سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
نايل بوي
تُظهر استطلاعات الرأي أن شعبية رئيس الوزراء الماليزي، “مهاتير محمد”، تتراجع بسرعة، إذ يشعر أنصاره أن حكومته المنتخبة حديثًا لن تستطع الوفاء بوعودها. وفيما يشبه الزلزال السياسي الذي تمخضت عنه الانتخابات العامة التي أجريت في شهر مايو الماضي، والتي أطاحت برئيس الوزراء الذي بقي طويلاً في السلطة، “نجيب رزاق”، الذي يمثُل – حاليًا – أمام العدالة في واحدة من فضائح الفساد العالمية؛ كان 2018 عامًا بالغ الأهمية بالنسبة لماليزيا.
لكن لم يتأثر سوى عدد قليل بالأحداث التي اتسعت تأثيراتها على الكثير من الفاعلين بالساحة السياسية، ولا سيَّما السياسي المخضرم، “أنور إبراهيم”، الذي كان يقبع في زنزانة بالسجن أخيرًا، إذ ينتظر أن يتولى السلطة في حالة تنحي الزعيم الحالي “مهاتير محمد” خلال العامين المقبلين. ففي مقال نُشر قريبًا، نُقل عن إبراهيم أنه ينظر إلى انتخابات ماليزيا المتوقعة والانتقال السياسي المصاحب لها، على أنها نموذج للـ”الإخلال الديمقراطي” و”الأمل المتفشي في اتجاه عالمي نحو التوجهات القومية والشعبوية”.
لقد طالب عدد من مؤيدي إبراهيم بسقوط النظام الحاكم في ماليزيا، الذي ظل يهيمن عليه ما يُعرف بـ”الائتلاف الوطني” بقيادة “مهاتير محمد” تحت شعار “ماليزيا الجديدة”. لكن مع نهاية تلك الحقبة الطويلة، نجد أن حكومة “مهاتير” باتت مصابة بخيبة أمل، وهي آخذة في التنامي مع تصاعد وتيرة الانشقاقات داخل الائتلاف الحاكم.
وقد شهدت الفترة الأخيرة انخفاضًا في نسبة التأييد العام لأداء “مهاتير” بنحو 20% تقريبًا منذ يونيو الماضي، وفقًا لما ذكره موقع مؤسسة “إنفوكا ماليزيا” Invoke Malaysia، وهي مؤسسة استطلاعية غير ربحية أسسها “رافيزي راملي”، نائب رئيس حزب أنور إبراهيم PKR. فقد انخفض عدد الداعمين من جميع الفئات العمرية، إذ وصلت نسبة التأييد لرئيس الوزراء إلى 53% مقارنة بـ72% في السابق.
ويرى “رافيزي” أن تكاليف المعيشة المرتفعة، بالإضافة إلى الوعود الانتخابية التي لم يتم الوفاء بها، تقف جميعها خلف تراجع شعبية الحكومة. فالجمهور الماليزي بدأ يفقد صبره، وهو ما دفعه إلى دعوة الحكومة لإعادة التركيز على تخفيف الضغوط الاقتصادية. وقد كان من بين الوعود التي قطعتها حكومة “مهاتير” على نفسها العمل على إلغاء ضريبة السلع والخدمات، وإعادة تقديم إعانات الوقود، وإلغاء الديون المستحقة على وكالة مزارع النخيل في الولاية من قبل المزارع الصغيرة، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وتأجيل سداد القروض، فضلاً عن عدد من الوعود الأخرى.
وفي حين أن بعض التعهدات قد تمَّ الوفاء بها، أو تمَّ الوفاء بها جزئيًا، إلا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية لا يزال يؤثر في وضع أصحاب الدخل المتدني. كما أن انخفاض أسعار السلع قد صاحبه بعض الأضرار التي لحقت بالمزارعين. وفي بعض المناطق، ازدادت الأمور سوءًا فيما بعد، وهو ما يعبر عنه “رافيزي” بأنه “لا يوجد أي تحسن اقتصادي ملحوظ في الواقع، وأن الأمر سيستمر على هذا الحال المتردي”.
ويبدو أن “مهاتير” بات متفقًا مع ما يذهب إليه “رافيزي”، إذ اعترف أخيرًا أن الإخفاق في الوفاء بالوعود الانتخابية سيؤدي إلى رد فعل عنيف ضد حكومته. كما اعترف “مهاتير” – أيضًا – في أغسطس الماضي، بضرورة مضاعفة العمل من أجل تنفيذ الوعود التي أخذتها حكومته على عاتقها.
المخاوف الاقتصادية لا تُعدُّ المصدر الوحيد لمشكلة الشرعية التي تعاني منها حكومة “مهاتير”، فالصراع المتنامي بين الأحزاب أثار – بدوره – موجةً من الاستقالات والانشقاقات التي زلزلت المشهد السياسي بالبلاد. فقد تخلى العديد من أعضاء المنظمة الوطنية المتحدة في ماليزيا عن عضوية الحزب الحاكم في وقت سابق من هذا الشهر، وتعهد أحدهم بعد ذلك بدعم الحكومة الحالية.
كما حذَّر عدد من النواب البرلمانيين الحكومة الحالية وحليفها المساند لها بقوة (حزب العمل الديمقراطي) من احتمالات تصاعد وتيرة الانشقاق عن المنظمة الوطنية المتحدة من قبل حزب “مهاتير”، وهي الخطوة التي يخشون من أن يتبعها المزيد من الخطوات المأساوية المشابهة.
كذلك يرى “شاندرا مظفر”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماليزيا، أن حالة الهجرة الجماعية هي نتيجة تأثيرات نفسية، خاصة بعد هزيمة المنظمة الوطنية الماليزية التي كانت في السلطة مدة 61 عامًا، فلم تعد تتمتع بأي قدر يذكر من السلطة، كما أنها لم تشارك في السلطة ولم تعد تشغل مساحات تذكر في المجتمع. ولم تعتد النخبة الحاكمة الابتعاد عن دائرة السلطة، فهي تحرص على المشاركة في كافة الفعاليات الداعمة لهذا الاتجاه، كما يشير “مظفر” إلى بعض الاتفاقات (الصفقات) التي تتم بين الحين والآخر مع الحكومة الراهنة بما يسهم في الإبقاء على كبار الشخصيات في السجن.
ويقضي رئيس الوزراء، نجيب عبدالرزاق، وزوجته رحمة منصور، سنوات خلف القضبان بتهمة تتعلق بغسيل الأموال والفساد، وترتبط معظم التهم التي يُعاقب “نجيب” بسببها، بسرقة مبالغ تقدر بمليارات الدولارات من مشروع “تنمية ماليزياMalaysia Development Berhad رغم نفي “نجيب وزوجته” كافة التهم المنسوبة إليهما. كذلك يواجه “أحمد زاهد حميدي”، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء أثناء حكم “نجيب”، تهمًا بالفساد وغسيل الأموال. وكان “حميدي” تولى قيادة المنظمة الوطنية في أعقاب استقالة “نجيب” في شهر مايو، لكنه أجبر على التنحي في وقت سابق من هذا الشهر بسبب الضغط من داخل الحزب الحاكم في أعقاب موجة الانشقاقات الأخيرة.
وسعى “مهاتير” إلى طمأنة مؤيديه بإعلانه أن حزبه لن يقبل إلا النواب الناجحين في مهام الرقابة الصارمة، وكذلك أولئك الذين يتعهدون بعدم الترشح لأي حزب أو منصب حكومي. وأعلن “مهاتير” أن النواب الجدد سيكونون مجبرين على العمل أولاً كمستقلين بعد مغادرة المنظمة الوطنية، وخلال تلك الفترة يتوقع منهم دعم الحكومة الحالية.
ومع ذلك، فقد أكد رئيس الوزراء، وجود تمييز بين قادة المنظمة غير المنتظمين والمنشقين، معتبرًا أن قبول هؤلاء الأعضاء ربَّما يساعد في دعم عرقية “الملايو”؛ إذ لا يزال لديهم قدر من التأثير في المناطق الريفية، كما يقول مهاتير “إذا رفضنا هؤلاء الأعضاء، فإننا نكون رفضنا الناخبين”
فقد حصل حزب “مهاتير” على أقل من 30% من أصوات “الملايو” في الانتخابات التي أجريت في التاسع من مايو الماضي. كما يزعم البعض أن قبول هؤلاء الأعضاء المنشقين من المنظمة الوطنية، أمر ضروري لضمان دعم الناخبين في المناطق الريفية التي تمتلك 55 مقعدًا يمثلونها في البرلمان، ويحرص الحزب الحاكم على عدم انصرافها إلى الأحزاب الأخرى في الانتخابات العامة المقبلة في حال حدوث تحول كبير في الناخبين، وفقًا للدراسة التي أجرتها مؤسسة “إنفوكا ماليزيا”.
كذلك يرى مصطفى عز الدين، وهو محلل سياسي بمعهد “إسياس ISEAS” في سنغافورة، أن قبول المزيد من أعضاء المنظمة الوطنية الماليزية في الائتلاف الحاكم من شأنه أن يتسبب في رد فعل عنيف، ومن ثَمَّ يؤدي إلى “توتر سياسي، وتصدعات داخل الائتلاف، وهو ما يعيق قدرة الحزب الحاكم على إدارة الحكومة بشكل فعال”. ويلاحظ أن التنقل بين الأحزاب قد يؤدي إلى بروز شبهات مالية حول شركة PBBMالتي يملكها “مهاتير”، على الرغم من تأكيدات رئيس الوزراء خلاف ذلك. وأدى ذلك إلى إضعاف موقف بعض النواب المنتمين إلى الحزب الحاكم، مما أعقبه انتقادات علنية لعدد من البرلمانيين، مثل: “رامابال سينغ”، النائب عن حزب العمل الديمقراطي، الذي يعتقد أن احتواء المنشقين إنما يرقى إلى مستوى الخيانة السياسية.
في خضم ذلك النزاع الداخلي، حذَّر القائم بأعمال حزب العمل الديمقراطي، “ليم كيت سيانج”، أخيرًا، من أن حزبه لن يتردد في الانسحاب من الحكومة الائتلافية إذا تخلت الأخيرة عن أهداف الإصلاح التي ترتكز عليها رؤية “ماليزيا الجديدة”. كذلك لا يستبعد مصطفى، احتمالية الخروج من خطة عمل السلام التي تُعدُّ أمرًا ذا أهمية حاسمة، بل إنها لازمة لضمان بقاء الائتلاف.
وعلى ذلك، فمن الضروري أن يبقى حزب العمل الديمقراطي في الائتلاف الحاكم؛ لأن انسحاب ذلك الحزب من شأنه إضعاف الائتلاف بدرجة كبيرة بسبب فقدان الجزء الأكبر من الدعم الذي توفره الصين لهذا الحزب. ومن ثَمَّ، فإن تراجع تأييد “مهاتير” بسبب ضعف أداء بعض الوزراء، يعني انتهاء شهر العسل السياسي لحزب “مهاتير” الحاكم، ما يعني تدني مستوى التوقعات المرتبطة بكفاءة الحكومة الحالية.
في هذا السياق، أبدى حزب العمل انزعاجه من حالة الصراع الداخلي وتزايد عدد الاستقالات أخيرًا، وبخاصة استقالة النائبة، “نور أنور”، التي تخلت عن كافة مناصبها في الحزب، بما في ذلك منصب نائب الرئيس، إذ زعمت مصادر أنها واجهت اتهامات بمحاباة أقاربها داخل الحزب، الذي يتهمه منتقدوه بسيطرة عائلة “أنور”.
لكن “نور” ستظل عضوًا برلمانيًا، من دون أن تتولى أي منصب حكومي بأي حال؛ مع أنها فسرت أسباب استقالتها بشكل واضح، إلا أنها أصدرت بيانًا قالت فيه إن هناك معتقدات وأفكارًا تعتز بها وتشعر أنها تستطيع أن تكون أكثر مصداقية من خلال اتخاذ تلك الخطوة التي أعلنت عنها أخيرًا.
ويعتقد المراقبون أن حزب العمال ينقسم إلى جناحين على درجة كبيرة من القوة والتأثير، أحدهما مرتبط بـ”أنور”، والآخر بحزب نائب الرئيس “آزمين علي”، الذي يقال إنه على درجة كبيرة من التوافق مع “مهاتير”. ومن المعروف أن “نور” قد تدعم “رفيعي الرملي” للوصول إلى منصب نائب الرئيس في شهر نوفمبر، وهو المنصب الذي كان سيضعه في المقدمة خلفًا لـ”أنور” بنهاية المطاف.
ومع توالي الحراك السياسي، يقود “أنور” بنفسه الصراع الصريح مع بعض الفصائل السياسية، إذ أعلن في بيان بتاريخ 22 ديسمبر، جاء فيه أن “الناس يراقبوننا دائمًا وليس لدينا سوى مساحة صغيرة وفرصة محدودة لإثبات أن الحزب الحاكم يمكنه حقًا تغيير مصيره”.
وبحلول عام 2019، سيقيِّم المراقبون والمحللون وضع الاستقرار السياسي لماليزيا بشكل أكثر دقة؛ ذلك أن تماسك الحزب الحاكم وتعامله مع القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى التصدعات العرقية الحساسة، من شأنه أن يثير الخلاف بين “مهاتير” و”أنور”، وهو ما يمكن أن ينعكس على الثقة بالنظام الحاكم إلى حدٍّ بعيد، رغم أن العلاقات بين السياسيين تبدو أنها لا تزال ودية.
وفي غضون ذلك، من المقرر أن تبدأ محاكمة “نجيب” في 12 فبراير المقبل. وهي المحاكمة التي لفتت الأنظار والاهتمام على المستوى العالمي في الآونة الأخيرة، ولا سيَّما مع ارتباط رئيس بنك الاستثمار الأميركي “غولدمان ساكس” بتلك القضية عن طريق اشتراكه في عدد من الأعمال التجارية مع “نجيب”.
وأخيرًا.. إن الحكومة تسعى للحصول على تعويضات بقيمة 7.5 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثل تحديًا آخر تعهَّد البنك من خلاله “بالمنافسة الشديدة”، كما أن ذلك من شأنه أن يوفر لماليزيا عوائد مالية ضرورية جدًا إذا ما كسبت القضية في نهاية المطاف.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: آسيا اليوم
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر