طموح “أوباما” وإمبراطورية “كوكايين” حزب الله اللبناني | مركز سمت للدراسات

طموح “أوباما” وإمبراطورية “كوكايين” حزب الله اللبناني

التاريخ والوقت : السبت, 23 ديسمبر 2017

حولت الجهود الإيرانية نشاطات “حزب الله” اللبناني من منظمة عسكرية إلى عصابة تهريب عالمية تصول وتجول بأطنان من الكوكايين ومئات الملايين من الدولارات حول العالم، حتى تدخل في جيوب الجماعات المصنفة إرهابية.

وفي ضوء تاريخ الحزب وإيران، الحافل بتهديد المصالح الأميركية على وجه التحديد، تخرج معلومات جديدة تؤكد تواطؤ الإدارة الأميركية في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، مع مصالح الحزب؛ بغية تحقيق مصالح في العلاقات مع إيران، التي من أهمها إنجاز الاتفاق النووي.

“حزب الله” وتجارة المخدرات

يمكن الرجوع عند تأريخ بدايات تجارة المخدرات في لبنان إلى عام 1976، حين دخل الجيش السوري الأراضي اللبنانية، فأدرك مسؤولون سوريون رفيعو المستوى ربحية إنتاج المخدرات في سهل البقاع اللبناني.

إذ أصبحت لبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي([1]) منتجة رائدة في منطقة الشرق الأوسط للمخدرات، تضاعف فيها إنتاج المخدرات من 10 إلى 90 بالمئة في أقل من عقد من الزمن([2])، وقد استكمل “حزب الله” عقب تأسيسه في أوائل الثمانينيات، مشوار المسؤولين السوريين في تجارة المخدرات بالأراضي اللبنانية، فجند أعدادًا غفيرة من العائلات المناصرة له في سهل البقاع، مستفيدًا من الفتوى الدينية الصادرة في منتصف ذلك العقد، التي منحت مبررًا دينيًا شيعيًا للأنشطة غير المشروعة، وأبرزها الاتجار بالمخدرات. فـ”تجارة المخدرات مقبولة أخلاقيًا في حالة بيعها للزنادقة الغربيين كجزء من الحرب ضد أعداء الإسلام”([3])، لكن الحزب بقي في العلن يكتفي بالتعليق بأنه لا يستخدم الطرق التي تتنافى مع الإسلام، وأن ما يروج هو ضمن السياسة الأميركية في التضييق على تمويلات الحزب وتشويه صورته.

ومع تلقي الحزب الدعم والتوجيه من الحرس الثوري الإيراني لشن هجوم على الأفراد والمصالح الأميركية في بيروت، خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، كان الحزب يتلقى من إيران نحو 100 مليون دولار سنويًا نقدًا في بداية التسعينيات، وتضاعف هذا المبلغ مع حلول عام 2000، الأمر الذي دَعم شبكات الحزب في الخارج([4])، وأهمها شبكة تجارة المخدرات، فقام الحزب بإنشاء وحدة خاصة “جهاز الشؤون المالية”، وكان يديرها المطلوب الثاني بعد أسامة بن لادن، اللبناني “عماد مغنية”، المتهم بتدبير عملية قتل المارينز في بيروت عام 1983 وتفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1984.

 

 

ومن لبنان إلى العالم، توسع “حزب الله” في صناعة المخدرات، وأخذ يمد أعمال تهريب المخدرات الدولية من لبنان التي عدت بمثابة دولة “ترانزيت” لعبور الكوكايين والهروين نحو دول متعددة. كما أن الحزب الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية، لا يزال يستفيد من تجارة السيارات المستعملة بين دولة بنين في غربي إفريقيا والولايات المتحدة، ثم يدمج أرباحها مع أرباح تهريب المخدرات؛ لتمويل أنشطته الإرهابية، رغم فتح تحقيق أميركي في القضية قبل ستة أعوام.([5])

ولكون نشاط الحزب في تهريب المخدرات للولايات المتحدة لم يتوقف، يمكننا تحديد المناطق التي ينشط فيها الحزب، وتشكل خطر كبيرًا على الولايات، بأميركا الجنوبية واللاتينية كأهم المناطق:

  • أميركا الجنوبية:

منح وجود الجالية اللبنانية في أميركا الجنوبية، “حزب الله” فرصة كبيرة في مد أعمال تهريب المخدرات نحو نصف الكرة الغربي، فانخرط أنصار الحزب في نقل المخدرات في كولومبيا وفي المنطقة الحدودية الثلاثية الواقعة بين كل من البرازيل والأرجنتين وباراغواي، وبمرور الوقت توسعت تلك الأعمال وامتدت إلى فنزويلا وأماكن أخرى في أميركا الجنوبية([6]).

وقد بنى الحزب مع مرور السنوات وعبر أنصاره علاقات تجاريّة مع كارتيلات المخدرات في أميركا الجنوبية، منها مكتب إنفيغادو (La Oficina deEnvigado)، المكتب الذي عكف على تزويد السوق الأوروبية والأميركية بكميات كبيرة من المخدرات.

  • أميركا اللاتينية

توسعت تجارة المخدرات لدى “حزب الله” في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، فقد وفرت هجرة مئات العائلات اللبنانية، بسبب ظروف الحرب الأهلية، فرصة للحزب للنشاط بتجارة المخدرات مع بداية الثمانينيات، فالحزب نشط في هذه المناطق في عام 2009، حتى أصبح يجني بين 60 و100 مليون دولار سنويًا، من منطقة الحدود الثلاثية المشتركة بين دول الباراغواي والأرجنتين والبرازيل. واستمرت تلك الأنشطة الإقليمية للحزب على مدى العقد الماضي بالسير على نمط واحد في استهداف المصالح والأصول الأميركية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، التي كان من أبرزها قيام خلية “محسن رباني”، المستشار الثقافي السابق في السفارة الإيرانية في الأرجنتين([7])، بتفجير مقر الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا) في بوينس أيرس عام 1994، فقد أعدَّ المدعي العام الأرجنتيني “البرتو نيسمان” قرارًا ظنيًا اتهم فيه إيران مباشرة باتخاذ قرار الهجوم، وتكليف “حزب الله” بتنفيذه الأمر، مما يُعلم أن وجود الحزب هنا يشكّل تهديدًا كبيرًا في المنطقة ذات الأهمية الجغرافية – الاستراتيجية الرئيسية ومعقل النفوذ الأميركي التاريخي.

 

 

“أوباما” ومخدرات “حزب الله”

بالرغم من تباكي الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، على المصالح الأميركية التي تأثرت بخطر “حزب الله” الناشط في تهريب المخدرات على المستوى العالمي، وإعلان واشنطن إطلاق مشروع “كاسندرا” لمواجهة تجارة الحزب للمخدرات، فإن طموح الرجل – جديد الحكم آنذاك – في تحقيق إنجاز سياسي في الملف النووي الإيراني وتجنب أخطاء إدارة “جورج دبليو بوش”، دفعه لإخراج الحزب الحليف لإيران، من “المصيدة”، وترتكز هذه الرغبة على قناعة لدى إدارة أوباما، أنه كي لا تحطم القارب مع إيران وتؤثر في الاتفاق النووي، توجد فرصة هامة في سبيل خلق طريق جديد للعلاقات مع إيران، وتولد هذه الفرصة من دمج “حزب الله” في النظام السياسي اللبناني، بالعمل على تقوية العناصر المعتدلة في “حزب الله”، ودعم آلية إيجاد دور للحزب في الشرق الأوسط وإيجاد سبل للحوار مع إيران([8]).

وكانت وسائل تحقيق ذلك، عرقلة الإجراءات المتشددة ضد عملاء الحزب، والتي كان يقوم عليها مشروع “كاسندرا”، فتؤكد وسائل إعلام أميركية أن أوباما أوقف تحقيقًا في نشاطات الحزب في أميركا، كانت تقوم به وكالات مكافحة الجريمة وتهريب المخدرات، ووضعت إدارته مصاعب ضخمة في مواجهة النشاطات غير الشرعية وملاحقتها في وقت اندمجت فيه النشاطات الإرهابية للحزب مع تهريب المخدرات والجريمة المنظمة.[9]))

ونتيجة لمواقف أوباما، وفي خضم نجاحات مشروع “كاسندرا” أجبرت إدارته المشروع على التوقف عن مطاردة “حزب الله”، بالتزامن مع مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، فرفضت وزارة العدل الأميركية مطالب القائمين على مشروع “كاسندرا” بتوجيه اتهامات إجرامية ضدّ عناصر كبار من الحزب لأسباب سياسية، تضاف إلى أسباب أخرى منها عدم توفر الأدلة، أو لعدم التدخل في مسار عملية جارية. كما وضعت وزارة العدل أمام جهود ملاحقة مال المخدرات معيقات، برفض استخدام قانون ملاحقة عصابات الجريمة بشكل قاد إلى ملاحقة حرب.

فعلي سبيل المثال، وبالرغم من تقديم قضية ضد مصرف “مانهاتن” وتجميد 102 مليون دولار من حساباته بتهمة تسهيل عمولات “حزب الله”، فإن وزارة العدل الأميركية في عهد أوباما، لم تصدر قرارًا بشأنه بذريعة أنها تخشى من زعزعة الاستقرار المالي للبنان([10]).

مشروع “كاسندرا”

واحد من أبرز المشاريع التي نجمت عن الجهود الأميركية لمكافحة تجارة المخدرات لدى “حزب الله”، هو مشروع “كاسندرا” الذي تقوم عليه وكالة مكافحة المخدرات، والذي له جذوره في عدد من العمليات بدأت بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وقادت إلى اعتبار الحزب مؤسسة إجرامية دُولية.

تقوم خطة المشروع، التي انطلقت من منشأة تابعة لوكالة مكافحة المخدرات في تشانتلي بولاية فرجينيا، على استخدام أساليب التنصت والعملاء لتحديد نشاطات وشبكات “حزب الله” بالتعاون مع 30 وكالة أميركية وأجنبية. وقد قام المشروع بتتبع خط شحن الكوكايين من أميركا اللاتينية إلى غربي إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، حيث مرَّ بعضها من خلال فنزويلا والمكسيك، بمساعدة من المخبرين ربطوا الشبكات للحلقة الضيقة في “حزب الله” والدول الداعمة له، وهي إيران.([11])

غير أن مشروع “كاسندرا”، وجد معوقات من إدارة باراك أوباما – كما أسلفنا – وذلك حسب مراجعة وثائق الحكومة الأميركية مؤخرًا، فعندما حاول المسؤولون في الخطة، الحصول على إذن من وزارة المالية أو العدل للتحقيق وتوجيه تهم وتجميد حسابات، واجهوا عرقلة لجهودهم[12]).)

ويحسب لـ”كاسندرا” عدة إنجازات، أبرزها التحقيق في قضية تبييض أموال “حزب الله” من قبل البنك اللبناني الكندي في 2011، التي انتهت بإغلاق البنك، وتصفية أعماله وبيعه إلى مصرف آخر عام 2011، وقد دفع البنك عام 2013 مبلغ 102 مليون دولار، على شكل تسوية، لشطبه من لوائح الإرهاب من قبل محكمة أميركية، وهي عملية أدت إلى توقيف قادة أساسيين في الشبكة الأوروبية لـ”قسم الأعمال التجاريّة في جهاز الأمن الخارجي التابع لحزب الله”.

 وكذلك قام مشروع “كاسندرا” على عملية أمنية أدت إلى كشف الشبكة التابعة لحزب الله المتورطة في عمليات تهريب المخدرات إلى أميركا وأوروبا والاستعانة بالأموال الناتجة عنها لتمويل قتال الحزب([13])، وكذلك “عملية تيتان” التي كانت مع السلطات الكولومبية، وأسفرت عن الكشف عن العلاقة بين مبيضي الأموال اللبنانيين وتجار المخدرات الكولومبيين، وأيضًا “عملية بيرسوس” التي استهدفت عصابات فنزويلية، حيث كان عملاء وكالة المخدرات الأميركية يحققون في وصول آلاف السيارات الأميركية المستعملة إلى غرب إفريقيا.

 

 

جدوى العقوبات الأميركية

عكفت واشنطن على الإعلان، منذ سنوات، عن تفتيت شبكات المخدرات الدولية الخاصة بحزب الله، وتشديد إجراءاتها في تتبع أثر الأموال المتحصل عليها من هذه التجارة. وبالرغم من أن المسؤولين الأميركيين يلفتون دائمًا إلى التزام الإدارة الأميركية باستهداف واسع لنشاط الحزب، فإن الإجراءات اللازمة لتعقّب التهديدات التي يشكلها الحزب وإيران ومكافحتها، لم تكن ذات جدوى. ويمكننا الاستدلال على ذلك بحقيقة الخطوات التي أعلنت السلطات الأميركية أنها أدت إلى تطهير طريق يُستخدم لتجارة السيارات المستعملة بين الولايات المتحدة وجمهورية بنين غربي إفريقيا، ودمج عائداتها مع أرباح تهريب المخدرات، ليتضح أن الأمر لم ينتهِ وما يزال الحزب يزاول نشاطه بكل حرية[14]).)

فقد كشف في العام الماضي عن استمرار تورط خمس شركات في تصدير ثلث السيارات المستعملة إلى بنين – كما أسلفنا – منذ عام 2012 رغم كل التحقيقات والإجراءات الأميركية المتخذة، من رصد المحققين لمخالفات تلك الشركات والتفافها على القانون من خلال تبديل شركاتهم بحل القديمة واستحداث أخرى مكانها، وبذلك يستمر الحزب في جني مئات الملايين من بيع السيارات المستعملة ودمجها مع عائدات المخدرات التي يبيعها في أميركا اللاتينية. وكذلك تظهر عدم جدوى عمليات ملاحقة عدد من تجار الحزب، رغم الإعلانات الأميركية المتواصلة عن معاقبة هؤلاء، فعلي سبيل المثال اعتقل المطلوب للحكومة الأميركية “علي فياض” تاجر السلاح الذي كان يتخذ من أوكرانيا مقرًا له في عام 2014، لكن إدارة أوباما لم تقم بالضغط على الحكومة التشيكية لتسليمه في الوقت الذي كان يعمل فيه بوتين على الإفراج عنه. وبالفعل عاد فياض إلى بيروت، حيث يُعتقد أنه عاد لممارسة مهامه ونقل الأسلحة للميليشيات في سوريا. وكذلك وقفت إدارة أوباما أمام جهودهم لملاحقة ناشطي “حزب الله”، ومن بينهم شخص لقب بـ”الشبح” المرتبط بشخص اسمه “عبدالله صفي الدين” (وعرف أيضًا باسم شكري حرب) مبعوث “حزب الله” في إيران الذي له علاقة بتهريب أطنان من الكوكايين التي وجدت طريقها للولايات المتحدة([15])، ويعتبر “الشبح” من أكبر تجار المخدرات ومزودي نظام بشار الأسد بالسلاح الكيميائي والتقليدي. وعندما حاول مشروع “كاسندرا” توجيه التهم لصفي الدين، رفضت وزارة العدل حسب شهادة أربعة. كما ورفضت الإدارة ملاحقة ناشطين في “حزب الله” وتصنيفه على أنه “منظمة إجرامية دُولية خطيرة”[16]).)

 

 

وبناء على ما سبق، يتطلّب أمر مواجهة تهديد المنظمة الإرهابية “حزب الله” تنسيقاً دقيقاً بين أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات والسياسات في مختلف أرجاء نصف الكرة الغربي، ولذلك تعالت الأصوات أمريكية التي تدعو إدارة ترمب لإعادة إحياء مشروع “كاسندرا” مرة أخرى، في ظل استمرار تهديدات حزب الله، واعتبار تلك الإدارة للاتفاق النووي أنه أسوأ اتفاق وقعته الولايات المتحدة الأميركية عبر تاريخها.

وحدة الدراسات السياسية *

المراجع

[1]  –  تقرير حول (إرهاب “حزب الله” المرتبط بتجارة المخدرات – تهديد متنامٍ عبر الحدود)، ماثيو ليفيت، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أيلول/سبتمبر 2012.

[2]  – إحصائيات “مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة” .(UNODC)

[3]  –  تقرير “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأميركي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2008.

[4]  –  تقرير أعدّه “مركز العقوبات والتمويل غير المشروع” ((Center on Sanctions & Illicit Finance ونشره في أيلول / سبتمبر 2016.

[5]  –  تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، على الرابط https://on.wsj.com/2yI52JB

[6] –  تقرير حول (إرهاب “حزب الله” المرتبط بتجارة المخدرات – تهديد متنامٍ عبر الحدود)، مرجع سابق.

[7] – موقع “المدن” اللبناني، على الرابط 

[8] -“Politico”, December 2017, on the link

https://politi.co/2jbt6fW

[9] -Politico Magazine, December 2017, op. Cit

[10] -Politico Magazine, December 2017, op. Cit

[11] – Politico Magazine, December 2017, op. Cit

[12] – Politico Magazine, December 2017, op. Cit

[13]  –  موقع “جنوبية” اللبناني، تقرير بعنوان “من هي )كاسندرا) التي فضحت شبكة حزب الله لتجارة المخدرات”، على الرابط 

[14]  –  تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، على الرابط https://on.wsj.com/2yI52JB

[15] – Politico Magazine, December 2017, op. Cit

[16] – Politico Magazine, December 2017, op. Cit

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر