سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سعود الشرفات
أثارت عملية الطعن بالسكين التي نفذها الشاب الصومالي جبريل علي عبدالرحمن، مواليد عام 1997، في مدينة فورتسبورغ بولاية بافاريا الألمانية مساء يوم الجمعة 25 حزيران (يونيو) الجاري، وراح ضحيتها 3 قتلى و6 جرحى في حصيلة أولية، الكثير من المخاوف والهواجس الأمنية بعودة هجمات الذئاب المنفردة في أوروبا وليس في ألمانيا فقط .
ورغم عدم إعلان أي تنظيم مسؤوليته عن العملية، وعدم وضوح أسباب ارتكابها، مع أنّ وسائل الإعلام الألمانية أشارت الى أنه كان يصيح بعبارات “الله أكبر” عند تنفيذه عمليات الطعن، ثم الإعلان السريع من السلطات الألمانية بأنّ منفذ العملية كان يخضع لعلاج نفسي؛ فإنّ المؤشرات المتوفرة تشير إلى أنّ المنفذ هو “ذئب منفرد“.
وتعيد هذه العملية التذكير بالتوجيهات الجديدة التي سبق أن أشرنا إليها، وقدمها تنظيم القاعدة في المقال الافتتاحي للعدد الثاني من مجلة “ذئاب مانهاتن” الذي صدر في نيسان (أبريل) الماضي، عمّا يُسمّى “جيش الملاحم الإلكتروني” وتضمن عدة مقالات تحرض أنصارها الذين يعيشون في الدول الغربية على استغلال الاضطرابات المدنية للقيام بهجمات بأسلوب “الذئاب منفردة“.
وأمر المقال الذي جاء بعنوان “الذئب المنفرد والاحتجاجات“، المؤيدين بتنفيذ أعمال إرهابية تحت غطاء الاحتجاجات التي تشهدها بعض الدول الغربية؛ حيث حدّدت الولايات المتحدة وفرنسا على أنهما من بين الدول التي تعاني حالياً من الاضطرابات المدنية، إلى جانب إيطاليا وألمانيا وبريطانيا.
وكما سبق أن ذكرنا في مقال سابق (في حفريات) أنّ الجديد والخطير هو تطور التوجهات التكتيكية لتنظيم القاعدة من حيث: التأكيد الواضح والصريح على استخدام أسلوب ”الذئاب المنفردة” وتحديدها بالاسم في تنفيذ العمليات الإرهابية، واستغلال المظاهرات والاحتجاجات لتنفيذ العمليات الإرهابية، ومهاجمة الممتلكات العامة والخاصة.
وتدل عمليات الذئاب مرة أخرى على أنه من الصعب على أجهزة الأمن السيطرة عليها والحد منها. وأنّ الإنجاز الوحيد الذي يمكن أن تحققه الأجهزة الأمنية في هذا المجال وعند حدوث مثل هكذا عمليات هو ضمان سرعة الرد والاستجابة لطلب التدخل لمنع وقوع المزيد من الضحايا بترك حرية الحركة للمنفذين.
فعلى سبيل المثال أظهرت لقطات مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي الشاب الصومالي الذي نفذ العملية أعلاه وهو يسير بحرية حاملاً سكيناً ويحاول مهاجمة الأشخاص المدنيين الذين تعرضوا له في الشارع ثم قاموا بمطاردته، قبل أن تحضر قوات الأمن وتطلق عليه النار في قدمه وتعتقله. وهذه خطوة أمنية تسجل لقوات الأمن الألمانية في أنها لم تقتل المذكور بل حيدته وألقت القبض عليه حياً للتحقيق معه ومعرفة أسباب إقدامه على هذه العملية الإرهابية.
إنّ جهود مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الدول الأوروبية لمكافحة الإرهاب المحلي ما تزال تركز على الشكل التقليدي من إرهاب الجماعات والخلايا، وربما نجحت في ذلك عبر تفكيك الكثير من الخلايا الإرهابية، واعتقال بعض أعضائها، والتضيق على الأفراد المتطرفين ودفعهم لمغادرة الدول الأوروبية نحو ساحات القتال خاصة سوريا. لكن الخطر الأكبر الذي يواجه الدول الأوروبية، والدول العربية أيضاً هو إرهاب الذئاب المنفردة الذي لا يمكن التنبؤ بزمان ومكان حدوثه.
وتشير الدراسات الأكاديمية الرصينة والمتخصصة في ظاهرة الإرهاب إلى تزايد الهجمات الإرهابية التي تخطط لها وترتكبها “الذئاب المنفردة”، وتشكل نسبة متزايدة من الهجمات التي يشنها المتطرفون اليمينيون والإسلاميون. حتى الآن، فقد ارتكب المتطرف اليميني النرويجي (أندرس بيرنغ بريفيك) أكثر أعمال الإرهاب دموية التي خطط لها ونفذها ذئب منفرد” في 22 تموز (يوليو) 2011.
وفيما يتعلق بالخسائر البشرية، فإنّ الهجمات التي نفذها هؤلاء الإرهابيون تمثل معظم الوفيات التي تعزى إلى المتطرفين اليمينيين خلال العقد الماضي. وفي كل من الخطاب الأكاديمي والعام، تم تعريف بريفيك ومرتكبي الجرائم المماثلين بأنهم “ذئاب منفردة “.
وقد قوبل استخدام هذا التعريف بانتقادات من عدة زوايا، سواء في المناقشات العامة الأوسع أو بين الأكاديميين خاصة في الغرب. لكن الاهتمام بهذه الظاهرة وبهذا الاسم، سواء على المستوى الشعبي أو الصحفي أو الأكاديمي أخذ بالتصاعد التدريجي منذ عام 2000 حتى بلغ الذروة خلال الفترة 2013-2014
وتشير الذروة المفاجئة للمنشورات الأكاديمية عن إرهاب “الذئاب المنفردة” خلال عام 2013، إلى أنّ هذا الموضوع أصبح ساخناً جداً في أعقاب هجمات المتطرف اليميني النرويجي أندرس بيرنغ بريفيك مباشرة. ومن الواضح أنّ هذا الهجوم من قبل إرهابي من اليمين المتطرف كان الحدث الرئيسي. ولكن منذ عام 2008 فصاعداً كانت هناك أيضاً زيادة في هجمات الذئاب المنفردة من قبل الجماعات الإرهابية الإسلاموية، ولكن في الغالب على نطاق صغير في البداية.
ومع ذلك، بعد الهجمات في النرويج عام 2011، قفز الأكاديميون في الغرب؛ الذين لم يكتبوا من قبل أي شيء جوهري عن الإرهاب على عربة دراسات “الذئب المنفرد”، وأصدروا على الأقل مقالاً واحداً عن هذا الموضوع باعتباره بدعة جديدة، ثم انتقلوا إلى موضوع آخر.
أما في العالم العربي فإنّ هذا الموضوع لم يحظَ بأية دراسة رصينة –على حد علمي – مثله مثل غيره من الموضوعات الحساسة في ظاهرة الإرهاب.
المصدر: حفريات
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر