فرنسا تكثِّف جهودها لمكافحة التطرف | مركز سمت للدراسات

فرنسا تكثِّف جهودها لمكافحة التطرف

التاريخ والوقت : الخميس, 6 يناير 2022

في ذروةِ حملة الهجمات الخارجية التي شنَّها تنظيم داعش، قبل نصف عقد من الزمن، كانت فرنسا، حسب بعض التقديرات، الدولة الأكثر استهدافًا في العالم. وعلى الرغم من أن هذه الهجمات كانت تدبَّر من الخارج، من الأراضي التي يسيطر عليها داعش، التي كانت تسمى بأرض الخلافة، فإنها ما كانت لتحدث لولا مساعدة من قبل السكان داخل فرنسا الذين تحولوا للتطرف.

ولمواجهة هذا الخطر الأمني، اتخذت فرنسا خطواتٍ في السنوات التي تلَت ذلك للحدِّ من عدد الإسلامويين المتطرفين داخل حدودها، معتمدة بالأساس على ثلاثة محاور:

1) تنفيذ جهود قوية للقضاء على التطرف بين المواطنين؛ 2) طرد غير المواطنين الذين يمارسون أنشطة متطرفة؛ و3) كبح قدرة المتطرفين على تجنيد أفراد جدد.

في يناير2015، تعرضت مكاتب مجلة شارلي إبدو الساخرة للاعتداء من قبل إسلامويين كانوا قد اتهموا المجلة بالتجديف. وكان الهجوم على باتاكلان، وأهداف عامة أخرى، في نوفمبر 2015، أكثر أعمال داعش فظاعة في فرنسا، حيث قتل 130 شخصًا، وجرح 350 آخرين. واستهدفت هذه الشبكة نفسها المترو في بروكسل بعد بضعة أشهر، ما أسفر عن مقتل ثلاثين شخصًا آخرين، وإصابة 300 آخرين. في الفترة من 2016 إلى 2020، وقعت عشرات الهجمات الإرهابية الجهادية في فرنسا. وفي عام 2021، نفذت ست هجمات أخرى.

الهجوم الأخير الأكثر بروزًا في فرنسا هو مقتل صامويل باتي في أكتوبر 2020، المدرس الذي ناقش الجدل الذي اكتنف مجلة شارلي إبدو مع طلابه، وكان حريصًا جدًا على السماح للطلاب المسلمين الذين لا يرغبون في المشاركة بالمغادرة. لكن جهادي شيشاني قطع رأس باتي في الشارع، متهمًا إياه بالتجديف. وعلى الرغم من الحذر، بعد حملة تحريض علنية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأماكن أخرى، دفع هذا الفعل فرنسا للتوقف ومراجعة سياساتها.

في يوليو 2021، أقر البرلمان الفرنسي بأغلبية ساحقة قانون تعزيز احترام مبادئ الجمهورية، الذي يندرج في الفئة الثالثة المبينة أعلاه. قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن ما أسماه “الانفصالية الإسلاموية” يقوض التماسك المجتمعي وقيم الدولة؛ أي الحرية والمساواة والإخاء، ويتعارض مع مبادئ القوانين الأساسية في فرنسا القائمة على اللائكية، النسخة الفرنسية للعلمانية الرسمية التي تفصل بدقة بين الدين والدولة. تسمح فرنسا بحرية المعتقد والممارسة الدينية، لكنها تمنع المذاهب الدينية من تلقي أموال الدولة، وتستبعد رجال الدين من المناصب الحكومية.

وكما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، ينصُّ القانون على سلطاتٍ واسعة للدولة في دعم اللائكية:

القانون الجديد يخوِّل الحكومة إغلاق دور العبادة بشكل دائم، وحلّ المنظمات الدينية، دون أمر من المحكمة، إذا وجد أنَّ أيًا من أعضائها يثير العنف أو يحرّض على الكراهية. كما يسمح بوقفٍ مؤقت لأي جماعة دينية تنشر أفكارًا تحرِّض على الكراهية أو العنف.

سيتعين على المنظمات الدينية الحصول على تصاريح حكومية كل خمس سنوات لمواصلة العمل، والتصديق على حساباتها سنويًا إذا تلقت تمويلًا أجنبيًا.

بالإضافة إلى ذلك، يُجرِّم القانون الجديد أي شخص يمارس الضغط، باسم الأيديولوجية أو التطرف الديني، على موظفي الخدمة المدنية ومقدمي الخدمات العامة للانحراف عن القيم العلمانية في فرنسا. وبموجب أحكامه، قد يواجه الرجل الذي يرفض السماح لطبيبٍ ذكر بفحص زوجته عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى 75,000 يورو.

في الكتاب المقدس، يُؤمر المسيحيون “بأن يعطوا ما للقيصر للقيصر، وما لله لله” [مرقس 12: 17]، وطورها اللاهوتيون والبابوية في القرون التي تلَت ذلك، وأصبحت أساس العلمانية: الاعتراف بالمجالات التي تقع خارج السلطة الدينية. ومع ذلك، اعترض البعض على هذه السلطات، واعترض الكاثوليك المحافظون على القانون الجديد في فرنسا باعتباره يتجاوز التوازن الصحيح.

بالنسبة للمسلمين، فإن مفهوم العلمانية هو، بطبيعة الحال، أكثر صعوبة بشكل عام، وتسبب هذا الخط المرسوم في استياء يتجاوز الدوائر الإسلاموية. وكانت هناك اعتراضات أيضًا من جانب القوى اليسارية في فرنسا لأسبابٍ تتعلق بالحريات المدنية.

ومع ذلك، حظي القانون بتأييدٍ واسع النطاق في فرنسا. وبحلول أكتوبر 2021، وبعد تحقيقات أجرتها الشرطة وأجهزة الاستخبارات، أغلقت السلطات 92 مسجدًا من بين 2,500 مسجد في الدولة وحلَّت جمعيات عدة بسبب “بثّ الكراهية تجاه فرنسا”، على حد تعبير وزير الداخلية الفرنسي. وقوبلت عمليات الإغلاق هذه باحتجاجاتٍ منظمة تنظيمًا جيدًا من قبل الجماعات الإسلاموية، وحلفائها، لكن الحكومة الفرنسية مضت في طريقها.

الجدير بالذكر أن الإغلاق الأخير حدث يوم الثلاثاء، في بلدة بوفيه، التي تقع على بعد ستين ميلًا شمال باريس. ومن المقرر إغلاق المسجد لمدة ستة أشهر، كما نص حكم المحكمة، “بهدف إحباط أعمال الإرهاب التي ترتكب” في ظروفٍ “لا يزال فيها التهديد الإرهابي مرتفعًا جدًا”. وكان الإمام قد دعا إلى الجهاد ضد أعداء الإسلام، ومجّد الإرهابيين الذين لقوا حتفهم، وهم يجاهدون في الخارج باعتبارهم “أبطالًا”، وكان “يستهدف المسيحيين، والمثليين، واليهود” في خطبه، الأمر الذي وصفه وزير الداخلية بأنه “غير مقبول”.

الأمر اللافت للنظر هو أن الإمام كان قد اعتنق الإسلام موخرًا. وقد أظهرت البحوث مرارًا وتكرارًا أن المتحولين إلى الإسلام يمثلون عددًا كبيرًا بشكل غير متناسب من المجندين الإرهابيين في الجماعات الجهادية من الدول الغربية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن نسبتهم تصل إلى قرابة الخمس.

من جهته، قال الإمام إن كلماته قد “أُخرجت من سياقها”، وردَّ المسجد بالقول إن الإمام كان “يتحدث بشكل طوعي” فقط، وهو الآن موقوف حتى عن القيام بهذه الواجبات. وفي حين أن هناك فترة عشرة أيام يمكن فيها للمسجد استئناف قرار الإغلاق، فإن الأدلة تبدو دامغة والدفاع المقدم غير كافٍ.

على الرغم من أن الإرهاب في أوروبا أقل من المستويات التي شوهدت في ذروة الموجة الإرهابية لداعش في الفترة ما بين 2014-2017، فإن المشكلة لا تزال خطيرة، ومع سقوط أفغانستان في يد قوات طالبان فمن المرجح أن يكون هناك ارتفاع في العام المقبل. وبدأ هذا يظهر بالفعل في بريطانيا.

 لقد كانتِ العديد من الدول الأوروبية بطيئة وخجولة في العمل على حل القضايا التي أثارتها الهجمات السابقة، ناهيك عن وضع سياسات لإحباط الهجمات التالية. ومع ذلك، فهناك بعض الاستثناءات، مثل النمسا، والتي تم مناقشتها بشكل مفصل هنا في عين أوروبية على التطرف. ومن ثم تقدِّم فرنسا أيضًا مثالًا آخر. وسواء كان النموذج الفرنسي ناجحًا أو يحتاج إلى مراجعاتٍ، فإن الوقت كفيلٌ بأن يظهر ذلك.

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر