سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جوزيف دانا
هناك مفهوم خاطئ حول الذكاء الاصطناعي وهو أنه سيسيطر على العالم فجأة عن طريق استبدال العقل البشري بجحافل من الروبوتات، وربما يحصل هذا التصور في المستقبل البعيد، حيث سيصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى عالٍ من التطور يمهد بدوره الطريق للسباق بين تلك العقول الاصطناعية، ولكن لا تزال تفصلنا عن هذا التصور فياف وقفار.
ويتطور الذكاء الاصطناعي خطوة بخطوة، ولا يعني هذا التقليل من الإنجازات الكبيرة التي خلقها في قطاعي العلوم والتكنولوجيا، لكننا في حاجة إلى إعادة التفكير في صورة جماعية في كيفية فهمنا لتأثير الذكاء الاصطناعي.
لقد منحتنا التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي أدوات أفضل، لكنها لم تغير طريقة تفكيرنا، ومن دون إشراف ورقابة، يمكن أن يشكل الأخير أخطارا جسيمة على البشرية جمعاء، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال الحروب.
ومن الصعب استيعاب مدى تغيير التكنولوجيا لنمط حياة المجتمعات البشرية، بسبب التطور التدريجي للذكاء الاصطناعي، وعلى مدى العقدين الماضيين تطور الذكاء الاصطناعي ليلعب دورا جوهريا في حياة البشر، وهذا يعني أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ساعدتنا وتساعدنا في استكشاف المجالات التي لم نتمكن من استكشافها سابقا.
وفي مجال الكيمياء الحيوية، على سبيل المثال، يستخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي لتطوير شبكات عصبية جديدة “تتخيل” البروتينات بهياكل جديدة ومستقرة، ويوسع هذا الكشف العلمي الجديد قدرتنا على فهم تكوين البروتين.
وفي تخصص آخر، يعمل الباحثون في جامعة أكسفورد مع شركة الذكاء الاصطناعي الشقيقة لغوغل “ديب مايند” على تطوير تقنيات جديدة أساسية في مجال الرياضيات، حيث أسسوا نظرية رياضية جديدة تُعرف باسم نظرية العقدة، من خلال ربط الثوابت الجبرية والهندسية للعقد.
الوقت حان للاستماع إلى المفكرين والباحثين الذين صمموا برامج الذكاء الاصطناعي والذين هم من يحذر منه الآن
حتى أن علماء ناسا وظفوا تطورات الذكاء الاصطناعي في مجال الفضاء، من خلال استخدام شبكة عصبية تسمى “إكسوماينر” على متن مركبة الفضاء كبلر، حيث استطاعوا اكتشاف 301 كوكب خارج نظامنا الشمسي.
وتوضح هذه التطورات أننا لسنا في حاجة إلى انتظار الذكاء الاصطناعي ليخلق عقولا اصطناعية واعية لرؤية تحولات عميقة في التكنولوجيا، فمن خلال تعزيز قدرتنا البشرية، يمكن للذكاء الاصطناعي تغيير نظرتنا وفهمنا للعالم.
وفي حين تُعتبر العديد من هذه التطورات إيجابية ويمكنها أن تعزز من مسيرة الحضارة البشرية، إلا أن التقدم في هذا المجال له جانب مظلم، فعندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة وفي الحروب السيبرانية، تعمل التطورات على تسريع احتمالية وجود تقنيات قاتلة ومتهورة.
وقد التقى ستيوارت راسل وهو الباحث والكاتب والأستاذ غزير الإنتاج في مجال الذكاء الاصطناعي والذي يعمل في جامعة كاليفورنيا (بركلي)، بمسؤولي الدفاع البريطانيين لإثارة مخاوف جدية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي غير الخاضع للرقابة في حالات الحروب.
ويعتقد راسل أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مواقع البشر وقتلهم يمكن أن يقضي في النهاية على الجنس البشري، ويشاركه الرأي أكثر من 400 باحث ألماني في مجال الذكاء الاصطناعي، والذين نقلوا مخاوفهم إلى الحكومة الألمانية في رسالة مفتوحة، ونصت تلك الرسالة بعبارات واضحة على “أنه لا ينبغي أبدا قتل البشر بطريقة آلية على أساس المعادلات الحسابية أو الخوارزميات، ويجب فرض حظر عالمي على هذا النوع من الأنشطة التي تعطي للسلاح الآلي، بصورة لا آدمية، حرية الخيار ما بين الحياة أو الموت”.
ويكمن التحدي في أن اللوائح الحالية، سواء على الصعيد العالمي أو المحلي، لم تتم كتابتها بطريقة تراعي الإمكانات الهائلة لأنظمة الذكاء الاصطناعي الآلية لتغيير مجرى الحروب، ولم تستجب القوى العسكرية الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، للدعوات المتكررة إلى توقيع معاهدات دولية جديدة تنظم استخدام الأسلحة الذاتية، وفي الوقت نفسه يواصل مصنعو الأسلحة تطوير آلات قتل ذاتية التحكم أكثر تقدما، حيث طورت شركة “إس.تي.إم” وهي شركة تركية متخصصة في تصنيع الأسلحة، طائرات دون طيار، قادرة على القتل وذاتية القيادة، أكبر قليلا من كرة الركبي، ويمكنها تنفيذ ضربات مستهدفة بناء على الصور وتكنولوجيا التعرف على الوجه.
نحن بحاجة لفهم أفضل لقضية تغيير الذكاء الاصطناعي لمجرى حياتنا اليومية بصورة خفية وكيف نتلقى المعلومات
وسيستمر هذا المسار طالما استمر معظم البشر في التفكير في الذكاء الاصطناعي من منظور بدائي مرتبط بالخيال العلمي أكثر من ارتباطه بالعلم الحقيقي، ونحن ببساطة في حاجة إلى مدونة جديدة لقواعد السلوك تحدد بالتفصيل طريقة استخدام آلات وتقنيات القتل الجديدة هذه.
وباحثو الذكاء الاصطناعي، مثل راسل، محقون في رفع أصواتهم عاليا لتنبيهنا، لأننا نصمم تقنيات يمكن استخدامها في يوم ما ضدنا.
وتتمثل الخطوة الأولى لحل المشكلة في خلق نقاش وحوار جديد حول الذكاء الاصطناعي، والذي من شأنه مساعدة المجتمع على فهم التغييرات العميقة والخفية في نفس الوقت، والتي تحدث في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي.
ونحن بحاجة إلى فهم أفضل لقضية تغيير الذكاء الاصطناعي لمجرى حياتنا اليومية بصورة خفية مثل طريقة كتابتنا (مثل الخوارزميات التنبؤية على غوغل) وكيف نتلقى المعلومات (من خلال الخوارزميات الموجودة على منصات يوتيوب ونتفليكس).
وسيؤدي الفهم الأعمق للعلاقة الشائنة بين مصنعي الأسلحة وشركات التكنولوجيا إلى توسيع معرفتنا بالمخاطر المحتملة في مجال الذكاء الاصطناعي، والأخبار الأخيرة حول كيف استخدمت مجموعة “إن.إس.أو” الإسرائيلية لتقنية القرصنة على الهواتف المحمولة ومراقبة اتصالات بعض قادة العالم هو أحد الأمثلة السيئة لكيفية تأثير التكنولوجيا على طبيعة فن القيادة والحرب.
لقد حان الوقت للاستماع إلى المفكرين والباحثين الذين صمموا برامج الذكاء الاصطناعي والذين هم يحذرون منه الآن، وإذا استخدمنا الذكاء الاصطناعي بشكل بناء، فسيساعدنا في التقدم إلى الأمام، والتحدي الذي نواجهه الآن هو ضمان إبقاء الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي بعيدا عنا.
المصدر: صحيفة العرب اللندنية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر