انهالت عروض الجمعة السوداء على المتسوقين عبر الإنترنت الذين يبحثون عن أجهزة التلفزيون من متجر أرجوس البريطاني. لكن، من بين مئات الخيارات، يبرز طراز فائق الدقة من شركة توشيبا.
ذلك لأن الشركة اليابانية المصنعة للأجهزة الإلكترونية دفعت علاوة مقابل أن تبرز منتجاتها على موقع المتجر. ستستخدم شركة أرجوس البيانات التي تجمعها عن المشترين من أجل استهداف أفضل للإعلانات المستقبلية أثناء جلسات التسوق.
إن الترتيبات التي تدعم هذه الإعلانات الترويجية غير بارزة نسبيا – في بعض الحالات بالكاد يدرك المستهلكون وجودها – مع ذلك، فقد بدأت في قلب صناعة الإعلان العالمية رأسا على عقب.
شركة جيه سينزبوريز، مالكة “أرجوس”، من بين عشرات شركات التجزئة التي تحاول محاكاة نجاح شركة أمازون في بناء أعمال تسويقية من منصة للمبيعات. إن هذه الشركات تنشئ فعليا شكلا جديدا من وسائل الإعلام الجماهيري في منافسة مباشرة مع شركات النشر التقليدية وشركات التكنولوجيا الكبرى.
كجزء من تحولها الأوسع بعيدا عن المتاجر التقليدية، طورت شركات التجزئة الكبرى أذرع إعلانية رقمية ذات تأثير متزايد تمنح العلامات التجارية الاستهلاكية طرقا جديدة قوية للوصول إلى المتسوقين.
بدءا من مجموعة وولوورثس في أستراليا إلى شركة لوبلاوس الكندية، فإن شركات التجزئة في مجموعة من الأسواق العالمية بدرجات متفاوتة من النجاح تقدم نفسها كمواقع إعلانية جذابة لأكبر العلامات التجارية الاستهلاكية في العالم.
يقول أمير راسخ، مدير شركة نكتار 360، ذراع برنامج الولاء وخدمات التسويق لشركة جيه سينزبوريز: “أدركت العلامات التجارية حقيقة أن بائع تجزئة لديه القدرة على فهم سلوك العميل وتخصيص الإعلانات بناء على ذلك”.
يعد هذا التوسع كبيرا بشكل خاص في الولايات المتحدة، حيث تشير تقديرات شركة أي ماركتر إلى أن الشركات المعلنة في طريقها لإنفاق أكثر من 37 مليار دولار على “شبكات التجزئة الإعلامية” هذا العام، بزيادة تبلغ نحو الخمس عن 2021.
في حين أن وسائل التواصل الاجتماعي تجتذب حاليا المزيد من دولارات الإعلانات، مع توقع مكسب سنوي قدره 65 مليار دولار، من المتوقع أن تنمو إعلانات التجزئة أسرع خمس مرات في 2022.
تبلغ إيرادات إعلانات شركات التجزئة بالفعل ما يقارب ضعف إيرادات الإعلان في الإذاعة والمطبوعات مجتمعين، وتتضاءل أيضا الفجوة مع التلفزيون، الذي من المتوقع أن يولد 68 مليار دولار من مبيعات الإعلانات هذا العام، بوتيرة سريعة، وفقا لـ”إي ماركتر”.
لكن المشاريع الإعلامية في الصناعة تهدد بتفاقم التوترات مع الموردين حول كيفية الترويج للمنتجات، في وقت تؤدي فيه الضغوط التضخمية بالفعل إلى مفاوضات مشحونة في بعض الأحيان حول الأسعار.
في الوقت نفسه، دعا تحليل سمات العملاء الأكثر تطورا إلى التدقيق من جانب المدافعين عن خصوصية البيانات. على الرغم من أن القدرة على الوصول إلى جمهور واسع عبر الإعلانات تساعد “أمازون” وغيرها من كبار تجار التجزئة على تحمل الضغط على المبيعات أثناء ضغط تكلفة المعيشة، فإن النفقات والخدمات اللوجستية اللازمة لبناء أعمال إعلامية رقمية تخاطر بترك سلاسل المتاجر الأصغر متخلفة عن الركب.
يقول بريان جليسون، كبير مسؤولي الإيرادات في شركة كريتو في باريس، التي طورت تكنولوجيا إعلامية لشركات التجزئة ومن بينها “كارفور” الفرنسية و”أسدا” البريطانية، إن الزخم وراء ما يسمى التجزئة الإعلامية كبير جدا لدرجة أنها يمكن أن تدخل في حقبة جديدة من الإعلانات الرقمية.
يقول إن البحث جاء أولا، “ما غير طريقة تفاعلنا مع المستهلكين”. ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت الجمهور المستهدف أكثر وضوحا. إن التجزئة الإعلامية هي “الموجة الثالثة”، كما يقول جليسون، المدير التنفيذي السابق في مجموعة الإعلانات دبليو بي بي. “أصبحت أكبر شركات التجزئة في العالم شركات إعلامية من نواح كثيرة”.
شركات تجزئة كبيرة.. إيرادات إعلانية كبيرة
في الشهر الماضي، أقامت “أمازون” حدثا لمدة ثلاثة أيام في واحد من أكبر مراكز المؤتمرات في مانهاتن لمجموعة من العملاء المهمين. لم يكن العملاء من نقاد التلفزيون أو مستخدمي الحوسبة السحابية بل معلنين، الذين أضافوا 9.5 مليار دولار إلى إيرادات “أمازون” العالمية في الربع الثالث.
بصفتها أكبر شركة تجزئة عبر الإنترنت، فإن أمازون هي المستفيد الأكثر وضوحا من التحول في أسواق الإعلانات مع تقلص الازدهار الذي استمر لعقد من الزمن لوسائل التواصل الاجتماعي. تراجعت إيرادات الإعلانات في شركة ميتا، مالكة فيسبوك وإنستجرام، 3.7 في المائة خلال الفترة نفسها إلى 27.2 مليار دولار.
يقول إيثان جودمان من وكالة مارس، المتخصصة في إعلانات شركات التجزئة: “يحول كثير من عملائنا دولارات الإعلانات التي كانوا ينفقونها مع فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى عبر الإنترنت إلى شركات التجزئة”.
أظهر تقرير أرباح “أمازون” أن إيراداتها من الإعلانات كانت أعلى من رسوم نظام عضوية “أمازون برايم” والكتب الصوتية والموسيقى الرقمية مجتمعة، إضافة إلى أكثر من ضعف المبيعات من متاجرها التقليدية، بما في ذلك سلسلة محال البقالة هول فودز.
على الرغم من أن أعدادهم أقل بكثير، فإن بعض من أكبر منافسي “أمازون” يحققون أيضا نجاحات كبيرة في مجال الإعلان، خاصة وأن الزيادة في التسوق عبر الإنترنت أثناء الجائحة جلبت الملايين إلى مواقعهم الإلكترونية وتطبيقاتهم على الأجهزة المحمولة.
أدركت شركات التجزئة التالي: “لدينا الآن نطاقا معينا من الاهتمام الرقمي الذي يسمح لنا بتحقيق الدخل من البيانات بطريقة جديدة تماما”، كما تقول لورين ووكر، رئيسة قسم البيانات والتحليلات في أكسنتشر سونج، شركة التسويق التابعة للمجموعة الاستشارية.
قالت أكبر شركة تجزئة في العالم، وول مارت، الأسبوع الماضي إن إيرادات إعلاناتها ارتفعت 30 في المائة في الربع الأخير بفضل توسع شركتها الإعلامية في الولايات المتحدة، المعروفة باسم كونيكت، وفي الهند عبر شركة فليب كارت أدز.
إن الشركة في طريقها لتوليد إيرادات بقيمة 2.2 مليار دولار من الإعلانات في الولايات المتحدة هذا العام، حسب تقديرات “إي ماركتر”. في مكالمة مع المحللين، أشار جون ريني، المدير المالي في “وول مارت”، إلى أن الإعلانات لم تكن أسرع نموا من أعمال البيع بالتجزئة الرئيسة فحسب، بل كان لها أيضا هوامش ربح أعلى.
“كنز دفين” من البيانات
على الرغم من حجمها، فإن إعلانات التجزئة تميل إلى أن تكون أقل أهمية من الإعلانات التجارية على التلفزيون، أو اللوحات الإعلانية الخارجية أو بالفعل أشكال أخرى من الإعلان الرقمي.
على الإنترنت، تتخذ الإعلانات شكلين رئيسين: العروض الترويجية على الصفحات الرئيسة وصفحات المنتجات، ونتائج البحث، مثل تلك الموجودة على محرك البحث جوجل.
على عكس الإعلانات الجانبية ومقاطع الفيديو التي تغطي صفحات الشبكة الأوسع، يتم عادة دمج الإعلانات بسلاسة في تصميم صفحة شركات التجزئة.
مع أنه في كثير من الحالات يتم تمييز المنتجات التي يتم الترويج لها بوضوح على أنها “دعائية” – كما هي الحال في “أرجوس”، مثلا – فقد لا يكون من الواضح دائما للمتسوقين أن الموردين قد دفعوا لشركة التجزئة مقابل مكان المنتج على الموقع.
في العالم المادي أيضا، تجد شركات التجزئة طرقا أكثر إبداعا لتحويل المزيد من ممتلكاتها إلى مساحة يمكن بيعها للمسوقين، من محطات الراديو المدعومة بالإعلانات في المتجر إلى عروض الفيديو على عربات التسوق التي تروج لمنتجات معينة بناء على الطقس والوقت من اليوم.
ركبت شركة تيسكو مثلا، 500 “شاشة ذكية” عند مداخل متاجرها المتصلة من خلال شراكة مع شركة جيه سي ديكو.
ما يجعل هذه الإعلانات مقنعة جدا للموردين هي البيانات، التي من الناحية النظرية ينبغي أن تسمح لهم باستهداف فئات ديموغرافية معينة وقياس فاعلية جهودهم التسويقية بكفاءة أكبر.
يقول مارك برودرسون، الشريك الأول للتسويق في شركة ماكينزي: “تجلس الكثير من شركات التجزئة هذه على كنوز دفينة مثيرة حقا”.
أصبحت الملفات المتزايدة حول سلوك المستهلك التي تحتفظ بها شركات التجزئة الآن أكثر قيمة لأن ضوابط الخصوصية عبر الإنترنت أضرت بشركات الإعلام الرقمي المنافسة، ولا سيما تطبيقات الشبكات الاجتماعية.
أدت تحديثات شركة أبل لنظام التشغيل أي أو إس iOS إلى تقييد قدرة التطبيقات على متابعة المستخدمين عبر الشبكة وجمع المعلومات عنهم. في الوقت نفسه، قالت “جوجل” إنها ستبدأ في التخلص التدريجي من أنواع ملفات تعريف الارتباط – أو أجزاء من البيانات التي تحدد جهاز المستخدم – والتي تستخدم لتتبع التصفح على متصفح كروم الخاص بها اعتبارا من 2024.
كان للتغييرات تأثير أقل على شركات التجزئة – إلى جانب الفنادق وشركات توصيل الطعام وغيرها من مالكي ما يسمى ببيانات الطرف الأول – نظرا لأنها لا تحتاج إلى جمع المعلومات من المستخدمين على المواقع الإلكترونية الأخرى.
كثيرا ما يسجل المستهلكون الدخول باستخدام بيانات التعريف الشخصية عند التسوق عبر الإنترنت، ما يسمح لشركات التجزئة بجمع التفاصيل حول اهتمامات المتسوقين دون خرق أي قيود.
يضيف أندرو ليبسمان، محلل التجارة الإلكترونية في شركة أي ماركتر: “كانت لديك صناعة كاملة مبنية على الاستهداف والقياس السلوكيين، وقد تم تقييدها. ولا سيما في هذه الأوقات التضخمية، ستذهب ميزانيات الإعلانات إلى حيث يكون هناك قدر أكبر من اليقين بشأن العائد. على نحو متزايد، هذا المكان هو إعلانات التجزئة”.
يقول مات كريبسيك، الرئيس التنفيذي لشركة كووشينت، التي ساعدت على بناء شبكات إعلامية للشركات بما في ذلك “دولار جنرال” و”رايت أيد” و”أوتو زون”، إن المعلومات التي يمكن أن تجمعها شركات التجزئة عن المستخدمين هي “أكثر قيمة بكثير” للمسوقين من الأشكال الأخرى للإعلانات الرقمية. “إنها مستوى أعلى من المنصات الاجتماعية”.
يحتاج المعلنون على وسائط التواصل الاجتماعي عموما إلى استخدام البيانات الشخصية التي تم جمعها عن المستخدمين كمؤشر لأنواع المنتجات التي قد يهتمون بها، وإن كان ذلك عبر خوارزميات متطورة بشكل متزايد. على النقيض من ذلك، جمعت شركات التجزئة قواعد البيانات بالمعاملات الفعلية.
حققت “أمازون” وشركات التجزئة الأخرى بعض النجاح في دمج بيانات الطرف الأول الخاصة بها مع تلك التي تحتفظ بها أمثال “فيسبوك” و”جوجل” لتوجيه الإعلانات للزوار على مجموعة واسعة من المواقع الإلكترونية. في بعض النواحي، يمكن لما يسمى وسائل الإعلام “خارج الموقع” أن تسمح للمعلنين بتجنب الإجراءات الصارمة التي تلوح في الأفق على ملفات تعريف ارتباط الطرف الثالث.
إن الوسيلة الجديدة لها مزايا إضافية. يمكن للإعلانات عبر الإنترنت أن تكون مصدر إلهاء، إن لم تكن مصدر إزعاج مباشر. لكن عندما يتصفح المستخدمون بنشاط بحثا عن منتجات معينة، وإذا لم يكونوا على وشك شراء شيء ما، فيمكنهم أن يكونوا أكثر تقبلا لرسائل الإعلانات إذا كانت مستهدفة بدقة.
يقول نيك آشلي، المدير في “دونهومبي”، شركة علوم البيانات التابعة لشركة تيسكو: “آخر شيء نريد فعله هو تقديم رسائل غير مهمة للأشخاص”. يتم تقديم عروض ترويجية مختلفة لأعضاء برنامج الولاء “كلوب كارد” الخاص بـ”تيسكو” الذين يبحثون عن المنتجات نفسها “استنادا إلى سلوك التسوق السابق”.
القدرة على الوصول إلى المتسوقين بالقرب من نقطة الشراء تتيح للمسوقين مجالا أكبر لتتبع تأثير إعلانات معينة. يقول جليسون: “هذا ما يسميه الكثير من الناس غاية الإعلان المنشودة. تحصل العلامات التجارية على تقارير فورية لإظهار مستوى أداء إعلاناتها”.
مسألة قيمة
مثل هذه الإعلانات لا تأتي بثمن بخس. يقول بعض من المستشارين في هذا القطاع إنه ليس غريبا أن يدفع المسوقون 10 أضعاف على الأقل مقابل مساحات على شبكات التجزئة الإعلامية مقارنة بالإعلانات “المبرمجة” على شبكة الإنترنت الأوسع، على الرغم من أن العوائد يمكن أن تكون أعلى في النهاية.
لكن لم يقتنع الجميع بفاعليتها. في الواقع، يقول بعض المسؤولين التنفيذيين في مجال الإعلانات، إن القدرة على تتبع الإعلانات التي تؤدي إلى عمليات الشراء ليست دائما متطورة كما هو موعود.
يقول بول فرامبتون، الرئيس العالمي لشركة استشارات التسويق الرقمي كونترول في إكسبوزد، إن المسوقين “يطلبون بشكل متزايد من شركات التجزئة إثبات” مقدار القيمة التي تضيفها مثل هذه الإعلانات. “إذا كنا ننفق على هذا، فهل يؤدي إلى زيادة المبيعات حقا أم أنه يجلب الأشخاص نفسهم الذين كانوا يأتون على أية حال؟”
يتمثل أحد القيود في أنه بخلاف الإعلانات الموجودة على شبكة الإنترنت المفتوحة، فإن الإعلانات التي يتم بيعها عبر شركات التجزئة تقتصر إلى حد كبير على موقع تلك الشركة المعينة. تقول أندريا لي، المديرة التنفيذية سابقا في “أمازون” التي أسست شركة ألوم للاستشارات في مجال التجارة الإلكترونية: “يمكنك وضع إعلان على موقع أمازون وقد يراه المتسوق، لكن قد يشتري المنتج من متجر تيسكو”.
كما أشارت إلى أن المستهلكين أصبحوا أكثر تقلبا منذ بداية الجائحة، ومن المرجح أن يتسوقوا لدى شركات تجزئة مختلفة. على الرغم من أن قدرة إعلانات التجزئة على توليد مقاييس أداء متعمقة للمعلنين “عالية جدا”، كما تقول لي، فإن “عمليا، قياسها أصعب مما يبدو”.
مع ذلك، جاذبية إعلانات التجزئة يمكن أن تكون أكبر من أن تفوت. في حين أن بعض شركات البضائع الاستهلاكية الكبرى، بما فيها “بيبسي كو” و”كرافت هاينز”، قد جربت البيع المباشر إلى المستهلك الذي يتم فيه تجنب شركات التجزئة، فإن معظم المشاريع في هذا القطاع محدودة.
تضيف ووكر أن اعتماد الموردين الدائم على بائعي التجزئة يعني أن كثيرا منهم يفتقرون إلى امتلاك بيانات عن الطرف الأول حول من يشتري منتجاتهم.
من جانبه، يقول فرامبتون إن بعض تجار التجزئة يحمون بحرص شديد المعلومات حول سلوك المتسوقين، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث “توترات” مع المعلنين. “إن ما تريده العلامات التجارية حقا هو إمكانية وصولها إلى البيانات، ولكن من الواضح أن تجار التجزئة يملكون هذه البيانات ولن يتخلوا عنها بسهولة”.
لكن لدى تجار التجزئة سبب وجيه يدعوهم لتقدير إمبراطورياتهم الإعلامية التي أنشأوها حديثا. نظرا لأن الاقتصاد العالمي المتدهور قد أضر بأعمالهم الرئيسة، أصبح الإعلان مهما لأرباحهم الإجمالية أكثر من أي وقت مضى.
في سلسلة تارجيت للسوبرماركت في الولايات المتحدة، كانت الإيرادات الفصلية المرتفعة من الإعلانات في تناقض صارخ مع باقي أقسام الشركة، التي خفضت توقعاتها لموسم التسوق في العطلات بعد انخفاض كبير ومفاجئ في أرباح الربع الثالث. حذر برايان كورنيل، الرئيس والمدير التنفيذي للشركة، من أن “المستهلكين تبدو عليهم علامات الإجهاد المالي بشكل متزايد”.
“شفافة تماما”
لكن مكافآت إعلانات التجزئة متاحة بشكل رئيس لمن يملك البنية التحتية التكنولوجية اللازمة للقيام بهذا التحول.
وجد تجار التجزئة الصغار، من ضمنهم كثير من سلاسل الشوارع الرئيسة، صعوبة كبيرة في الانتقال إلى التجارة الإلكترونية، كما يشير فرامبتون، فضلا عن اتخاذ “خطوة كبيرة” نحو الإعلانات الرقمية. كما أن جمهور المتسوقين الأصغر لا يجذب العلامات التجارية التي تسعى لاستهداف سوق شاملة.
في الجهة الأخرى من المعادلة، يمكن لإمكانية التوسع في مجالات “الربح البديل” مثل الإعلان أن تشجع الشركات على الاندماج. وهو من الدوافع وراء الاستحواذ الذي تخطط له عملاقة السوبرماركت الأمريكية كروجر على منافستها “ألبيرتسونز”.
تمتلك كلتا الشركتين بالفعل شبكات إعلامية للتجزئة – وهي “كروجر بريسيشن ماركيتينج” و”ألبيرتسونز ميديا كوليكتيف” – حتى أن المسؤولين التنفيذيين في شركتي البيع بالتجزئة أشاروا إلى أن المجموعة المدمجة سيكون باستطاعتها استهداف جمهور أوسع من خلال الإعلانات يصل إلى نحو 85 مليون أسرة.
حتى الآن، كانت إعلانات التجزئة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة أكثر تقدما منها في أوروبا. من أسباب ذلك هو الحجم، كما تقول ميليسا وايزهارت، الرئيسة العالمية لوسائل الإعلام في ميديا مونكس. نجح عدد قليل فقط من تجار التجزئة بالتوسع خارج نطاق الحدود الوطنية.
السبب آخر هو البيروقراطية، كاللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي. يقول راسخ من شركة نيكتار 360: “إن التشديدات المفروضة على خصوصية البيانات قوية أكثر في المملكة المتحدة وأوروبا”.
مع ذلك، يقول ماريانو ديلي سانتي، الناشط في خصوصية البيانات في منظمة أوبن رايتس جروب، إنه قلق من “التنميط السلوكي” على جانبي المحيط الأطلسي الذي وصل إلى مستوى متقدم.
كما يضيف أن التباين بين بيانات الطرف الأول وبيانات الطرف الثالث مبالغ فيه: سجلات شراء المنتج يمكن أن تضم معلومات شخصية شديدة الحساسية.
لم يعط المتسوقون، في كثير من الأحيان، موافقة مسبقة للمعلنين لاستهدافهم عبر تجار التجزئة، كما يضيف. “إن حقيقة أن ذلك يتم من خلال منصة مركزية، عوضا عن الحصول على بعض البيانات عبر شبكة الإنترنت، لا يغير كثيرا في المخاطر”.
يقول تجار التجزئة إن المستهلكين يتوقعون عروضا مصممة خصيصا لتتوافق مع اهتماماتهم، لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون أنهم يأخذون أمن بياناتهم وخصوصيتهم على محمل الجد. في محال “سينزبوريز” و”أرجوس”، مثلا، يقول راسخ إن عملاء برامج الولاء قد منحوا موافقتهم على الإعلانات الرقمية. “إنها شفافة تماما، ومن السهل إلغاء الاشتراك فيها”.
مع ذلك، لا يزال راسخ وآشلي من “تيسكو” يقولان إن الصناعة يجب أن تحرص على عدم الإفراط في خلق بيئة تسويقية حيث تصبح كل مساحة يمكن تصورها في الواقع فرصة للإعلان. على حد تعبير آشلي، فإن “تيسكو” تتجنب “وضع كل أشكال الإعلانات التي يمكن أن نتصورها على موقعها الإلكتروني”.
مع ذلك، يضيف آشلي أن إعلانات التجزئة يمكن أن تنمو في نهاية المطاف لتصبح كبيرة في الأسواق الأخرى كما هي في الولايات المتحدة. تراجع الإعلانات التي تعتمد على ملفات تعريف الارتباط، يعني على وجه الخصوص “أنه سيكون من الصعب على العلامات التجارية أن تستهدف عملاءها” عبر المنصات الرقمية الأخرى.
يقول آشلي إن “الوقت مبكر جدا” بالنسبة إلى إعلانات التجزئة في أوروبا.