صعود الرنيمبي الإلكتروني: الجغرافيا السياسية للعملة الرقمية الصينية | مركز سمت للدراسات

صعود الرنيمبي الإلكتروني: الجغرافيا السياسية للعملة الرقمية الصينية

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 16 يونيو 2020

ديلان إم إتش لوه

 

قامت الصين، أخيرًا، بتجربة عملة رقمية مدعومة بـ”الرنمينبي” في أربع مدن صينية، مما سمح للمشاركين بالتعامل واستلام البضائع عبر هذه العملة المشفرة المدعومة من الدولة. وإذا تمَّ اعتماد هذه التجربة على الصعيد الوطني، فسوف يحول التمويل والحوكمة والسياسة بطرق أساسية. لكن سيظل السؤال: ما العواقب الجيوسية لذلك؟

وسط أزمة الجائحة، جربت الصين في أواخر أبريل 2020، بهدوء عملتها الرقمية، وهي نوع من العملة المشفرة المدعومة من الدولة، وكان ذلك في أربع مدن صينية، هي: شنتشن، وسوتشو، وتشنغدو، وشيونغان. وبدعم من “اليوان” على أساس 1 إلى 1، سيحصل بعض الموظفين العموميين على جزء من رواتبهم بـ”الرنمينبي” الإلكتروني، وسيكون المشاركون قادرين على إنفاقه في متاجر التجزئة المختارة والمحلات الكبرى مثل “ماكدونالدز” و”صب واي”.

ومن بنات أفكار معهد أبحاث العملات الرقمية، الذي تأسس في بنك الشعب الصيني في عام 2017، تسمى هذه العملة السيادية الرقمية رسميًا “العملة الرقمية والدفع الإلكتروني” أوDCEP.

ماذا وراء “الرنمينبي” الإلكتروني للصين

كان الدافع الرئيسي وراء هذه العملة الرقمية، هو مشروع عملة التشفيرLibra الخاص بالفيسبوك، والذي يرتبط بسلة عملات غير محددة حتى الآن. لكن المخاوف من قطع “الرنمينبي” من سلة عملات “ليبرا” جعل المصرفيين الصينيين يفكرون في النسخة الصينية. فقد كان “لي ليهوي”، الرئيس السابق لبنك الصين والشخصية الرئيسية، الذي قام بجهود كبيرة في مجال التحول الرقمي لـ”اليوان”، متفائلاً بشكل مدهش في الإشادة بعملة “الميزان”.

ورغم ذلك، لا يمكن أن يكون التباين بين الاثنين أكثر وضوحًا. فبينما سعت عملة “الميزان” إلى تحدي سيطرة الحكومات وسلطتها على المناقصة القانونية، فإن “الرنمينبي” الرقمي الصيني من شأنه أن يسهم في تعزيز سيطرة الدولة. ومع تعثر مشروع عملات “ليبرا” Libraالمشفرة بواسطةFacebook تحت وطأة الرقابة التنظيمية، انتقلت الصين بشكل حاسم وبسرعة إلى تجربة وإطلاق “الرنمينبي” الرقمي.

وهناك ما لا يقل عن ثلاثة دوافع رئيسية وراء سعي الصين إلى الحفاظ على القيمة الرمزية لـ”اليوان”. أولاً، فمن خلال تطوير عملة رقمية سيادية، فإن الصين قادرة على تتبع تدفقات رأس المال إلى الخارج ومراقبتها ومنعها بشكل أفضل. إذ تدرك بكين جيدًا المخاطر التي تشكلها التدفقات النقدية المفاجئة والكبيرة. ففي عام 2015، على سبيل المثال، بلغت تدفقات رأس المال الخارجة ما يقدر بنحو تريليون دولار أميركي.

وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك زيادة كبيرة في هروب رأس المال، مع بدء التجارة بين الولايات المتحدة والصين. وحتى مع وجود ضوابط واسعة لرأس المال (بما في ذلك الحظر على تداول العملات المشفرة)، فمن الصعب منع تسرب رأس المال إذا تمَّ تحديده بما فيه الكفاية.

ونظرًا لأن “اليوان” الرقمي يتم إدارته مركزيًا بواسطة بنك الشعب الصيني، فإن هذا يضمن بنية إشرافية قوية. ومن الناحية النظرية، فإن هذا يعني أن كل معاملة وبيانات فيها تكون متاحة للسلطات في الوقت الحقيقي.

“الرنمينبي” الإلكتروني كرد على “البيتكوين”

ثانيًا، إن “الرنمينبي” الرقمي هو استجابة لشعبية عملة “البيتكوين”في الصين. وفي الواقع، تحول المواطنون الصينيون بشكل متزايد إلى العملات المشفرة،على وجه الخصوص، مثل “البيتكوين” واستخدامها في المضاربة، ولكن أيضًا لتفادي ضوابط رأس المال. كما كانت السيولة، والأمن، وعدم الكشف عن الهوية والطبيعة اللامركزية لـ”البيتكوين”، على درجة مثالية لنقل مبالغ هائلة من الأموال غير المكتشفة والسريعة نسبيًا خارج الحدود الصينية.

لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق في نظر بكين، هو إمكانات العملات المشفرة فيما يخص إمكانيات طباعة النقود (وما يرتبط بها من شرعيتها المالية) التي لا تمتلكها حتى الآن سوى الدول.

كما أن الطبيعة اللامركزية “غير الموثوق بها” لمعظم العملات المشفرة، تعني الآن أن البنوك المركزية حول العالم، كان عليها أن تعيش مع وإدارة عالم مالي موازٍ يتطور مباشرة، لكن بعيدًا عن إشرافها. في حين كان الرد الصيني هو حظر تداول العملات المشفرة بالكامل.

ومع ذلك، كانت بكين ذكية بما يكفي لتحويل أفضل جوانب العملات الرقمية لخدمة أهداف الدولة. وهو ما يشمل إمكانية خدمة ملايين المواطنين الصينيين غير المصرفيين، مثل تخفيض تكاليف المعاملات للشركات، وتقليل الاحتكاك في الدفع من شخص لآخر. كما أن المدفوعات العابرة للحدود تكون سهلة. فضلاً عن إمكانية السماح بخيار صحي أكثر للدفع.

وعلى أي حال، فمن المهم أن نتذكر أن هذه الاعتبارات معلقة في نهاية المطاف بمطالب بكين لمزيد من الإشراف على عملتها ونظامها المالي.

“اليوان” الرقمي والتأقلم مع “الرنمينبي”

ثالثًا، قد يؤدي ظهور “اليوان” الرقمي (إذا تمَّ تبنيه وتطبيقه على نطاق واسع) إلى التنافس مع نظام التسوية المقوم وفقًا للولايات المتحدة. كما أنه سيجعل الهجمات والتكهنات بـ”الرنمينبي” أكثر صعوبة. وبحسب تعبير محافظ بنك الشعب الصيني، “يي قانغ”، فإن “اليوان” الرقمي في الصين “يوفر بديلاً وظيفيًا لنظام تسوية الدولار ويخفف من تأثير أي عقوبات أو تهديدات بالاستبعاد على مستوى الدولة أو الشركة”.

وعلاوة على ذلك، فإن أحد الطموحات المعلنة لـ”اليوان” الرقمي هو إضفاء الطابع الإقليمي على العملة وربطها بمشروع التحول الرقمي للعملة واسع النطاق في الصين. ورغم أن جاذبية “الرنمينبي” العالمية قد تكون محدودة في الوقت الحالي، فإنه من غير المحتمل القبول الواسع النطاق في نهاية المطاف للعملة الصينية الرقمية السيادية في المنطقة. لقد أشارت كوريا الجنوبية، من ناحية، إلى أنها قد تقبل “الرنمينبي” الرقمي من السياح الصينيين.

وبالنظر إلى أن منصات الدفع الصينية، مثل: “ألي بياي”Alipay ، و”وي تشات”WeChat  مدمجة بالفعل بشكل وثيق في أنظمة الدفع بآسيا، فإن الأمر يبدو مسألة وقت قبل أن تبدأ أقلمة عملة “الرنمينبي” الرقمية.

ماذا يعني هذا للقواعد الإقليمية؟

محليًا، سيسمح “اليوان” الرقمي (بسبب الطابع الفوري للبيانات من حيث جمعها وحجمها) للسلطات ببناء ائتمانات ونتائج اجتماعية للأفراد والشركات بشكل أفضل.وسيؤدي ذلك إلى تسريع الجهود الجارية لتحديد مدى موثوقية الأشخاص وتقييمهم على نطاق أوسع وأعمق. كما سيعطي هذا الأمر دفعة قوية لقدرة الصين على مراقبة الدورات الاقتصادية بشكل أكثر دقة، لكن النقاد سينددون بالتدخل والقدرة المحتملين لـ”اليوان” الإلكتروني لرصد ومراقبة مواطنيها.

وتعدُّ الصين هي أول قوة كبرى تختبر عملة رقمية. ولديها الكفاءة والإرادة والموارد ورأس المال السياسي لتوسيعها بسرعة على الصعيد الوطني، وفي النهاية، إقليميًا. وبالنظر إلى التطورات التي يشهدها مشروع التحول الرقمي للعمل، لا يمكن تفويت الآثار السياسية والدبلوماسية لـ”اليوان” الرقمي. فعلى سبيل المثال، هل يمكن لبكين أن تشترط على الدول المتلقية التي تحتاج إلى استثمارات أو قروض، قبول “الرنمينبي” الرقمي؟

هل سيحفز هذا الدول على تسريع إصداراتها من العملات السيادية الرقمية؟ هل سيتم استخدام “الرنمينبي” الإلكتروني لنشر التأثير وصياغة المعايير الإقليمية للإدارة المالية؟ هل ستستفيد الصين من ذلك لكسب النفوذ السياسي والدبلوماسي في المجالات الأخرى؟ كيف سيساعد ذلك على ابتكار وتعطيل المعاملات عبر الحدود؟ هذه أسئلة ستحتاج دول المنطقة إلى التعامل معها بجدية.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية(RSIS)

 

 

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر