صناعة الطائرات في السعودية.. ريادة عربية بسواعد أبنائها | مركز سمت للدراسات

صناعة الطائرات في السعودية.. ريادة عربية بسواعد أبنائها

التاريخ والوقت : الأحد, 2 فبراير 2020

تطورت السعودية كدولة مهمة وكبيرة في الشرق الأوسط في كافة الصناعات، وهو ما مكنها في السنوات الأخيرة من دخول مجال صناعة الطائرات، جنبًا إلى جنب مع الصناعات الدفاعية، ما جعلها تخطو خطوات رائدة في هذه الصناعة.

ومثلت قدرة المملكة على إنتاج طائرة نقل عسكري بالتعاون مع شركة أنتونوف الأوكرانية، ذروة الإمكانيات السعودية التي جعلت رأس المال البشري السعودي قادرًا على إنتاج طائرة من الصفر حتى الانطلاق، بما يحقق مركزًا مهمًا واستراتيجيًا في هذا المجال في الشرق الأوسط.

لم تقتصر إمكانيات السعودية في مجال صناعة الطائرات على مشروعها المشترك مع أوكرانيا، وإنما تمكنت أيضًا من صناعة عدد من الأنواع من الطائرات بدون طيار وأجزاء الهياكل، بالإضافة إلى اختبارات على محرك نفاث تمَّ تطويره في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.

“رؤية السعودية 2030” وتوطين الصناعة

تسعى المملكة من خلال “رؤية السعودية 2030” لتوطين الصناعة بكافة أنواعها، بما في ذلك صناعة الطائرات، وهو ما يسمح بأن تكون السعودية مركزًا مهمًا في كافة المجالات في منطقة الشرق الأوسط. وهنا، فإن العمل على تطوير صناعة هامة ومتطورة كصناعة الطيران محليًا، يعدُّ هدفًا استراتيجيًا أساسيًا للقيادة، تهدف من خلاله إلى تعزيز المحتوى المحلي وتطوير الخبرات الوطنية السعودية ووضع البلاد على قائمة الدول المتطورة.

مدينة الملك عبدالعزيز وصناعة الطيران

مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KASCCT) تعتبر معقلاً لصناعة وتطوير التكنولوجيا في السعودية، ولها دور على المستوى العالمي من حيث القدرة على تطوير التقنيات ونشر العلوم العصرية. ومن هنا، فإنها أيضًا كان لها دور كبير في تطوير صناعة الطيران في المملكة. فهي عملت مع شركة “تقنية للطيران” على إنشاء صناعة طيران محلية في السعودية والعمل على تحويلها إلى دولة رائدة في مجال الطيران.

وتعمل الجهتان على تصنيع ثلاثة أنوع من الطائرات، وتضم في فرقها خبرة سعودية من مهندسين وفنيين. المشروع الأول هو إنتاج طائرة من نوع AN-132 بالمشاركة مع شركة “أنتونوف” الأوكرانية، إذ يعمل في المشروع مهندسون سعوديون من مدينة الملك عبدالعزيز وتقنية الطيران الأوكرانية.

وتعاونت المدينة مع شركة “سيكورسكي” الأميركية لإنتاج طائرة من نوع “بلاك هوك” العمودية متعددة المهام. أمَّا المشروع الثالث، فهو تصنيع طائرة من دون طيار للاستخدامات العسكرية مسلّحة وغير مسلّحة مع شركة صينية.

المدينة تعمل أيضًا على مشروع التحكم الذاتي لنظام الطائرات بدون طيار، الذي يعنى بدراسة ديناميكية الطائرات واستخدام مستشعرات متعددة وقياسات مختلفة تساهم في معرفة تفاصيل دخول الطائرة في وضع السقوط. ووفقًا لموقع المدينة على شبكة الإنترنت، فإنه بعد تحديد أسباب سقوط الطائرات يتم بناء نظام تحكم يحد من دخول الطائرات في بداية هذا الوضع. وقد تمَّ عمل تجارب عملية متعددة، وتمَّ تحليل ودراسة أسباب السقوط لمعرفتها بشكل أدق، وبعد ذلك تمَّ تصميم وتطوير أنظمة التحكم ذاتية للطائرات تعالج تلك المشاكل وتمنعها من السقوط. ويتناول هذا المشروع تصميم وتنفيذ نظم التحكم الآلي للطائرات بدون طيار، وذلك باستخدام نهج جديد لتحديد النظام بالاستناد على تقنيات التعلم الآلي. ويهدف إلى توطين تقنية التعامل مع نظم التحكم الذاتية في مجال الطيران.

طائرة النورس

وتأتي طائرة “النورس” بدون طيار كطائرة استراتيجية مصممة لتعمل بالأقمار الصناعية ذات مدة تحليق طويلة تصل إلى 30 ساعة وارتفاع متوسط يصل إلى 30,000 قدم، مصنوعة من الألياف الكربونية والزجاجية، وتعمل على تطويرها مدينة الملك عبدالعزيز. وتمتاز الطائرة بخفة وزنها وقلة استهلاكها للوقود وذلك يعود لتصميمها الجيد وكفاءة تصنيعها. وتزن وهي فارغة 800 كجم وقادرة على حمل خزانات وقود تزن 200 كجم وحمل كاميرات تصوير نهاري (كهروبصري) وليلي (أشعة تحت الحمراء) وتحديد المسافة باستخدام تقنية الليزر. ويمكن تجهيزها بتقنيات الرادارات وتقنيات الحرب الإلكترونية وتقنيات التشويش الإلكتروني والتنصت. ويبلغ مدى طيرانها 250 كم. وتستطيع إتمام المهمة كاملة ذاتيًا من الإقلاع إلى الهبوط، ويتم التحكم بها من محطة أرضية بدقة واستقرارية عالية في الملاحة في جميع ظروف الطيران. أمَّا هيكلها، فمصنوع من الألياف الكربونية مما يعطي الطائرة قوة تحمل عالية وخفة في الوزن.

صقر 4

أمَّا طائرة صقر 4، فهي أحد مشروعات نقل تقنية صناعة الطائرات بدون طيار، وهي أحد برامج المدينة. وتمت صناعتها بأيدٍ سعودية خالصة. وتتميز هذه الطائرة بأنها طائرة استطلاعية بدون طيار لها (محرك كهربائي ومحرك وقود مكبسي)، واستخدم في تصنيعها الألياف الكربونية والألياف القادرة على حمل كاميرات تصوير وتحديد المسافة. وتحلق من 5-6 ساعات بسرعة قصوى 120 كم/ساعة، وقادرة على حمل حمولة تزن 5 كجم وأقصى ارتفاع 5000م وتبلغ مدة طيرانها من 120-250 كم، أمَّا طولها فيبلغ مترين مع جناح بطول 3.75م.

صقر 2

وتنتج المدينة أيضًا طائرة صقر 2، وصممت لحمل ما يزن خمسين كيلو جرامًا لتصبح قادرة على حمل كاميرات تصوير نهاري وليلي وتحديد المسافة باستخدام تقنية الليزر، وكذلك إمكانية إضافة طبق للتحكم بها عن طريق الأقمار الصناعية في المستقبل لتغطي مساحات أوسع وأبعد وتقوم بمهام أخرى.‏ ويبلغ مدى طيرانها 150 كيلومترًا، ويمكن تطوير مداها إلى حد أقصى 250 كيلومترًا. أمَّا طول الطائرة، فـ 8 أمتار وطول جناحها يبلغ 4.3 متر.

المحركات النفاثة

عمل المدينة يتوسع ليشمل المحركات النفاثة، وتعدُّ تقنية المحركات النفاثة أحد المجالات الاستراتيجية الحيوية في قطاع الفضاء والطيران. ومن خلال مشروعها، فإنها تعمل على بناء محرك توربيني نفاث من نوع TKF-500 TurboFANبقوة دفع تصل إلى 5.35KN

“أنتونوف” وصقل القدرات السعودية

التعاون الذي جمع “أنتونوف” الأوكرانية من جهة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وشركة تقنية للطيران من جهة أخرى، فتح المجال واسعًا لدعم إمكانيات وقدرات المهندسين السعوديين الذين أصبحوا خبراء في مجال صناعة الطائرات، ونقل تكنولوجيا وتقنيات هذه الصناعة من شركات عالمية إلى المملكة والعمل على رفع نسبة المكون المحلي بالطائرة تدريجيًا حتى تصل إلى 100%.

كما أن المملكة ستملك جميع حقوق ملكية التصاميم الهندسية والفكرية لهذه الطائرة، وسيتم اختبارها على أرض السعودية، حيث حلت المدينة مع الجهات الأخرى محل الجانب الروسي الذي كان شريكًا في صنع الطائرة.

وجاء الاتفاق بين مدينة الملك عبدالعزيز و”أنتونوف” لتطوير وتصنيع وإنتاج طائرات أنتونوف 132 متعددة الأغراض بوزن حمولة 9 أطنان وتسويقها عالميًا.

مركز تطوير هياكل الطائرات

صناعة الطائرات في المملكة لا تقتصر على إنتاج أو تطوير طائرة مع شركة عالمية، وإنما تمتد لصناعة أجزاء للطائرات تعدُّ أساسًا في عملية الصناعة. ففي أواخر عام 2018 دشن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، مركز تطوير هياكل الطائرات في مطار الملك خالد الدولي بالرياض. هذا المركز سيضع المملكة على خارطة التصنيع الدولية كمركز معتمد لهياكل الطائرات في منطقة الشرق الأوسط. ويضم مصنع الهياكل خبرات محلية من مهندسين وفنيين تمكنه من تنفيذ الطلبيات من كافة الشركات وبمختلف المقاسات. فعلى مساحة 27 ألف متر مربع للمرحلة الأولى و92 ألفًا للمرحلة الثانية، يقع المصنع بما يحتويه من آلات حديثة تمكنه من صناعة أجزاء الطائرات بمقاسات تصل إلى 38 مترًا في المرحلة الثانية.

أهم ما يميز المركز أن إدارته سعودية بالكامل في كافة التخصصات، ويضم أفرانًا لصقل أجزاء الطائرات تتراوح بين 10 و20 مترًا وقطر 7 أمتار، ويحتوي على 16 آلة من أحدث آلات صناعة أجزاء الطائرات في العالم.

شركة المعدات المكملة للطائرات

تنتج الشركة التي أنشئت في جدة عام 1988 بخبرات سعودية العديد من أجزاء الطائرات وتطورها، وتهدف إلى رفع المحتوى المحلي من 62% إلى 80%. كما تعمل الشركة مع العديد من الشركات العالمية عبر عقود للصيانة وإنتاج قطع غيار وإصلاح أنظمة هبوط.

تطور الكوادر

المشاريع الكبيرة في مجال إنتاج الطائرات وأجزائها، ستسمح بتكريس الخبرات الفنية المحلية للمملكة، وهو ما سيجعلها نقطة تفوق استراتيجية في ظل التنافس الدولي والإقليمي على توطين الصناعات في المجالات المهمة. ويعدُّ العنصر البشري هو العماد الأساسي لهذا التقدم التكنولوجي الكبير، بما يمثله من إضافة مهمة لرأس المال البشري الوطني، الذي يغني السعودية عن الخارج في كثير من المجالات، ويعزز الثقة بالإنتاج والكفاءة المحلية.

نتائج

قطعت السعودية شوطًا كبيرًا في مجال صناعة الطائرات، ونفذت العديد من المشاريع التي تمكنها من تلبية جزء من حاجتها المحلية لهذه الصناعة، وقد تمكنها أيضًا من تصدير إنتاجها وإمكانياتها الفنية في هذه الصناعة مستقبلاً. كما يعدُّ إعداد جيل جديد من الفنيين والمهندسين القادرين على إنتاج صناعة الطائرات ثروة قومية يجب العمل على تنميتها وتقديم الدعم الكامل لها الذي يسمح بتوظيف إبداعاتها وقدراتها للنهوض بالصناعة المحلية في مجال الطائرات. بالإضافة إلى أن إنتاج طائرات متقدمة بدون طيار يعدُّ ميزة كبيرة للسعودية تحقق لها تفوقًا نوعيًا واستراتيجيًا ويدعم قدراتها العسكرية.

وينتظر هذا القطاع المزيد مستقبلاً ليكون إضافة قوية للاقتصاد والقدرة السعودية على الصعيدين الإقليمي والدولي وذلك كما يلي:

-دعم الصناعة المحلية في قطاع مهم وحيوي كالطيران يجعل المملكة ذات قدرة استراتيجية واقتصادية في مجال مهم كالطيران، إذ يسعى القائمون على المجال لزيادة المحتوى المحلي إلى 90% من المواد الهيكلية بحلول 2030.

-خلق جيل جديد من الكفاءات السعودية وتطوير القدرات الفنية المحلية بما يجعل ثروة رأس المال البشري أكثر قوة وقدرة على الإنتاج.

-من شأن تنامي حجم الإنتاج والعمل في هذه الصناعة أن يوفر فرص عمل للسعوديين وزيادة عمليات تدريبهم وبالتالي الخبرات التي يكتسبونها.

-قدرة السعودية على تطوير صناعة الطيران واعتمادها كمركز إقليمي كبير يسمح لها بالتصدير والصيانة وتلبية الحاجة المحلية ودعم القطاع لدول المنطقة.

 

وحدة دراسات رؤية السعودية 2030

المراجع
1 – موقع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. https://www.kacst.edu.sa/
2 – السعودية تنشئ أول مصنع لهياكل الطائرات. الأمن والدفاع العربي.
https://bit.ly/2O5dH0i
3 – صناعة الطيران في السعودية.. ثلاثة مشاريع أساسية تعمل عليها المملكة. الأمن والدفاع العربي. https://bit.ly/2uEhcnI
4 – الخارجية السعودية تكشف كيف دخلت المملكة عالم صناعة الطائرات. سبوتنيك.
https://bit.ly/2RxPTnY
5 – مركز تطوير هياكل الطائرات.. الأكبر في “الشرق الأوسط” بأيدٍ سعودية. عكاظ.
https://www.okaz.com.sa/local/na/1683689
6 – إنشاء أول مصنع للطائرات في السعودية بالتعاون مع “أنتونوف”. مال.
https://www.maaal.com/archives/62546
7 – الطيران السعودي خلال 87 عامًا.. بدأ بطائرة للمؤسس ووصل 100 وجهة عالمية. سبق.
https://bit.ly/2O6tITV

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر