طالبان والحكومة و”داعش”: من يتحكم في أفغانستان؟ | مركز سمت للدراسات

طالبان والحكومة و”داعش”: من يتحكم في أفغانستان؟

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 2 يونيو 2020

فرود بيزهان

 

بعد 18 عامًا من القتال، وصلت الحرب الأفغانية إلى طريق مسدود.فأفغانستان تنقسم بين القوات الحكومية المدعومة بقوات دولية، وحركة طالبان وحلفائها المتشددين، وتنظيم “داعش” ومجموعة من الجماعات الإرهابية الأجنبية الصغيرة.

وقد وقَّعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاقًا تاريخيًا في فبراير يهدف إلى “إحلال السلام في أفغانستان”. وينص الاتفاق على ترتيب لتقاسم السلطة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، والانسحاب الكامل لجميع القوات الأجنبية.

ومع وصول وفد من طالبان إلى كابول لإجراء محادثات بشأن الإفراج عن السجناء واستعداد الحكومة الأفغانية وطالبان لبدء محادثات سلام مباشرة، فإن معظم البلاد يُتنازع عليها بشدة ويدمرها العنف، حيث تتبع الفصائل المتحاربة استراتيجية “قاتل وتفاوض”. فقد تمَّ الإفراج عن نحو 900 من عناصر طالبان من أكبر سجن في أفغانستان خارج كابول في إطار تبادل للأسرى بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار في 26 مايو.

الحكومة

تسيطر الحكومة الأفغانية على العاصمة، كابول، وعواصم المقاطعات، ومراكز السكان الرئيسية، ومعظم مراكز المقاطعات وذلك وفقًا للبعثة التي يقودها الناتو في أفغانستان.ووفقًا لمجلة “لونج وور جورنال”، وهي مشروع تديره مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فإن حوالي 30% من مناطق أفغانستان البالغ عددها 407 تقع في أيدي الحكومة، وتسيطر طالبان على حوالي 20%، في حين تبقى بقية البلاد متنازعًا عليها.

وتعدُّ “الخريطة الحية” التفاعلية لمجلة “لونج وور”، التي تعتمد في الغالب على تقارير وسائل الإعلام، وهي المصدر الوحيد المتاح للجمهور التابع لسيطرة المنطقة في أفغانستان، بعد توقف الدعم عن تقييم السيطرة الإقليمية والهجمات التي بدأها العدو على مدى العامين الماضيين.وقد كانت قوات الأمن الأفغانية في موقف دفاعي منذ انتهاء مهمة الناتو القتالية في أفغانستان في عام 2014، حيث فقدت المساعدة التي تشتد الحاجة إليها في اللوجستيات والدعم الجوي والاستخبارات.

وقد كان هذا الدعم يتمثل في تدريب وتقديم المشورة ومساعدة الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية البالغ عددها 273 ألف جندي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة الأفغانية توظف حوالي 20000 من الميليشيات التي هم جزء من الشرطة المحلية الأفغانية.

وفي هذه الأثناء، تقوم قوة أميركية منفصلة لمكافحة الإرهاب بمحاربة الجماعات الإرهابية الأجنبية، مثل: القاعدة، وجماعة “داعش”، وعناصر من طالبان. كما تمول الولايات المتحدة وتدعم الوحدات شبه العسكرية الأفغانية الخاصة.وتتمتع القوات الأفغانية بميزة عددية كبيرة؛ فهناك ما يقدر بنحو 60 ألفًا من مقاتلي طالبان دائمين وحوالي 90 ألف مقاتل موسميين.

لكن القوات الحكومية تعاني من خسائر قياسية في الأرواح، ونقص شديد وتراجع في الروح المعنوية. ويُلقى باللوم على نطاق واسع على عودة حركة طالبان، والقيادة غير الفعالة في القوات المسلحة، والفساد المزمن.فالرئيس “أشرف غني” قال في يناير 2019، إن حوالي 45 ألف جندي وشرطي أفغاني قتلوا منذ توليه منصبه في سبتمبر 2014 – أو منذ 849 شهريًا. وفي عام 2018، توقفت الحكومة عن نشر أعداد الوفيات.

يقول “جوناثان شرودن”، الخبير الأمني ​​في منظمة البحث والتحليل (غير الربحية)، ومقرها الولايات المتحدة، إن “الحكومة المعترف بها والمنتخبة دوليًا لا تحتكر استخدام القوة ولا تسيطر على غالبية البلاد”. وذلك تقييمًا للوضع الأمني ​​في أفغانستان للجيش الأميركي والكونغرس.

ويقول “شرودن” إن طالبان، التي تدعي أنها حكومة في المنفى، “قضت على الكثير من سيطرة الحكومة، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إلى درجة أن تصبح هي الحكومة المعترف بها”. والنتيجة، كما يقول، هي “جمود استراتيجي”.فقد كانت القوات الحكومية في وضع دفاعي نشط منذ اتفاق الحد من العنف لمدة أسبوع يسبق الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان. لكن بعد هجومين إرهابيين مدمرين هذا الشهر ألقت الحكومة اللوم فيه على طالبان، وأمر “غني” القوات الحكومية بالهجوم.

كما أثرت الأزمة السياسية بشأن الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في سبتمبر على الوضع العسكري للحكومة. وثارت مخاوف من اندلاع حرب أهلية بعد أن هدد عبدالله عبد الله، المنافس الرئيس لـ”غني”، بتشكيل حكومة موازية وإعلان نفسه رئيسًا، وهو السيناريو الذي هدد تماسك قوات الأمن.وتمَّ حل المواجهة بعد توقيع “غني” وعبدالله اتفاق تقاسم السلطة، وهو الثاني بعد انتخابات متتالية، في 17 مايو.

يقول عبيد علي، خبير في شؤون التمرد في شبكة المحللين الأفغان، وهو مركز أبحاث مستقل في كابول، إن الحكومة واجهت تحديات خطيرة لعدة شهور، حيث لم يكن لدى الحكومة استراتيجية عسكرية؛ لأن القيادة كانت تركز على الأزمة الداخلية بعد نتيجة الانتخابات الرئاسية والمحادثات بين الولايات المتحدة وطالبان. إن النزاع السياسي المستمر منذ شهور أغرقت الروح المعنوية واللوجستيات المعقدة داخل قوات الأمن.

طالبان

تسيطر طالبان على المزيد من الأراضي أكثر من أي وقت مضى منذ أن أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2001 بالجماعة الأصولية من السلطة.وقد هربت قيادة الجماعة المتشددة الأصولية إلى باكستان المجاورة، حيث زُعم أنها تلقت الملاذ والتدريب والأسلحة، وهو ما نفته إسلام آباد. ومن ملاذاتها الآمنة في باكستان، شنت حركة طالبان تمردًا قتاليًا ضد القوات الأفغانية والدولية.

وتتبع طالبان ما يسميه خبراء الأمن استراتيجية “من الداخل” التي تمَّ استخدامها بشكل فعال من قبل تمردات أخرى في أفغانستان، بما في ذلك المجاهدون الذين قاتلوا القوات الحكومية السوفييتية والأفغانية في الثمانينيات.ومن ملاذاتها في باكستان، استولت طالبان على المناطق الريفية في أفغانستان وعززت سيطرتها على مساحات أكبر من الريف حيث يمكن الحصول على المجندين والموارد. وفي السنوات الأخيرة تخطت طالبان مناطق أكثر سكانًا بهدف عزلها ثم الاستيلاء عليها.

وسيطر المسلحون مرتين لفترة وجيزة على مدينة قندوز الشمالية خامس أكبر ولاية في البلاد من حيث عدد السكان.وقد نجحت طالبان حتى الآن في الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الريفية والتنافس عليها، إلى درجة أنها حاصرت تقريبًا ستًا إلى ثماني من المدن الرئيسية في البلاد، كما أنها قادرة على قطع الاتصالات بشكل روتيني عبر الطرق الرئيسية.

إن الشيء الرئيس الذي يعيق حركة طالبان في هذه المرحلة، هو تفوق الحكومة في الجو وقوات الضربات المتفوقة في شكل كوماندوس ووحدات الشرطة الخاصة. لكن هذه الوحدات تتآكل والجيش الأفغاني يفشل ببطء.

لقد كان تمرد طالبان سببًا موحدًا لبعض الجماعات المسلحة الأجنبية الأصغر.إذ ينشط حوالي 20 جماعة مسلحة أجنبية في أفغانستان، بما فيها الجماعات الباكستانية المتطرفة مثل طالبان الباكستانية، وعسكر طيبة، وجيش محمد، وجماعات آسيا الوسطى المتشددة، بما في ذلك الحركة الإسلامية لأوزبكستان، واتحاد الجهاد الإسلامي، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي جماعة مسلحة تقاتل من أجل استقلال الأويغور في الصين.

ولطالبان علاقات ببعض هذه الجماعات الأجنبية المسلحة؛ وتعمل بعض هذه الجماعات تحت مظلة طالبان. إذ إنهم لا يستطيعون العمل في أفغانستان بدون إذن من طالبان. ولكل من هذه الجماعات علاقة فريدة مع طالبان، من الناحية العملية أو الأيديولوجية أو الاقتصادية. وتتضاءل قوة القاعدة إلى حدٍّ بعيدٍ، فلديها بضع مئات فقط من المقاتلين في أفغانستان. لكنها لا تزال جزءًا حاسمًا من تمرد طالبان. فالمجموعتان شريكتان منذ فترة طويلة ويعتمدان على بعضهما البعض.

وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، فإن “تنفيذ الاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان سيتطلب مراقبة مكثفة طويلة الأمد لضمان امتثال طالبان، حيث كانت قيادة الجماعة مترددة في الانفصال العلني عن القاعدة”.وبموجب تلك الصفقة، التزمت طالبان “بمنع أي جماعة أو فرد، بما في ذلك القاعدة، من استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها”.

وقد ذكر تقرير صدر في يناير عن فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة، أن العلاقات بين القاعدة وطالبان “لا تزال وثيقة ومتبادلة المنفعة، حيث توفر القاعدة الموارد والتدريب في مقابل الحماية”.

تنظيم “داعش”

قالت قوات الأمن الأفغانية في 11 مايو، إنها قبضت على أبو عمر خراساني، زعيم “داعش” في جنوب آسيا، في عملية في كابول.وكانت تلك هي الخطوة الأخيرة في سلسلة من الانتكاسات الأخيرة للمجموعة.

ففي أبريل، ألقت قوات الأمن الأفغانية في مدينة قندهار الجنوبية القبض على زعيم فرع “داعش” في أفغانستان، عبد الله أوراكزاي، إلى جانب عدد من المسلحين الآخرين.ووفقًا للأمم المتحدة، استسلم منذ أكتوبر 2019، أكثر من 1400 مقاتل من “داعش” والجماعات التابعة له للقوات الأفغانية أو الأميركية.

وأعلن الجيش الأميركي إن “تفكيك” معقل تنظيم “داعش” في إقليم ننكرهار الشرقي في نوفمبر 2019 بسبب الضربات الجوية الأميركية وعمليات القوات الأفغانية والقتال بين طالبان ومتشددي “داعش.”واستسلم حوالي 300 من مقاتلي “داعش” وألف من أفراد أسرهم.أمَّا المقاتلون وأفراد الأسر الذين لم يستسلموا انتقلوا إلى باكستان أو إقليم كونار المجاور، وهي منطقة جبلية نائية على طول الحدود مع باكستان.ويقدر الجيش الأميركي أن هناك ما بين 2000 و2500 من مقاتلي “داعش” نشطين في أفغانستان.

ويسيطر تنظيم “داعش” على قواعد في مناطق قليلة من مقاطعة كونار، ومن المحتمل أيضًا أن تكون موجودة في أجزاء من مقاطعة نورستان المجاورة، وهي مقاطعة جبلية نائية أخرى. لكن التقارير الأخيرة التي تفيد بأن مقاتلي “داعش” كانوا نشطين في شمال أفغانستان “غير موثوقة”. فقد فقدت الجماعة معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها في شرق أفغانستان. فالعمليات الأخيرة ضد “داعش” أضعفتهم بشدة وذهب معظمها هباءً. لكن الاعتقالات الأخيرة لمقاتلي وقادة “داعش” في المناطق الحضرية الكبرى، تظهر أنه لا تزال هناك “خلايا نائمة” تابعة لـ”داعش” في البلاد.

ويُعتقد أن معظم مقاتلي “داعش” هم أعضاء سابقون في جماعات باكستانية مسلحة، وخاصة طالبان الباكستانية.كما أن هناك عددًا أقل من الأفغان والقادمين من آسيا الوسطى، وكذلك عدد أقل من دول المنطقة الأخرى.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: راديو أوروبا الحرة

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر