ضرار بالهول الفلاسي
«تاريخنا ومنهجنا في الحفاظ على البيئة واستدامة مواردها ثابت.. وأدعو مجتمعنا إلى تبني أفكار جديدة ومبادرات نوعية تجسد الوجه الحضاري لبلادنا». بهذه الكلمات أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في مطلع العام 2023 «عام الاستدامة» في دولة الإمارات العربية المتحدة وبذلك، أرسى سموه معايير جديدة لالتزام الدولة بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة على المستويين المحلي والدولي.
وفي ختام هذا العام الاستثنائي، حققت الإمارات إنجازات ملموسة في مجال الاستدامة، ونتطلع بتفاؤل إلى ما ستحققه في المستقبل في هذا المجال فالاستدامة في الإمارات ليست مجرد شعار أو هدف، بل هي نمط حياة وثقافة وقيمة تنبع من رؤية قيادتنا الرشيدة، وتنعكس على سلوكيات وممارسات مجتمعنا أفراداً ومؤسسات. وتعد استضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) أحد أبرز الإنجازات التي تحققت في عام الاستدامة وبصفته أحد أبرز الأحداث على الأجندة المناخية الدولية، شهد المؤتمر مشاركة أكثر من 70 ألف شخص من القادة والخبراء والمنظمات الدولية والمجتمع المدني من نحو 200 دولة.
وطرحت الرئاسة الإماراتية للمؤتمر عدداً من الأهداف الملموسة لتحقيقها عام 2030 من قبيل زيادة قدرة الطاقات المتجددة في العالم ثلاثة أضعاف، ومضاعفة تحسين كفاءة استهلاك الطاقة، ومضاعفة إنتاج الهيدروجين وغيرها. ويُعد نجاح الدولة في تنظيم هذا الحدث الضخم بكفاءة، خير دليل على التزامها الراسخ بتحقيق تقدم ملموس على صعيد الاستدامة.
وقد أثبتت الإمارات من خلال استضافتها لهذا الحدث دورها الريادي والمسؤول في مجال العمل المناخي، ورغبتها الصادقة في تعزيز التعاون والتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية لمواجهة التحديات البيئية التي تهدد مستقبل البشرية. وأسهمت الإمارات في تحقيق نتائج إيجابية في المؤتمر، من خلال طرح مبادرات ومشاريع وحلول تعكس التزامها بخفض الانبعاثات، وتسريع وتيرة التحول نحو الطاقة المتجددة، ودعم الدول النامية في تحسين قدراتها ومواردها للتكيف مع آثار التغير المناخي.
وفي يومنا هذا، يبرز دور دولة الإمارات بصفتها مركزاً لآمال وتطلعات العالم لغدٍ أفضل، وتوفر الدولة أرضية خصبة تثمر عن رؤى مشتركة حول سبل مواجهة التحديات البيئية ورفع مستوى طموحاتنا، كما تمكن الدولة تبادل الأفكار والخبرات، وتحشد الجهود الدولية والمنظمات للارتقاء بواقع العمل المناخي، وتجديد الالتزام بتقليل انبعاثات غازات الدفيئة، وتسريع وتيرة التحول نحو نماذج اقتصادية تدعم تحقيق الحياد الكربوني بهدف صياغة مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
وخلال العام الماضي، برزت الجهود المكثفة التي بذلتها دولة الإمارات لتعزيز الاقتصاد الدائري المستدام. وتستمر هذه الجهود بزخمٍ كبير ووتيرة مكثفة خلال العام الحالي، مع التركيز على تعزيز دور الإمارات والقطاع الخاص في تحقيق رؤية مستقبلية للاقتصاد. ويتزامن ذلك مع مساعي الدولة لتسريع تنفيذ سياسة الاقتصاد الدائري للفترة من 2021 إلى 2031، بهدف إيجاد فرص اقتصادية جديدة من خلال التعاون مع القطاع الخاص، وذلك لدعم مساعي الدولة في تحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر ازدهاراً.
لا تقع مسؤولية
الاستدامة على عاتق الحكومات والمؤسسات فحسب، بل يتحملها أيضاً المجتمع بكل مكوناته بتناغم لضمان استمراريته وازدهاره. فالاستدامة ليست مُجرد هدف يُسعى إلى تحقيقه، وإنما هي نمط حياة وثقافة مجتمع بأكمله. وفي هذا الصدد، يبرز دور «مؤسسة وطني الإمارات»، التي تُعنى بتعزيز الهوية الوطنية والقيم الإماراتية، وتحقيق التنمية المستدامة في الإمارات. وتعاونت المؤسسة مع القطاعين الحكومي والقطاع الخاص لإطلاق مبادرات اجتماعية مبتكرة تعكس رؤيتها نحو تحقيق التنمية المستدامة في الدولة.
ونظمت المؤسسة خلال عام الاستدامة العديد من المشاريع والمبادرات والفعاليات والجلسات الشبابية التي تهدف إلى توعية وتثقيف وتمكين المجتمع في مجالات الاستدامة والبيئة. ومن بين هذه الفعاليات، نذكر «مخيم رواد الاستدامة» و«مخيم الهوية الوطنية الثالث» الذي أُقيم تحت شعار «تراثنا الوطني إرث مستدام»، اللذين نظمتهما المؤسسة لأجيال المستقبل والناشئة، بالتعاون مع عدة جهات شريكة، لتعزيز قيم ومفاهيم الاستدامة لدى الأجيال المقبلة.
إضافةً إلى جلسة حوارية بعنوان «إرث اليوم لأجيال الغد» بالتعاون مع مجلس دبي للشباب وهيئة كهرباء ومياه دبي في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية. وتوفر هذه الفعاليات تجربة تعليمية وترفيهية ملهمة، تساعد أجيال المستقبل على اكتساب مهارات القيادة والعمل الجماعي، وتوطيد صلتهم بالتراث والهوية الوطنية بشكلٍ مستدام. كما تمكنهم من اتخاذ قرارات مستدامة وبناء مستقبل مستدام.
واختتمت مؤسسة وطني الإمارات هذا العام بإنجازات مبهرة، حيث رسمت مساراً لمستقبل مستدام يعكس الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة التي تندرج تحت مظلة رؤية وتوجيهات القيادة الرشيدة لدولة الإمارات بدعم المبادرات الوطنية. وتُجسد المؤسسة التزامها بتحقيق مشاركة فاعلة لجميع الفئات الاجتماعية في بناء الوطن، وتسعى إلى تعزيز دور المرأة الإماراتية وتفعيل طاقات الشباب في التنمية الوطنية.
كما تكافئ وتُكرم الجهود والإنجازات المخلصة للمواطنين والمقيمين المساهمين في تعزيز وترسيخ الدور الوطني والاجتماعي. وتعزز المؤسسة ثقافة التطوع وتشجع الأفراد على الانخراط في العمل التطوعي. وتُسخر المؤسسة شراكاتها ومبادراتها لتعزيز المسؤولية المجتمعية بين أبناء المجتمع.
ومع انطلاقة العام الجديد، تستعد المؤسسة لبداية جديدة فالاستدامة تحتاج إلى جهد مستمر ومتجدد في ظل ما نشهده من تحديات متغيرة ومتنوعة. ويتطلب تحقيق الاستدامة تضافر جهود الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، والمشاركة في مبادرات وفعاليات الاستدامة، والتعلم من تجارب وخبرات الآخرين، واعتماد أفضل الممارسات، والمساهمة في حلول وابتكارات الاستدامة.