شراكة القطاعين العام والخاص لتحقيق انتعاش حقيقي بعد الجائحة | مركز سمت للدراسات

شراكة القطاعين العام والخاص لتحقيق انتعاش حقيقي بعد الجائحة

التاريخ والوقت : الخميس, 20 يناير 2022

أنجيل غوريا 

 

تعد الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضرورية لتحقيق انتعاش قوي وشامل، وللتصدي للتحديات المتداخلة التي نواجهها. وتتطلب المشاكل العالمية اليوم التفكير من جديد بشأن أدوار الشركات والحكومات والمجتمع المدني، وكيفية العمل معاً بصورة أفضل.

ولا يكفي أن تحكم الحكومات ببساطة في السوق أو أن «تنسحب بعيداً». فالحكومات مطالبة بتشكيل الأسواق وخلقها، من خلال تحفيز بعض الاستثمارات والتخلص من البعض الآخر، ومن خلال إنشاء دعم هادف وأطر تنظيمية. وفي كثير من الأحيان، لولا الدعم العام لما تمكن القطاع الخاص من الابتكار في مجال التكنولوجيا، والرعاية الصحية، والقطاعات الأخرى. ويمكننا أن نكون مُمتنين للحكومات على الأبحاث الأساسية التي أدت إلى ظهور الإنترنت، والطاقة النظيفة، واللقاحات.

وستتطلب إدارة التحولات الخضراء والرقمية- بما في ذلك الاتجاه نحو المزيد من التشغيل الآلي التي من المقرر أن تحل محل العمالة-، عقب الجائحة، جهداً كبيراً لإعادة تشكيل مهارات العمال وصقلها. ففي الاتحاد الأوروبي، توفر 75% من الشركات التي يعمل بها أكثر من عشرة موظفين تدريباً لعمالها وتموله جزئياً. ولكن يتعين على المزيد من الشركات والحكومات أن تحذو حذوها لتوسيع نطاق الوصول إلى التدريب لمن هم في أمس الحاجة إليه، ولا سيما البالغين ممن مهاراتهم الأساسية ودخولهم ضعيفة.

ومن ناحية أخرى، يضطلع أرباب العمل بدور حاسم في ضمان أقصى قدر من الفاعلية في مختلف أنظمتنا التعليمية والتدريبية. وتحتاج الحكومات وأرباب العمل إلى التعاون لمساعدة الطلاب على الاستفادة من التعلم القائم على العمل- على سبيل المثال، من خلال القيام بترتيبات أكثر مرونة وتطوير شراكات محلية بين المؤسسات التعليمية والشركات.

ويجب على أرباب العمل أيضاً المشاركة بنشاط أكبر في التوجيه المهني لإعداد شباب اليوم لعالم العمل. ويجب على الشركات أن تقوم بدورها في معالجة عدم المساواة بين الجنسين، من خلال تقديم إجازة والدية مدفوعة الأجر وتوفير رعاية للأطفال، ووضع قواعد الشفافية في الأجور، والانخراط في الدعاية غير المنحازة للوظائف.

وعلى هذه الأسس الوطيدة يمكننا البدء في بناء أسس جديدة للازدهار الاقتصادي على المدى الطويل بعد «كوفيد 19». إن حجم ونطاق ما نواجهه من تحديات لم يسبق لهما مثيل. لذا ينبغي لنا مناقشتها والتغلب عليها من خلال المنتديات العالمية مثل منتدى باريس للسلام. فقد اعتمد الكثيرون شعار «إعادة البناء بأسلوب أفضل». ولكن لا يمكننا حل مشاكل اليوم بالعودة إلى حلول الأمس. فنحن بحاجة إلى المضي قدماً بصورة أفضل.

أدى فيروس «كوفيد 19» إلى زيادة التركيز على العديد من التحديات التي ظل العالم يواجهها منذ فترة طويلة، بما في ذلك تزايد مستوى عدم المساواة، والوصول غير الكافي إلى رعاية صحية وتعليم مناسبين، وتغير المناخ. وقبل الوباء بوقت طويل، بدأ الناس يطرحون أسئلة صعبة حول العولمة والتقدم التكنولوجي. ورغم خلق الثروة وتقليص الفقر العالمي في العقود الأخيرة، ظلت الفرص الاقتصادية بعيدة المنال بالنسبة لكثير من الناس، بغض النظر عن قدراتهم. ويشكل الانقسام الناتج في المجتمع تهديداً خطيراً لسلامة الشركات، والمواطنين، والاقتصاد على المدى الطويل.

ويرى الكثيرون أن الوباء لحظة فاصلة في صنع السياسات العالمية. فهي فرصة للتفكير بطموح ونادراً ما تُسنح للمرء. وتمنح الأزمة فرصة لإرساء أسس جديدة لاقتصاد أكثر استدامة ومرونة وشمولية. ولكن كيف سيبدو اقتصاد كهذا وكيف سيبدو مجتمع مرن؟- ما هي المبادئ التي يجب اعتمادها عند اتخاذ الاختيارات الصعبة؟ وكيف نضمن أن الجميع متفقون؟

تعتبر مبادرة «الأعمال من أجل النمو الشامل»، وهي شراكة استراتيجية بين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و35 شركة عالمية كبرى، إحدى المبادرات الرئيسية التي تسعى إلى تغيير طريقة إنجاز الأعمال. وقد تأسست في عام 2019 في قمة قادة مجموعة السبع، وتجمع كيانات القطاعين الخاص والعام لدعم تطوير نماذج أعمال أكثر شمولاً، التي بدورها تعد اللبنات الأساسية لنموذج اقتصادي أكثر استدامة.

ويعني الإدماج، هنا، توفير المزيد من الوصول المتكافئ إلى الوظائف الجيدة وفرص التدريب. ويعني أيضاً الالتزام بالتنوع والتوازن بين الجنسين وحقوق الإنسان.

وتتمثل إحدى الأولويات الرئيسية لمبادرة «الأعمال من أجل النمو الشامل» في إعادة التفكير في كيفية قياس أداء الشركة. وبتعاون مع مركز منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للرفاهية، والشمول والاستدامة، وتكافؤ الفرص، يستكشف التحالف كيف يمكن دمج مؤشرات الأداء غير المالية- مثل رفاهية أصحاب المصلحة والبصمات البيئية- في نماذج الأعمال.

ويثبت النمو السريع الذي شهده التمويل المستدام في السنوات الأخيرة أن جهوداً ذات نطاق أوسع بُذلت لتجاوز المقاييس المالية البحتة والناتج المحلي الإجمالي. إذ تستجيب الآن أكثر من 30 تريليون دولار من الأصول في جميع أنحاء العالم لمستوى معين من المعايير البيئية والاجتماعية وتلك المتعلقة بالحوكمة، مما يمثل زيادة بأكثر من 30% عن عام 2016. ويؤكد صعود الاستثمار المبني على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الدور الحيوي الذي يجب أن يضطلع به التمويل في دمج المقاييس غير المالية في تخصيص رأس المال عبر مختلف قطاعات الاقتصاد العالمي.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

[mc4wp_form id="5449"]

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر