صفقة القرن.. وساطة قطرية ومصير مبهم | مركز سمت للدراسات

صفقة القرن.. وساطة قطرية ومصير مبهم

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 10 يوليو 2018

استكمالاً للمسلسل الذي بدأته الدوحة في الظهور كقوة فاعلة في المحيط العربي وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول، وكتابة حلقة جديدة من مسلسل تعاونها المطرد مع إسرائيل، أثير الحديث حول ما يسمى بـ”صفقة القرن” بين حماس وإسرائيل برعاية واشنطن والدوحة، وهو ما تحاول الأخيرة إلصاقه بأطراف أخرى؛ إلا أن حركة فتح الفلسطينية قد تحدثت عن الصفقة ووصفتها بالـ”مشبوهة”، وأنها قائمة بذريعة إنهاء الأزمة الإنسانية في قطاع غزة. وحذرت – أيضًا – من أن أي حوارات ستكون بمثابة صيغة التفاف على القضية، لصالح تمرير الصفقة التي ستؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما دعا الناطق باسم “فتح”، أسامة القواسمي، للقول عقب يوم من إعلان السفير القطري في فلسطين، محمد العمادي، عن صفقة بين حماس وإسرائيل برعاية بلاده والولايات المتحدة، “إن تفكير حماس في عقد صفقة مع الاحتلال تحت شماعة الأوضاع الإنسانية، بات يكشف عن نوايا خطيرة؛ تكمن بفصل غزة عن فلسطين”.ليس هذا فحسب، إذ  يبدو أن هناك رفضًا شعبيًا للصفقة، الأمر الذي نستدل عليه من خروج مسيرات عدة جابت عددًا من شوارع رام الله، وردد المشاركون خلالها هتافات منددة بصفقة القرن، والمبادرة الأميركية التي وصفتها إدارة الرئيس دونالد ترمب بأنها ستجلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط (1).

وبات جليًا أن صفقة القرن – كما أشار مسؤولون فلسطينيون – تقوم على سعي الولايات المتحدة إلى “فرض حل سياسي تحت مسمى صفقة القرن، يقوم على إقامة دولة في قطاع غزة، وحكم ذاتي محدود في الضفة الغربية، مع احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على مدينة القدس بشقيها الشرقي والغربي، وقبول الفلسطينيين بأبو ديس عاصمة لدولتهم بدلاً من القدس الشرقية، مقابل انسحاب إسرائيل من نحو 5 قرى وأحياء عربية شرقي القدس وشماليها، لتصبح المدينة القديمة بين يدي الحكومة الإسرائيلية.”

وبالطبع، قدمت الدوحة تعهدات وضمانات للبروز كفاعل في الصفقة، إذ تعهدت بـ: الوساطة بين حماس وإسرائيل برعاية أميركية، وبإعادة إعمار غزة، وعدم استهداف إسرائيل مشاريع قطر في غزة، وحصول الشركات الإسرائيلية على حصة من توريدات المشاريع القطرية في غزة،وتسهيل مرور المسؤولين القطريين من المعابر الإسرائيلية، إلى جانب اتهام قطر الدول الأخرى بتبني الصفقة.

وساطة قطرية

تحاول الدوحة إبراز نفسها كوسيط سلام لتحقيق “صفقة القرن” الأميركية – الإسرائيليةمن خلال الدور الذي يقوم به سفيرها في غزة، محمد العمادي، (رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار القطاع)الذي كشف عن مباحثات غير مباشرة بين حركة المقاومة “حماس” وإسرائيل للتوصل إلى “صفقة” بشأن الأوضاع في قطاع غزة، وذلك بعلم الإدارة الأميركية. ولعل ما أوضحه العمادي – أيضًا – أن تلك المشاريع عرضها، جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال جولته الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط التي شملت قطر، يكشف بجلاء موافقة الجانب القطري على ذلك.(2)

ومن خلال حديث العبادي عن ثبات موقف بلاده تجاه أية حلول لصالح قطاع غزة، وكونها يجب أن تكون عبر السلطة الفلسطينية، نستطيع القول إن الدوحة تعاني من التناقض في هذا الصدد .. فبينما يؤكد حديثها ضرورة أن تأتي الحلول من جانب السلطة الفلسطينية تنصّب نفسها وسيطًا بين إسرائيل وحماس وتقدم لها الدعم.

ليس ذلك فحسب، فالدوحة تريد – أيضًا – تنصيب نفسها كوسيط بين حماس وإسرائيل في محاولة منها لتحسين صورتها في العالم العربي، وبيان كونها تريد السلام وحل المشكلات وإيجاد حل للصراع.ولعل تأكيدات رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، محمد العمادي، وقوله إن حركة حماس تخوض مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بحثًا عن “صفقة” حول قطاع غزة، بعلم الإدارة الأميركية، تبرز بجلاء الرغبة القطرية في الظهور كوسيط وفاعل في المعادلة الفلسطينية.

وعلى الجانب الآخر، ترى قيادات حماس أن العمادييتآمر مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية ضد مصلحة الفلسطينيين، مع السعي لفرض وصايته على القطاع. ونستدل على ذلك – أيضًا – من خلال أحاديث عدة أكدت أن “قطر تعمل مباشرة مع إسرائيل والإدارة الأميركية لفرض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب”.

تعهد قطر بإعمار غزة

من الواضح أن تنظيم “الحمدين” مستمر في اتباع سياسته الخسيسة، تجاه القضايا العربية، والمتاجرة بها، والانتفاع من ورائها؛ إذ بات جليًا أن الدوحة ترنو إلى إطلاق ذراعيها في الدول العربية، وتعهدها بإعمار غزة مقابل موافقة حماس على صفقة القرن. وما يؤكد حديثنا، هو ما ذكره السفير العمادي، عن تقدُّم إدارة الرئيس ترمب، بمبادرة لتنفيذ مشاريع لصالح قطاع غزة تختص بتوفير الخدمات الأساسية، مثل: الكهرباء، وتحلية مياه الشرب، وتوفير فرص عمل، وتأهيل المنطقة الصناعية في القطاع، وهذا ما جاء على لسان صهر ترمب وكبير مستشاريه، جاريد كوشنر، خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، التي شملت قطر والسعودية ومصر والأردن وإسرائيل.

الحديث عن إعمار قطر لغزة ومشاركتها في المشاريع بالقطاع، ليس وليد اللحظة، فالدوحة تحاول التمهيد لذلك، وإطلاق ذراعها التي تسميها – التنموية – في غزة. ففي وقت سابق قدمت لغزة منحة قدرها 9 ملايين دولار تشمل مساعدات غذائية، وشراء وقود للمستشفيات وأدوية، في محاولة من الدوحة لما وصفته تخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع، إضافة إلى تخصيص مبلغ  مليونين و300 ألف دولارللمساعدات الغذائية والأغطية، و500 ألف دولارلصالح وقود المشافي ووزارة الصحة، ومليون دولارلتسديد رسوم الطلبة في الجامعات.(3)

عدم استهداف إسرائيل مشاريع قطر في غزة

لم يغفل الجانب القطري وضع شرط هام لدخوله كوسيط في الصفقة، إذ اشترطت الدوحة عدم استهداف الجانب الإسرائيلي لمشاريعها في قطاع غزة. وكباقي الدول المانحة والممولة لإعادة إعمار غزة، عمدت الدوحة إلى الحصول على ضمانات إسرائيلية بعدم المساس بها، أو تدميرها، خلال أي عمليات عسكرية تقوم بها في قطاع غزة، وألا تقوم بقصفها خلال أي عدوانٍ قادم. فتلك المشروعات قد تمت بعلم الجانب الإسرائيلي،، ولديها علم تام بإحداثياتها ومواقعها على الأرض، وهو ما يجعل استهدافها بالخطأ غير مبرر(4).

حصول الشركات الإسرائيلية على حصة من توريدات المشاريع القطرية في غزة

يبدو أن الدوحة تسعى جاهدة لتحقيق مصالحها بشتى الطرق، حتى وإن كان التعهد لإسرائيل بالحصول على حصة من توريدات قطر من المشاريع في غزة، فالدوحة استقبلت أول مكتب إسرائيلي عام 1996، وأمدت قطر إسرائيل بالغاز، وتستحوذ قطر على 75% من صادرات إسرائيل للمعدات والآلات، بحسب صحيفة يديعوت أحرنوت، وساعدت في نقل اليهود من اليمن إلى تل أبيب؛ وهو ما نستدل منه على كون التعاون بين قطر وإسرائيل ممتدًا عبر فترة طويلة وليس وليد اللحظة أو الصفقة.(5)

ويمكننا القول – أيضًا – إن قطر تحاول الإفلات من الآثار السيئة جراء توتر علاقتها مع الرباعي العربي، ووجدت في تل أبيب شريكًا اقتصاديًا هامًا، فمنذ اندلاع الأزمة – العام الماضي – جعلت قطر المساعدات التي تقدمها لقطاع غزة والتنسيق مع إسرائيل الضروري لتوزيع الأموال، محور اتصالاتها الدبلوماسية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب.  (6)

تسهيل مرور المسؤولين القطريين من المعابر الإسرائيلية

لم تكتفِ الدوحة بكل ما سبق، إذ اشترطت – أيضًا – تسهيل مرور المسؤولين القطريين من المعابر الإسرائيلية، فقطر تتحجج بعدم سماح مصر بمرور مسؤوليها إلى فلسطين لتبرر مرورهم من المعابر الإسرائيلية، وهو ما جاء على لسان سفيرها العمادي قبل ذلك، الذي زار غزة عن طريق معبر “اللنبي” بين الأراضي الفلسطينية والأردن، وكانت الزيارة تحت غطاء ملف إعادة الإعمار في قطاع غزة، لتعد أول زيارة له إلى السلطة الفلسطينية وغزة منذ مقاطعة الدول الأربع للدوحة.(7)

اتهام قطر الدول الأخرى بتبني الصفقة

مع كل ذلك، فإن الدوحة مستمرة في إلصاق الأمر بدول أخرى – كالسعودية – إذ تتهم الرياض بمحاولة تمرير الصفقة، على الرغم من تأكيدات الأخيرة أنالسلطة الفلسطينية هي صاحبة القرار الأول والأخير في قبول أو رفض ما يسمى بـ”صفقة القرن”، ولا يحق لأحد اختطاف القرار الفلسطيني، وهو ما أكده سعد بن عمر، رئيس مركز القرن للدراسات بالرياض، الذي قال إنه يجب عدم الاعتداد بالتصريحات الإسرائيلية التي تريد إيهام المواطن العربي بالأشياء قبل حدوثها حتى يتقبلها المواطن قبل طرحها، فليصرحوا كما يشاؤون وتبقى الوقائع في النهاية هي الأهم(8).

رأي الجانب الفلسطيني

من الواضح أن الرأي الفلسطيني جاء غاضبًا جراء ما تطرحه قطر، وهو ما اتضح من تشديد لجان المقاومة الفلسطينية على أنه لا يمكن مقايضة أو بيع كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية بالمساعدات الإنسانية، وأن تصريحات الدبلوماسي القطري تعبر عن حالة “الانسياق المشين” مع التحركات المشبوهة، التي تقوم بها الولايات المتحدة وإسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية، وما قاله الناطق باسم حركة فتح، أسامة القواسمي، أن النظام القطري تحت شماعة الأوضاع الإنسانية في غزة، بات يكشف عن نوايا خطيرة  (9).

توقعات مستقبلية

1- ليس من السهل أن يقبل الجانب الفلسطيني بالصفقة لعدم ثقته الكاملة في ترمب، خاصة بعد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. وإعلان ترمب واضح بدعمه للجانب الإسرائيلي.

2- عدم الثقة الكاملة في الجانب القطري، وإدراك فلسطين لتدخل قطر كوسيط في الصفقة لتحقيق مآرب خاصة بها يهدد بعدم تمرير الصفقة أيضًا، وهو ما اتضح من تصريحات القيادات الفلسطينية بأن لديهم شكوكًا حول التحركات القطرية وأحاديث سفيرها العمادي.

 3- من المتوقع – أيضًا – أنه في حال رفض الفلسطينيين للخطة، ستتذرع إسرائيل بالقول إنه لا يوجد شريك فلسطيني للحديث معه، وتبدأ في عمليات ضم مستوطنات الضفة الغربية، التي يدعو إليها اليوم علنًا عدد من قادة اليمين الإسرائيلي، بشكل يقضي تمامًا على فكرة حل الدولتين.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع 

1-فتح تحذر من “صفقة قطرية مشبوهة” بين “حماس” وإسرائيل، سبوتنيك.

2-بعد اتهامها السعودية.. قطر تكشف تحركاتها لتمرير “صفقة القرن” عبر حماس، مصراوي.

3-مبعوث قطري يصل غزة جالبًا منحة قدرها 9 ملايين دولار، بي بي سي عربي.

https://bbc.in/2J9rY71

4-تدويل قطاع غزة إنسانيًا واقتصاديًا، وكالة سما الإخبارية.

5-شاهد.. مفتي الإرهاب الليبي يروج للأكاذيب القطرية بالتطبيع مع إسرائيل، الوفد.

6-قطر تقول إن مساعدات غزة تجنب إسرائيل الحرب وتظهر أن الدوحة لا تدعم حماس، رويترز.

7-مفاجأة.. “مندوب” قطر لدى إسرائيل في زيارة سرية لغزة قبل عملية رفح بساعات، اليوم السابع.

8-مركز سعودي يكشف: هذا موقف المملكة من صفقة القرن، وكالة سوا.

9- لجان المقاومة تفضح مؤامرة قطر ضد الفلسطينيين، البوابة.

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر