سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مايا زيفانوفيتش
رد الاتحاد الأوروبي باستياء على خطة صربيا للانضمام إلى الكتلة الاقتصادية التي تقودها روسيا الشهر المقبل، قائلاً إن الدول يجب أن تعمل على تنسيق سياساتها مع بروكسل، وليس مع موسكو.
لكن البيانات الواردة تشير إلى أن شركات الاتحاد الأوروبي، في الواقع، تستفيد كثيرًا من علاقات صربيا الحميمة مع الكرملين.
كانت صربيا قد وقعت اتفاقية التجارة الحرة مع روسيا في عام 2000، بالتوازي مع خطة للانضمام إلى روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان في “الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي”، EAEU، في 25 أكتوبر؛ وهو ما يعدُّ أحدث دليل على العلاقات القوية بين بلغراد وموسكو، وذلك على الرغم من الهدف المعلن سابقًا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
فالاتحاد يقول إن صربيا ستضطر إلى إلغاء أي صفقات تجارية ثنائية أبرمتها مع دول أخرى بشأن الانضمام إلى الكتلة. لكن في الوقت الذي يزداد فيه الإحباط في بلغراد بخطى بطيئة للتقدم نحو الانضمام، فإن الشركات التي تتخذ من الاتحاد الأوروبي مقرًا لها تجني أرباحًا طائلة من خلال التجارة مع روسيا.
ووفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصربية، فإنه من بين أكبر 20 شركة مُصَدِّرة من صربيا إلى روسيا، هناك خمسة فقط مملوكة للصرب، وإن أربع عشرة شركة يقع مقرها الرئيسي في الاتحاد الأوروبي، وفي المراكز العشرة الأولى، هناك اثنتان فقط من صربيا.
أول الشركات على رأس القائمة شركة “إطارات تايجر” Tigar Tyres، ومقرها مدينة “بايروت” Pirotشرقي صربيا، والتي تمتلكها شركة “ميشلان” الفرنسية منذ 2009، وهي أكبر شركة لصناعة الإطارات في العالم.
وقد أعلنت شركة “ميشلان بيرن” أن صادرات إطارات تايجر إلى روسيا تبلغ نحو40 مليون يورو، أو أكثر من 10% من القيمة الإجمالية لصادرات تايجر. وقالت إن اتفاقية التجارة الحرة لصربيا مع روسيا كانت تمثل عاملاً في قرار شراء شركة “بايروت”Pirot. وإن “هناك العديد من العوامل التي يمكن أخذها في الاعتبار فيما يتعلق بوجود ميشلان في صربيا من خلال إطارات تايجر”. وأعلنت شركة “برين”BIRNفي رد مكتوب فحواه أن اتفاقية التجارة الحرة مع روسيا، إنما هي مجرد أحد العوامل، لأنها توفر وضعًا تنافسيًا، إلى جانب طلب السوق لأهداف نمو الشركة.
انضمام الاتحاد الأوروبي احتمال بعيد المنال
على مدار سنوات، اتبعت صربيا عملية توازن دقيقة بين هدفها الاستراتيجي طويل الأجل، المتمثل في عضوية الاتحاد الأوروبي، وتعزيز العلاقات التقليدية الوثيقة مع زميلها، حلفائها الرئيسيين، في دعم مزيد من التكامل الدولي لمقاطعة كوسوفو الصربية السابقة.
لكن، في حين تصر الحكومة الصربية التي يقودها المحافظون على أن مستقبل البلاد يعدُّ جزءًا من الاتحاد الأوروبي، فإن حماس الاتحاد الأوروبي المتزايد نحو التوسع قد غذّت نزعة الإحباط في بلغراد وغيرها من دول البلقان. وفي 29 أغسطس الماضي، حذَّر الألماني “ديفيد مكاليستر”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي، من الامتثال لالتزامات صربيا بموجب اتفاق الاستقرار والانتساب مع الاتحاد الأوروبي، ذلك أن أي اتفاق بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الآسيوي يجب أن يحتوي على “بند الخروج”، حتى إنه يمكن لصربيا الانسحاب في الوقت الذي تنضم فيه إلى الاتحاد الأوروبي.
وأشار وزير الخارجية الصربي “إيفيكا داتشيك”، إلى أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا يزال بعيد المنال. وحث وزير الخارجية السلوفاكي “ميروسلاف لاجاك”، وهو مبعوث سابق للاتحاد الأوروبي في البلقان، صربيا على إبداء الجدية. وقال في هلسنكي: “إذا كنت جادًا في توجهاتك الأوروبية، فاتخذ قرارات سياسية تقربك منها”.
من الإطارات إلى الجوارب
على الجانب الآخر، فإن شركات الاتحاد الأوروبي تبدو أقل إزعاجًا من الزعماء السياسيين للكتلة. فوفقًا لبنك صربيا الوطني، في الفترة من 2010 إلى 2018، جاء 70 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر في صربيا من الاتحاد الأوروبي: 11.3 في المئة من فرنسا، و9.1 في المئة من ألمانيا، و6.3 في المئة من إيطاليا، و0.8 في المئة من جمهورية التشيك. أمَّا روسيا، فشكلت 9.1 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر.
وبغض النظر عن ملكية الشركة، فإذا تمَّ إنتاج ما لا يقل عن 51% من القيمة الإجمالية للمنتج في صربيا، فإن هذا المنتج يعدُّ مؤهلاً للتصدير إلى روسيا بموجب اتفاقية التجارة الحرة. وبجانب شركة تايجر المملوكة لشركة “ميشلان”، فإن قائمة كبار المصدرين إلى روسيا من صربيا تشمل شركة “فالي” Valy، وهي شركة تابعة لشركة صناعة الجوارب الإيطالية الشهيرة “جولدن ليدي” Golden Lady Company، وشركة “هيمو فارما” Hemofarm، وهي شركة أدوية مملوكة لمجموعة “ستادا” STADA الألمانية، وشركة “تيترا بيك صربيا” Tetra Pak Serbia، وهي مملوكة لشركة “تيترا” القابضة Tetra Laval Holdings الهولندية. بالإضافة إلى شركة تصنيع الأرضيات الخشبية المملوكة لشركة “تاركيت” Tarkett الفرنسية، والشركة المصنعة للمضخات “جراند فوس” Grundfos من صربيا.
وعند سؤال أكبر 10 مصدرين عن قيمة صادراتهم إلى روسيا وأهمية اتفاقية التجارة الحرة، أجابت “ميشلان” أنه وفقًا للمعهد الإحصائي الصربي، فقد بلغ إجمالي الصادرات من صربيا إلى روسيا في عام 2018 ما قيمته 864.9 مليون يورو، وهو مبلغ مهم بالنسبة لصربيا، لكن الشركة قللت من قيمة الصادرات المتجهة نحو الاتحاد الأوروبي. ويمثل السوق الروسي 6% من الصادرات الصربية، مقارنة بـ65% تباع في الاتحاد الأوروبي، و20% في منطقة البلقان الصربية غير التابعة للاتحاد الأوروبي.
وفي هذا يقول “فلاديمير ميدجاك”، نائب رئيس الحركة الأوروبية لصربيا، التي تدعو إلى المزيد من التكامل الأوروبي لصربيا، إن انضمام صربيا إلى كتلة الدول الأوروبية الآسيوية من غير المرجح أن يحدث فرقًا كبيرًا بالنسبة للمُصَدِّرين الكبار، نظرًا لأن صربيا لديها بالفعل اتفاقيات تجارة حرة مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. لكن الفارق سيكون بعد التوقيع، فيما يعدُّ تدشينًا للتجارة مع أرمينيا وقيرغيزستان، وهو ما لا يكاد يذكر في الوقت الراهن. وبالتالي، فإن صربيا توقع هذا الاتفاق حتى لا تفقد الاتفاقية الحالية مع روسيا، وهو ما يرجع إلى حقيقة أن جميع أعضاء التكتل الأوروبي الآسيوي سوف يتبعون في المستقبل سياسة التجارة الخارجية بشكل مشترك؛ وهو ما يعني أن صربيا ليس لديها خيار غير ذلك.
التفاح البولندي
أثارت شروط التجارة التفضيلية لصربيا مع روسيا جدلاً من قبل ذلك، حيث كانت هناك حالات تراجعت فيها السلع المنتجة في الاتحاد الأوروبي، وذلك فيما يعدُّ انتهاكًا للحظر التجاري الروسي المفروض ردًا على عقوبات الاتحاد الأوروبي بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا في عام 2014. وفي عام 2015، على سبيل المثال، اتهمت روسيا صربيا بإعادة تصدير التفاح البولندي. وفي العام الماضي، فرضت موسكو قيودًا على استيراد الكُمثرى. وفي مايو من هذا العام، حظرت استيراد اللحوم من عدد من الشركات في صربيا.
وقد قالت “جيلينا يوفانوفيتش”، مديرة قسم العلاقات الاقتصادية الدولية بغرفة التجارة الأوروبية، إن صربيا لا تقرر وحدها إن كانت البضائع مؤهلة للتصدير إلى روسيا. وأضافت أن هذا يتم تحديده من خلال اتفاقية التجارة الحرة الموقعة والمصدق عليها من كلا البلدين. وقالت “إنه ليس قرار المؤسسات الصربية فقط، إذ تأتي هيئة التحكم الروسية إلى صربيا مع فريق من الأشخاص للإشراف على عملية الإنتاج الكاملة”. وبالتالي، فإن الطريقة القانونية الوحيدة لشركة أوروبية للتغلب على الحصار الروسي هي نقل الإنتاج إلى صربيا.
والطبع، فإن هناك بعض رجال الأعمال، الذين يجهلون عواقب مخالفة القوانين. وفي مواجهة الحروب التجارية، تتاح فرصة العمر لمثل هؤلاء الأشخاص. وفي سان بطرسبورغ، وصف وزير الصناعة الصربي، في يونيو الماضي، بأن “صربيا هي الجسر الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا”.
ذلك أن عددًا كبيرًا من الشركات من الاتحاد الأوروبي، قد فتحت بالفعل مصانع للصناعة في صربيا حتى تتمكن من التصدير من بلدنا إلى روسيا، إذ إن هذه الشركات معفاة من الضرائب.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: البلقان إنسايت Balkan Insight
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر