سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كشفت المعطيات خلال الساعات الماضية، أن قرار أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر الأسبق، العودة للواجهة السياسية جاء في توقيت خاطئ، وبسيناريوهات بدت في مجملها متهورة وغير موفقة في آن معًا، بينما كان يريد جمع نقاط سياسية لصالحه، رغبة في المنافسة بالانتخابات الرئاسية المرتقبة منتصف العام المقبل 2018، لكنّ الفريق الذي كان يومًا يجمع أنصارًا من مختلف طوائف الشعب المصري أمام تحشيد من الإسلاميين، بات أحد الممقوتين في غضون ساعات قليلة عقب ظهوره على شاشة الجزيرة القطرية متهمًا دولة الإمارات بمنعه من السفر، رغم تداركه الخطأ بعد ساعات على لسان محاميته التي قالت إن الفريق لم يرسل المقطع المسجل إلى القناة القطرية، بل كان الاتفاق الذي أبرمه شفيق مع أحد الأطراف أن تذيع قناة “بي بي سي” البريطانية التسجيل، لكن الوسيط خالف الاتفاق، غير أنه حال صحت تلك الرواية، فإنها لا تنفي الخطأ الأكبر المتمثل في اتهام تقييد حريته بالإمارات.
بداية إعلان الترشح المفاجئ لشفيق عقب نفي متكرر لمجرد التفكير في الأمر، ألقى بظلال وخيمة على أكثر من صعيد، فبينما بدأ حزبه السياسي الوليد في مصر يلملم آثار انقسامات عنيفة ضربت قواعده، فإن الفريق لم يعد متحكمًا بزمام قيادة الحزب إداريًا، لا سيَّما بعدما خرج رئيس الهيئة البرلمانية للحزب، وهو أحد أبرز القيادات، مهاجمًا شفيق بشكل أكثر جلدًا، ومتبرّئًا – في الوقت نفسه – من كافة الإجراءات الأخيرة التي أقدم عليها رئيس الحزب وهو خارج البلاد.
الضربة الثانية التي تلقاها شفيق، وفق المعطيات، بإعلانه الترشح للانتخابات على النحو الذي ظهر، تتمثل في إذكاء اتهامات تزايدت خلال الفترة الأخيرة ضد الفريق في مصر بعدم اتساق مواقفه من الناحية الوطنية، أو أن أطرافًا ما تدفعه لأدوار بعينها، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات النخب السياسية، أو حتى تعليقات النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أفقد (شفيق) رصيدًا هائلاً من شعبية بدت تتآكل على نحو متسارع.
النتيجة الثالثة من إعلان شفيق السابق، تبدو في ظاهرها لصالحه، إذا قيست من الناحية النظرية من حيث التنوع في المنافسة الديموقراطية على الحكم، لكنّ الواقع يشير إلى زيادة شعبية الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي للفوز بولاية ثانية حال مقارنة الشخصين جماهيريًا، فالأول قضى خمس سنوات خارج البلاد ولم يتصدَّ لأي من الأزمات التي واجهت المصريين، وغيابه عن الواقع المعيشي أيضًا، فضلاً عن عدم طرحه خلال تلك المدة أيًّا من المبادرات، أو الأفكار، أو الأطروحات التي من شأنها تغيير الواقع. في المقابل، فإن السيسي قضى نفس المدة متحملاً – من الناحية الجماهيرية – عناء ومسؤولية الأوضاع الحالية، حتى وإن خلق في بعض الأحيان، تململاً شعبيًا تجاه بعض القرارات. هذه المقارنة الشعبية لدى المواطن البسيط، تعني أن المعادلة لا تحتاج عناء في التفكير للخروج بموقف – في الغالب – لصالح الرئيس الحالي.
بالانتقال إلى الساعات اللاحقة لإعلان ترشحه، فإن (شفيق) ربَّما ارتكب أكبر خطأ سيندم عليه طويلاً عندما اختار قناة الجزيرة القطرية لبثِّ بيان حمل اتهامات للدولة المضيفة بمنعه من السفر، بدا خلاله وكأنه مقيد الحرية، وهي المزاعم التي فندها وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش – جملة وتفصيلاً – بل وحملت توبيخًا قاسيًا للفريق أسقط جل أسهمه لدى الإمارات، وربَّما يمكن اعتباره الآن “شخصًا غير مرغوب فيه”. وأعتقد اعتقادًا جازمًا، أن السلطات الإماراتية ربَّما طالبته خلال الساعات الماضية بمغادرة البلاد.
المعطيات والدلالات تشير إلى أن رواية الإمارات الأكثر قبولاً، هي أن (شفيق) لم يكن ممنوعًا من السفر، بل أيضًا تدلل على أن الفريق اختلق تلك الواقعة بهدف تحشيد مؤيدين بشكل سريع استباقًا للمنافسة، من خلال استثمار المظلومية سياسيًا باعتباره مضطهدًا، لكن ذلك أفقده كثيرًا في معادلة المنافسة؛ ذلك أن المنبر الذي اختاره لإذاعة بيانه، ليس منبوذًا حكوميًا فقط، بل وجماهيريًا في مصر والخليج، وكان بإمكانه أيضًا اختيار وسيلة إعلام دولية كـ”رويترز”، أو الـ”بي بي سي”، أو غيرهما، كما فعل في إعلان الترشح.
السيناريوهات الأقرب إلى الحقيقة، وفق المعطيات والاستنتاجات، تشير إلى أن (شفيق) يبحث الآن برصيده المتبقي عن الوجهة التي يرحل إليها خارج الإمارات التي – لا شك – بدت غير راغبة في وجوده على أراضيها، فربَّما يرحل إلى لندن التي خطط خلال الفترة الماضية لاعتبارها إحدى وجهاته لشرح برنامجه الانتخابي للجاليات المصرية هناك، يدعم هذا التوجه أيضًا طبيعة لندن الانفتاحية التي تسمح لوضع شفيق الحالي بأن يعيد ترتيب أوراقه من أراضيها.
ثاني السيناريوهات، التي ربَّما تراود أفكار الفريق، التوجه صوب باريس التي أجرى اتصالات خلال الفترة الماضية للانتقال إليها في رحلة دعائية أيضًا وتنسيقية لخوض الانتخابات، لكنّ فرنسا التي ترتبط بعلاقات أكثر قربًا من النظام المصري، ربَّما تدفع (شفيق) إلى إعادة التفكير في الرحيل إليها.
أمَّا السيناريو الثالث، وهو العودة إلى مصر، فيبدو الأقل حظًا في تفكير الفريق خلال الفترة الحالية، لا سيَّما بعدما أدرك سوء تصرفه، حين أصدر بيانًا في وقت متأخر الأربعاء زعم فيه أنه لم يمد الجزيرة بالمقطع المسجل، لكنّ أحدًا ما سربّه للقناة القطرية بينما كان في طريقه إلى إذاعة الـ”بي بي سي” البريطانية لبثه.
يبدو للمدقق في المشهد أن (شفيق) كان متعمدًا الظهور عبر قناة الجزيرة، معتقدًا أنه يصنع لنفسه مقعدًا معارضًا يستطيع من خلاله حشد تأييد شريحة من الإسلاميين، أو تلك التيارات المعارضة للنظام في مصر حاليًا. لكنّ الفريق لم يدرس الخطوة على ما يبدو بشكل جيد، لا سيَّما أن الاتكاء على الإخوان يفقد المرشح أصوات النساء والأقباط، فضلاً عن خلق قاعدة جماهيرية معادية له في المنافسة، لا سيَّما بعد مستوى العداء الذي خلقه الإسلاميون مع الرأي العام في مصر خلال السنوات الماضية.
إلى تلك النقطة، فإن القاعدة الجماهيرية التي راهن عليها شفيق، بدت متآكلة إلى حد النهاية لعدة أسباب، أولاً أن (شفيق) لم يشارك في الحراك الممتد منذ أربع سنوات واقتصر ظهوره على تدوينات عبر السوشيال ميديا، كما أن الأصوات التي حصل عليها خلال منافسته محمد مرسي في عام 2012، لم تكن أصواتًا موجهة إلى شفيق، بقدر ما كانت رغبة في عدم التصويت لصالح مرشح الإخوان، فربَّما خُدع شفيق بهذه الملايين التي تركت أصواتها لصالحه، وبدا بعد خمس سنوات ضامنًا تلك الأصوات، وهو ما دفعه لاتخاذ هذه الخطوات التي لم يحالفه الحظ إزاءها.
المعادلة في انتخابات ٢٠١٨ مختلفة اختلافًا كليًا من حيث الظروف الاجتماعية وأسماء المرشحين، وأيضًا الظروف السياسية والأمنية، كلها عوامل من شأنها أن تلقي صفعة شديدة لطموحات شفيق السياسية.
إجمالاً، فإن القضية التي استحوذت على مساحة غير قليلة من الرأي العام في مصر والخليج، بدا فيها المسؤول المصري السابق أحمد شفيق، غير موفق من الناحية السياسية، سواء بقراره المفاجئ، أو الآلية التي ظهر من خلالها مهاجمًا الإمارات. كما أن تطور القضية ستلقي بظلال سلبية على مستقبله السياسي، لكنّه في الوقت نفسه سيكون فرصة للإمارات للتخلص من إحراج وُضعت فيه مع السلطات المصرية خلال الفترة الماضية على خلفية تصريحات أو مواقف لشفيق لم تكن متسقة مع الإدارة السياسية في مصر.
وحدة الدراسات السياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر