيني الأميركي في بحر الصين الجنوبي، تتعاظم المخاوف من نشوء حرب باردة بالفعل بين القوتين. وبالطبع، فإن هذا الوضع يعزز مخاوف

انقسام العالم مرة أخرى، وهو ما يذكرنا بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق التي استمرت بعد الحرب العالمية مباشرة.

وفي الواقع، تتزايد المخاوف العالمية بالفعل بشأن احتمال اندلاع الحرب العالمية الثالثة، حيث تستعرض كلتا القوتين قوتهما العسكرية من خلال إرسال سفنها الحربية ليس فقط في بحر الصين الجنوبي، ولكن أيضًا في المياه الأخرى المحيطة بالصين. وفي تحركات يغلب عليها طابع التحدي للموقف الصيني، تواصل الولايات المتحدة نشر سفنها الحربية في المياه الاستراتيجية التي يمكن من خلالها لواشنطن أن تحتوي بكين مثل بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، ومضيق تايوان. فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة في 19 أغسطس 2020 بإرسال مدمرتها الصاروخية، “يو إس إس موستين”؛ للمساهمة في تنفيذ مهمة “حرية الملاحة” في مضيق تايوان من أجل إيصال رسالة قوية ضد الإجراءات الصينية الأخيرة في المنطقة. وتعد المدمرة “يو إس إس موستين” هي سابع سفينة أميركية تبحر هذا العام عبر مضيق تايوان.

ففي 4 يوليو 2020 وأثناء الاحتفال بعيد الاستقلال الأميركي، أجرت حاملتا طائرات أميركيتان “يو إس إس نيميتز”، و”يو إس إس رونالد ريغان”، مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي كجزءٍ من التزامها “بالدفاع عن حق جميع الدول في الطيران، والإبحار والعمل بما يسمح القانون الدولي”. وتعتبر الصين جميع الأنشطة العسكرية الأميركية الأخيرة في بحر الصين الجنوبي بمثابة استفزازات لها.

في هذا السياق، لا بدَّ أن تصطدم الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي إذا بقيتا على حالة العناد التي تكتنف الموقف العام بينهما.

فكلتا القوتين في حاجة ماسة لتخفيف مقاربتهما الحالية في بحر الصين الجنوبي إذا كان هناك ما يبرر تخفيف حدة التوتر بينهما. فالصين وكذلك الولايات المتحدة في حاجة لممارسة ضبط النفس وتسوية خلافاتهما لتهدئة الوضع العام في بحر الصين الجنوبي والحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما أكد الرئيس “شي جين بينغ” في بداية عام 2014، فإن الصين والولايات المتحدة ستكسبان المزيد من التعاون وستخسران المزيد إذا دخلتا في مواجهة.

وتعليقًا على هذا الواقع، كتب “يانغ جيتشي”، مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في 7 أغسطس 2020، أن “الاقتتال بين الصين والولايات المتحدة سيؤدي إلى كارثة كبيرة ليس فقط ضد بعضهما البعض، ولكن أيضًا لبقية الدول الأخرى، والعالم بأسره”. لذلك، فمن الضروري لكلتا القوتين أن تهدئ من وتيرة الصراع الدائرة حاليًا من أجل الحفاظ على السلام العالمي. كما قال السياسي المخضرم، “هنري كيسنجر”، قبل سنوات بأن العالم سينقسم إذا دخلت الصين والولايات المتحدة في صراع.

وعلى الرغم من أن “رقصة التانغو” تحتاج إلى شخصين، يمكن للصين أن تختار الرقص بإيقاع مختلف من خلال اتباع إجراءات سلمية أحادية الجانب يمكن أن تعينها على تجنب “الاستفزازات” الأميركية وتشجع الولايات المتحدة على اختيار إجراءات بنَّاءة وغير استفزازية مثل الحوار والمشاورات والمفاوضات أيضًا. وللوصول لهذه الغاية، يمكن للصين فتح قنوات اتصالات من جانب واحد مع الولايات المتحدة من أجل إعادة بناء الثقة اللازمة لتحقيق السلام الدائم في بحر الصين الجنوبي.

كما تحتاج الصين إلى الالتزام بالتعامل السلمي مع الولايات المتحدة لتجنب الحرب ومنع النزاعات العنيفة بينهما. وكما أكد وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” في مقابلة تلفزيونية، فإن الصين بحاجة إلى أن تظل “ملتزمة بالتنمية السلمية وتتبع استراتيجية الانفتاح ذات المنفعة المتبادلة. لذا، ستواصل الصين تعزيز السلام والتنمية العالميين ودعم النظام الدولي”.

وتعتمد الإدارة السلمية للنزاعات في بحر الصين الجنوبي على الإجراءات الإيجابية الحاسمة المتخذة ليس فقط من المطالبين وأعضاء “رابطة دول جنوب شرق آسيا” (آسيان)، ولكن هناك أيضًا الإجراءات المشتركة بين الصين والولايات المتحدة. فهذا هو الوقت المناسب للصين لإظهار قيادتها القوية في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في بحر الصين الجنوبي من خلال اتخاذ تدابير عملية من جانب واحد من شأنها أن تهدئ التوترات وتمنع مخاطر الحوادث وسوء التفاهم مع الولايات المتحدة.

يقول المثل الصيني: “من يعرف الصبر يعرف السلام”. لذلك، فعلى الرغم من الشعور بالاستفزاز من جانب الولايات المتحدة، يمكن للصين أن تتخذ مكانة أخلاقية عالية من خلال التحلي بالصبر والتعامل بلطف مع هذا الوضع المتدهور. كما أن ثمة حاجة للصبر الصيني من أجل تخفيف التوترات الحالية في بحر الصين الجنوبي. فالصبر فضيلة حضارية تمَّ اختبارها منذ فترة طويلة، ويمكن للصين أن تتبناها حاليًا من أجل قيادة العالم بأسره بشكل فعال في السعي وراء المستقبل المشترك للبشرية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر