عالم جديد للولايات المتحدة والهند | مركز سمت للدراسات

عالم جديد للولايات المتحدة والهند

التاريخ والوقت : السبت, 8 أغسطس 2020

مانجيت كريبالاني ومايكل ماندل

 

على الرغم من أزمة “كوفيد – 19″، فإن المستثمرين الأميركيين لا يزالون يصطفون لضخ الأموال في مستقبل الهند الرقمي. فعلى مدار الشهرين الماضيين، تلقت الهند حوالي 20 مليار دولار من استثمارات من شركات أميركية معظمها في منصة “جيو” الرقمية، وهي أكبر مشغل للهواتف المحمولة وتعمل في مجال الخدمات الرقمية بالهند. وقد تعهدت جميع الشركات العاملة بالمجال التقني بالالتزامات القوية وطويلة الأجل بالسوق الهندية، مثل: “فيس بوك” و”جوجدا”، و”كي كي آر”، و”أنتل” و”كوالكوم”، و”سيلفر ليك”، و”جينرال أتلانتيك بارتنرز” General Atlantic Partners، و”كيرليل جروب”Carlyle Group.

وقد وصل الأمر للحد الذي شعرت فيه الهند وكأنها حدود جديدة للشركات الأميركية. حسنًا، فقد حان الوقت. يعكس صعود السوق الرقمية في الهند واقع السوق الصينية، مع استثناءين هما: أن الاستثمار الأجنبي في الهند يتعمق، وأن الهند لا تطبق نظامًا رقابيًا على الطريقة الصينية. وبدلاً من ذلك، تقوم الدولة ببناء شبكة فاضلة من المنصات المفتوحة المصدر والمتطوعة في الغالب بالشراكة مع الحكومة. وكل شيء يجري على الإنترنت، من سجلات الأراضي والصحة إلى الفوائد المباشرة للفقراء، بهدف الحد من الروتين والفساد.

فالولايات المتحدة بدأت التحرك بعيدًا عن سياسة الاحتواء تجاه الصين، التي دامت 30 عامًا، إذ ترى أنه قد حان الوقت بالنسبة لها للتقدم وتعميق التعاون مع الهند في مجالات التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية والدفاع. وقد أثارت حزمة الإنقاذ الاقتصادي في مواجهة أزمة “كوفيد – 19” التي أطلقتها وزيرة المالية “نيرمالا سيتارامان” بتاريخ 17 مايو، والتي تبلغ 265 مليار دولار، جدلاً في هذا الشأن. فبالإضافة إلى الدعم الأساسي على المدى القريب للفقراء والنازحين، فقد أسهمت تلك الحزمة في تعزيز إصلاحات الهند طويلة المدى، وتحديدًا فيما يتعلق بخصخصة العديد من مشروعات القطاع العام، وهي الخطوة التي طالما دافع عنها الاقتصاديون، في حين لا يمكن للولايات المتحدة أن ترحب بها.

كما كان هناك حد مفروض على الاستثمار الأجنبي في الدفاع، وهو الجزء الأكثر حيوية في الهند والولايات المتحدة. وقد نمت العلاقات الثنائية بنسبة تتراوح بين 49٪ و74٪. ويمكن للاعبين المميزين والشركات المبتدئة الآن المشاركة في أعمال الفضاء والأقمار الصناعية في الهند أيضًا، والتي كانت “ناسا” تراقبها بطبيعة الحال.

صحيح أن البلدين لديهما صراعات تجارية تتراوح بين الحواجز الجمركية وغير الجمركية للوصول إلى الأسواق، مثل: الدراجات النارية، والمنتجات الزراعية والكحول، إلى مراقبة الأسعار على الأجهزة الطبية والمستحضرات الصيدلانية، إلى القضايا الأحدث مثل توطين البيانات، والقيود المفروضة على التجارة الإلكترونية، وضريبة الخدمات الرقمية. وفي المقابل، ترغب الهند في الوصول بشكل أفضل إلى الأسواق الأميركية.

وتتوفر لدى هؤلاء القدرة على الوقوف والعمل بشكل فاعل وجاد، كما فعلوا مؤخرًا في فبراير عندما أوشكت “صفقة تجارية صغيرة” على الانهيار.

ومع ذلك، فإن المزايا الاستراتيجية للروابط الاقتصادية الأوثق لكلا البلدين تبدو قوية جدًا، خاصة في تلك المرحلة الراهنة. فالشراكة بين الهند والولايات المتحدة تعدُّ أمرًا بالغ الأهمية لتنويع سلسلة توريد التصنيع العالمية، التي تعتمد بشدة على الصين. فالولايات المتحدة لديها مصلحة قوية في تعزيز قطاعي التصنيع والخدمات في الهند. كما أن الهند لديها اهتمام قوي بالاستفادة من أفضل الممارسات الأميركية، خاصة في التنظيم والتوزيع والابتكار، من أجل محاكاة براعة أميركا في خلق الوظائف. وبالتالي، سيكون البديل للهند هو اتباع النموذج التنظيمي الأوروبي، الذي يضع تركيزًا أقل على نمو الوظائف والابتكار.

وفي الغالب، فإن الروتين الهندي المستمر هو الذي يدفع الأميركيين إلى الجنون، ذلك أنهم اعتادوا التخلص من سياسة “النافذة الواحدة” في الصين. فالهند تحتل المرتبة 63 في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال التجارية للبنك الدولي، بينما تحتل الصين المرتبة 31، وتتقدم على فرنسا، في حين أنها تقل قليلاً عن اليابان.

لكن من المهم أن نتذكر أن نظام التصنيع والتجارة الذي يعمل بسلاسة في الصين لم يتم بناؤه بين عشية وضحاها. ففي الصين، أمضت الولايات المتحدة سنوات في تعزيز سهولة التجارة، بدءًا من عام 1986، عندما بدأت واشنطن في دعم انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وقد كانت بالفعل عملية صعبة.

لقد أخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة، ورعت الصين من خلال عمليات منظمة التجارة العالمية الشاقة والغريبة جدًا عن اقتصادها الاجتماعي السياسي.

ومع الإصلاحات الجديدة تبدو الهند مستعدة للانتقال إلى واقع تنظيمي حديث. وإذا اتخذت الولايات المتحدة قرارًا استراتيجيًا بزيادة الاستثمار في الهند، فسوف تحتاج إلى تزويد البلاد ببعض المساعدة التقنية، لا سيَّما في مجال التنظيم وبناء المؤسسات. كما سيتعين عليها أن تبني بنشاط على العلاقات بين الفاعلين الآخرين على مستوى المسؤولين الحكوميين الهنود، وتوسيع نطاق عملها إلى الأوساط الأكاديمية ومراكز الفكر وتعميق المشاركة مع الوكالات شبه المستقلة والقطاعين العام والخاص التي ستكون حجر الأساس للثنائي. ويعدُّ هذا أمرًا ضروريًا، إذ تغطي المشاركة القوية بين الأفراد نقص الارتباطات المؤسسية والأكاديمية بين الهند والولايات المتحدة بدون هذه الخيوط المتشابكة التي تطورت فيما بين الولايات المتحدة والصين، والهند والولايات المتحدة.

وفي حالة عدم وجود اتصال أوثق مع الولايات المتحدة، يمكن للهند اتباع النموذج التنظيمي الأوروبي. وهو ما يحدث إلى حد ما، مع تبني الهند لضريبة الخدمات الرقمية على النمط الأوروبي. فالهند تدرس أيضًا قواعد بشأن إدارة المواد الكيميائية بطريقة أقرب إلى النموذج الأوروبي.

لكن التنظيم على النمط الأوروبي يقوم فلسفيًا على “المبدأ التحوطي”، الذي يقول إنه يجب النظر إلى النمو والابتكار بشكل مثير للريبة. ويعمل هذا النهج من أجل اقتصاد مرتفع الدخل مع شبكة أمان متطورة. وهي أقل ملاءمة للدول التي ترغب في الحفاظ على نمو اقتصادي أسرع.

كل هذا وضع الهند بقوة في الزاوية الأميركية اليوم أكثر من أي وقت مضى مع توغل الصين غير المبرر في الحدود الشمالية للهند. وهناك الكثير من المؤثرات التجارية، لكن لا شيء يمكن التغلب عليه. فالعلاقة بين الهند والولايات المتحدة تتمتع بدعم الحزبين في كلا المجلسين. فقد تم تعيين ذلك على أساس إعادة ترتيب جيوسياسي جديد يتمثل في تحويل الاهتمام العالمي من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وبشكل أكثر تحديدًا، الهند والمحيط الهادئ. هنا، تمتلك الديمقراطيات الأربع الكبرى، الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة، التي تسمى أيضًا (QUAD) تحالفًا جديدًا وعميقًا لمواجهة المغامرات المتنامية للصين في المنطقة.

وفي الوقت الحالي، فإنها في طريقها لتصبح شراكة دفاعية. ولكي تؤخذ على محمل الجد، يجب أن تتضمن العناصر الاقتصادية والتكنولوجية. فالولايات المتحدة واليابان وأستراليا تتمتع باقتصاديات قوية وبراعة تكنولوجية، ويمكن للهند أن تكون سوق اختبار جيدًا لأدوات السياسة العالمية وأساليب التصنيع والخدمات المستدامة الجديدة. ومن خلال استراتيجية متعددة الأطراف، يمكن بناء الشراكة بين الولايات المتحدة والهند لتستمر مدة 30 عامًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: جيت واي هاوس Gateway House

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر