طريق المملكة العربية السعودية نحو الطاقة الشمسية | مركز سمت للدراسات

طريق المملكة العربية السعودية نحو الطاقة الشمسية

التاريخ والوقت : الأربعاء, 25 ديسمبر 2019

جوناثان جورنال

 

نوفمبر ليس شهرًا جيدًا بالنسبة لكوكب الأرض. ففي 26 نوفمبر، حذَّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من فشل العالم في الحد من انبعاثات الكربون بسرعةٍ كافيةٍ. وحتى لو تمَّ الوفاء بجميع الالتزامات الحالية بموجب اتفاق باريس للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، “فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة إلى 3.2 درجة مئوية هذا القرن”. لذا، من المتعين علينا، كما أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في تقريره السنوي عن “فجوة الانبعاثات”، الالتزام بما نتعهد أن نفعله وما يتعين علينا القيام به. وأضاف التقرير أن الحكومات “لا يمكنها الانتظار”.

ومن الواجب أن تتجه الاقتصاديات في الوقت الراهن نحو “إزالة الكربون”. وفي اليوم التالي لصدور التقرير، حذَّرت مجموعة من العلماء الدوليين في مجلة “نيتشر” (Nature) من أن العالم ربَّما يكون قد تجاوز بالفعل نقطة اللاعودة، مستشهدين بتسعة براهين حول “نقطة التحول”، التي تتراوح بين حالات الجفاف المتكررة في غابات الأمازون المَطيرةِ وفقدان الجليد في القطب الشمالي والقطب الجنوبي وغرينلاند، ومن المحتمل أن يُلزم العالم بتغييرات طويلة الأجل لا رجعة فيها. ومن من ناحية أخرى، فإن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يركز على الماء وهو شريان الحياة، وهو الأمر الذي يواجهه عملاق الوقود الأحفوري في المملكة العربية السعودية. فقد قال برنامج الأمم المتحدة للبيئة “هناك توسع هائل في توليد الكهرباء المتجددة” ومن المأمول أن نواجه انزلاق الكوكب نحو كارثة، مضيفًا أن ذلك كان يعدُّ “فوزًا سهلاً” لأن التكنولوجيا الضرورية موجودة بالفعل.

ووفقًا لتقرير جديد صادر عن الوكالة الدولية للطاقة، فقد بات بإمكان مزارع الرياح البحرية وحدها أن تولد كهرباء أكثر مما يحتاج إليه العالم، تبلغ 36000 تيراواط/ ساعة مقارنة بالطلب العالمي الحالي البالغ 23000 تيراواط/ ساعة. وفي عام 2018، أضاف العالم رقمًا قياسيًا، لكنه لا يزال ضئيلاً وهو 108 جيجاواط من الطاقة الشمسية، و50 جيجاواط مدفوعة بالرياح – وهي بداية صغيرة ولكنها مهمة. وفي عام 2018، تمَّ توليد 12.9٪ فقط من الكهرباء العالمية بواسطة تكنولوجيا الرياح أو الطاقة الشمسية. وكما يقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن ثمة حاجة الطاقة المتجددة إلى النمو بمعدل ستة أضعاف. لا يوجد مكان أكثر صحة من الشرق الأوسط، إذ إنه بالرغم من الإمدادات الوفيرة من الرياح وأشعة الشمس، في عام 2018 جاء 0.3٪ فقط من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة، مقارنة بـ40.2٪ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، و30.7٪ في أوروبا، و21.2٪ في أميركا الشمالية.

في عام 2018، لم تولِّد المملكة العربية السعودية، على وجه التحديد، أي كهرباء من طاقة الرياح، حيث بلغت فقط 0.2 طن من الطاقة الشمسية، وهو ما يعدُّ ضئيلاً جدًا مقارنة بنسبة الـ383 تيرا واط/ ساعة التي استهلكتها المملكة في ذلك العام. ومع ذلك، فإن هذا الوضع يبدو على وشك التغيير، فبينما تقود الشركات السعودية العملاقة العاملة بالوقود الأحفوري، فإن الآخرين سيتبعون ذلك بالتأكيد.وفي عام 2016، أقرت “رؤية المملكة 2030” في السعودية أن “الإمكانيات الطبيعية المثيرة للإعجاب للمملكة في مجال توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا تزال غير مستغلة إلى حد بعيد”، وتعهدت بتوليد 9.5 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. وقد تمَّ بالفعل تطوير هذا الطموح بالمملكة العربية السعودية، التي تركز على نحو متزايد على تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، فقد اتسعت في المساحات الخضراء بشكل ملحوظ. وحاليًا، فإن الهدف أن تصل إلى معدل 27.3 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2024، و58.7 جيجاواط بحلول عام 2030. فالسعودية تتحرك بسرعة.

هنا نشير إلى أحد المشاريع الرئيسية الأولى الذي افتتحته المملكة، وهو أكبر حقل لطاقة الرياح في الشرق الأوسط، تبلغ مساحته 500 مليون دولار و415 ميجاواط من 99 توربينًا في دومة الجندل بالمنطقة الشمالية، وذلك على بعد 900 كيلومتر شمال غرب مدينة الرياض.

لقد فاز بحق بناء هذه المحطة العملاقة في يناير شركة الطاقة الفرنسية “إي.دي.أف رينوابلز” وشركة “مصدر” بأبو ظبي، حيث بإمكان مزرعة الرياح توفير الكهرباء للشبكة الوطنية بحلول ربيع عام 2022، في إطار مشروع من شأنه توفير المئات من فرص العمل، وخفض استخدام معدلات الوقود الأحفوري بما يعادل أكثر من 8 ملايين برميل من النفط سنويًا. وفي 27 نوفمبر، في نفس اليوم الذي نشرت فيه مجلة “نايتشر” تحذيراتها القاسية، تمَّ توصيل محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بطاقة 300 ميجاواط في منطقة سكاكا القريبة بالشبكة السعودية لأول مرة، حيث ستوفر قريبًا 45 ألف وحدة من الطاقة النظيفة لتوفير 500 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا. بجانب ذلك، هناك الكثير في طور الإعداد، بما في ذلك خطط لتطوير 30 محطة للطاقة الشمسية وخمس مزارع رياح أخرى في جميع أنحاء البلاد بحلول عام 2030. وقد تهب رياح التغيير أيضًا من خلال سياسات الطاقة في دول الخليج الأخرى. ذلك أن شركة “مصدر” الإماراتية، وهي شركة رائدة عالميًا في مجال مزارع الرياح، قد اكتسبت خبرة لا تقدر بثمن في تطوير مشاريع كبرى في بلدان، مثل: المملكة المتحدة وسيشيل وصربيا، كانت تعمل ببطء في مجال استغلال الإمكانيات الإقليمية.

لكن الوقت الراهن يشهد تغيرات واضحة؛ فبالإضافة إلى دورها في “دومة الجندل”، قامت بتطوير مزرعة “رياح ظفار” بطاقة تصل إلى 50 ميجاواط في سلطنة عمان، وهي أول مشروع رياح واسع النطاق في منطقة مجلس التعاون الخليجي يتم تشغيله عبر الإنترنت. وقد تمَّ توصيل أول التوربينات الثلاثة عشر بالشبكة في أغسطس وسيتبعها الباقي قبل نهاية العام لتزويد 16 ألف منزل. وكما يحذَّر العلماء الذين يكتبون في مجلة “نيتشر”، فإن زمن رد الفعل لتحقيق صافي انبعاثات يصل إلى 30 عامًا على أفضل التقديرات، وفي حين أن معدل تراكم الضرر قد يكون تحت السيطرة إلى حد ما، فإن قدرة كوكب الأرض على التحمل بات في خطر. وعليه، فإن الجهد الدولي ينبغي ألا يقتصر على الكلمات. فقد أظهرت المملكة العربية السعودية المجهزة بالدافعية والأموال اللازمة لتنفيذ مشاريع جريئة للطاقة المتجددة، أنها يمكن أن تعمل بشكل سريع. وبعد أقل من ثلاث سنوات، تمَّ تثبيت التوربينات التي تعمل بالرياح لأول مرة في المملكة من أجل توليد 2.75 ميجاواط من الكهرباء لمنشأة في محافظة طريف التابعة لشركة أرامكو السعودية، وهي أكبر شركة للنفط والغاز في العالم.

والآن، فإن السؤال الوحيد هو: هل يمكن أن تتحرك المملكة بسرعة كافية لاستغلال الشمس والرياح المتوفرة لديها، مما يساعد على تأمين مستقبل مشرق لما بعد النفط في المنطقة والعالم؟

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر