شجاعة الأمير محمد بن سلمان تجذب الأنظار عالميًا.. قراءة في تداعيات حوار ولي العهد السعودي مع بلومبيرغ | مركز سمت للدراسات

شجاعة الأمير محمد بن سلمان تجذب الأنظار عالميًا.. قراءة في تداعيات حوار ولي العهد السعودي مع بلومبيرغ

التاريخ والوقت : السبت, 6 أكتوبر 2018

وضعت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، سلة من الحقائق أمام الرأي العام العالمي، لا سيما عندما اتسمت بـ”الجرأة” والصراحة والرد القوي المحبوك بذكاء سياسي ودبلوماسي استطاع أن يستحوذ على إشادة الجميع باعتباره سدد ركلة في مرمى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عندما أعاد تصريحاته عليه بمكيال دبلوماسي، كما حدد الخطوط العريضة للسياسة السعودية في مختلف القضايا والملفات الدولية.(1)

رسائل ومضامين

المقابلة واسعة النطاق حملت العديد من الرسائل، بعضها مباشر، وأخرى غير مباشرة، وهو ما ركزت عليه وسائل الإعلام الدولية، بالإضافة إلى العربية التي أبرزت جوانب عديدة من شجاعة ولي العهد السعودي، في اقتحام كافة القضايا برؤية سعودية واضحة، ألقت بتداعيات إيجابية على الصعيدين العالمي والعربي، حيث تمثل جانبًا من الرسائل التي حملتها المقابلة في الآتي:

1- اختيار صحيفة أميركية للرد من خلالها، بعث برسالة قوية إلى الرئيس دونالد ترمب، عن مدى الشجاعة التي يتمتع بها ولي العهد السعودي.

2- الظهور من خلال صحيفة اقتصادية جسّد في المقام الأول الرؤية التي يحملها ولي العهد السعودي، منذ قدومه إلى منصب القيادة، كما أتاح له الكشف عن ملامح المملكة الجديدة التي تجسدها رؤية السعودية 2030 التنموية.(2)

3- الإطلالة عبر الصحيفة الاقتصادية للرد على تصريحات سياسية للرئيس الأميركي، كأن ولي العهد يثبت بعدًا تبادليًا اقتصاديًا للعلاقات بين البلدين.

4- إتاحة المساحة الأكبر للقضايا الاقتصادية، يكشف إلى – حد بعيد – الوجه الجديد للمملكة التي تعتزم الانتقال إلى مصاف الدول الاقتصادية الكبرى عبر مشروعات تنموية وإصلاحات اقتصادية.

5- أظهرت تفاصيل الحوار مدى الإلمام الذي يمتلكه ولي العهد السعودي، بأدق تفاصيل الوضع في السعودية على كافة المستويات، لا سيما الاقتصادية.(3)

 6- عدم انتظام موضوعات الأسئلة بشكل مرتب، يُظهر أن المحاورين منعوه من الاسترسال، رغم ذهنه الحاضر، وقدرته على الإجابة بأدق التفاصيل وبالأرقام.(4)

العلاقات الأميركية السعودية

الإشادة الأكبر التي حظي بها حوار ولي العهد السعودي، تمثلت في الردود على العلاقات السعودية الأميركية في أعقاب تصريحات دونالد ترمب، أطلق إزاءها الأمير محمد بن سلمان، جملاً تحمي السيادة السعودية، عندما قال إن بلاده لا تحصل على الأسلحة من الولايات المتحدة بالمجان، بل إن التحول الذي شهدته المملكة خلال السنوات الماضية والذي دفعها لتنويع مصادر التسلح، وضع في حوزة أميركا 60% من الصفقات التي دفعت فيها المملكة أموالاً باهظة، وهو ما يدحض تصريحات ترمب التي اعتبرت مسيئة للعلاقات مع السعودية.

يمكن استنتاج جملة من المعاني من تصريحات ولي العهد السعودي، بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة، في التالي:

1- ركزت أغلب المعالجات وردود الفعل على جملة ولي العهد السعودي، بأن “السعودية تدفع ثمن كل مشترياتها من السلاح الأميركي”، في ردّ على مزاعم دونالد ترمب.(5)

2- ردّ الأمير محمد بن سلمان كان أكثر قسوة على الرئيس الأميركي عندما قال إن السعودية كانت موجودة قبل أكثر من 30 عامًا من وجود الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يعطي ردًا محبوكًا يتسق مع الخطاب الذي يُعليه الرئيس الأميركي عندما قرر التخلي عن الدبلوماسية واحترام العلاقات بجملته التي قالها أمام حشد في إحدى الولايات.(6)

3-الأمير محمد بن سلمان، أظهر قدرًا من الذكاء الدبلوماسي يفوق الرئيس الأميركي، عندما قال بوضوح “يجب عليك تقبل أن أي صديق قد يقول أمورًا جيدة وسيئة، لذلك لا يمكنك أن تحظى بأصدقاء يقولون أمورًا جيدة عنك بنسبة 100% حتى داخل عائلتك. سيكون هناك سوء فهم، لذا نحن نضع ذلك ضمن هذا الإطار”، إذ وضعت هذه الجملة شريطًا لنهاية أي تلاسن أو تصريحات متبادلة بين الطرفين، وضعها الأمير السعودي الشاب بحنكة سياسية حيث سحب البساط إلى دائرة الدبلوماسية التي تحافظ على العلاقات بين البلدين.(7)

4- بشأن تصريحات التسليح كان لولي العهد السعودي، جملٌ مرقمة، واضحة لا تحمل شعارات بقدر أنّها تحمل دلالات ويتحدث من واقع أرقام وإحصاءات، لا سيما عندما قال “استراتيجيتنا للتسلح جعلت أكثر من 60% منها من الولايات المتحدة الأميركية بحوالي 400 مليار دولار”، وهو ما يعني أن تصريح “السعودية لا تستطيع البقاء أسبوعين بدون أميركا” مردود عليه بأن السعودية تحصّن نفسها عسكريًا بأموالها، لا سيما عندما قال إن “ذلك سيخلق وظائف في أميركا”؛ إذ بإمكانها استبدال مصادر التسليح إلى جهة أخرى.(8)

5- ركل الأمير محمد بن سلمان، بالأزمة إلى ملعب الولايات المتحدة التي أرجع – ربَّما – التزمر إلى أمور تتعلق بأسعار النفط، كما تمسّك بموقف السعودية الذي يربط أسعار النفط فقط بالعرض والطلب، وليس لطلبات مقدمة من الولايات المتحدة للسعودية.(9)

إحراج تركيا

ركزت ردود الفعل – أيضًا – سواء على الصعيد العربي أو الدولي، على الإحراج الذي وقعت فيه تركيا بشأن قضية الصحفي جمال خاشقجي، عندما أبدى ولي العهد السعودي، استعداد المملكة السماح لتركيا بتفتيش قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول؛ لتتأكد من صدق بيانات المملكة بأن الصحفي جمال خاشقجي غادر القنصلية يوم الثلاثاء، وأنه غير موجود فيها، على خلاف مزاعم مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وناطقه الرسمي، بل باتت تركيا أمام مأزق آخر عندما تكون مطالبة بتفسير ظروف غياب مواطن أجنبي على أراضيها، فضلاً عن تداركها ادعاء وجود الصحفي السعودي داخل القنصلية.(10)

احتفاء عربي

واحتفت الصحافة العربية الصادرة، صباح اليوم، على صدر صفحاتها، بحوار ولي العهد السعودي، نظرا لما تضمنه من مستوى عال من الجرأة والإلمام والوضوح والشفافية واستعراض معالم “رؤية السعودية 2030” بكافة تفاصيلها.

على رأس تلك التغطيات تأتي الصحف السعودية، التي فتحت المجال لتحليل مضمون الحوار والانتقال من خانة الدفاع عن الذات إلى الافتخار بمستوى الحوار الذي جاء ردًا قاسيًا على الرئيس الأميركي في مقامه الأول، بالإضافة إلى الإسهاب في تفاصيل رؤية المملكة التنموية، حيث جاء على صدر صحيفة “الجزيرة” تقرير تحت عنوان “تحدث.. فصمت العالم”، الأمر نفسه مع صحيفة “عكاظ” التي كتبت تحت عنوان “ولي العهد: اليوم نحن أقوى بكثير.. أسلحتنا حصلنا عليها بأموالنا.. وقادرون علـــى حماية مصالحنا.. وسقف طموحاتنا مرتفع”، بالإضافة إلى عدد كبير من المواقع الإلكترونية والنشرات الإخبارية.(11)

من السعودية إلى الإمارات، كانت المواقع الإلكترونية والصحافة المطبوعة على موعد مع احتفاء بمدى قدرة الأمير الشاب على تلقين عدة جهات دروسًا قاسية في القدرة القيادة الرشيدة، وعلى رأسها موقعا “إرم نيوز”، و”موقع 24″ و”سكاي نيوز”.. وغيرها.(12)

وفي الصحافة المصرية كانت العناوين معبرة عن انتصار جديد للمملكة على الإدارة الأميركية عندما كانت الصحافة المحلية تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر على القوات الإسرائيلية في السادس من أكتوبر، كان ملازمًا بجانب صدر صفحاتها لتقارير إخبارية تفيد بأن ولي العهد السعودي، ألقى بالكرة في مرمى أميركا من جديد، عندما أطلق تصريحات للوكالة الأميركية تعيد على دونالد ترمب مزاعمه، على رأي”بوابة الأهرام”الحكومية التي أبرزت قولولي العهد السعودي “أميركا لا تعطينا الأسلحة بالمجان”.(13)

 

ملف وحيد

اكتفى ولي العهد السعودي، في حواره بشأن الملفات الإقليمية أو السياسية بملف اليمن، أو هكذا أعدّت الأسئلة التي وُجِّهت إليه، والتي بدت في جميعها غير مرتبة على مستوى الأفكار والتخصصات، حيث تطرق الأمير محمد بن سلمان إلى الحرب في اليمن، بقوله “نأمل في أن ينتهي ذلك في أقرب وقت ممكن. نحن لا نريد ذلك على حدودنا. ولكننا بالطبع لا نريد أن يكون لدينا حزب الله جديد في شبه الجزيرة العربية”، وهي الإشارة التي تبدو واضحة بشأن العلاقات مع إيران، والتي تتفق فيها الولايات المتحدة على مستوى الخطاب الرسمي بضرورة وقف التصرفات الإيرانية في المنطقة.(14)

الأمن القومي

بدا ولي العهد واثقًا في إجاباته التي تضمنت نتائج التعاون الدولي مع المملكة العربية السعودية ضد الأيدولوجيات المتطرفة والإرهاب، ما أدى إلى اختفاء تنظيم “داعش” في فترة قصيرة جدًّا في العراق وسوريا، ونسف العديد من الروايات المتطرفة في العامين الماضيين، وهو ما اعتبره أحد أهم التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في فترة قصيرة للغاية.

الاستراتيجية الدولية لحفظ الأمن القومي بمنطقة الشرق الأوسط كانت واضحة في تصريحات ولي العهد السعودي، لاسيما أنّ المملكة كانت ولا تزال رأس الحربة في التصدي لمحاولات العبث بأمن المنطقة، خاصة الخليج العربي، من قبل قوى دولية وعلى رأسها إيران التي سماها في العديد من المواضع على طول الحوار.

الحماية الاجتماعية

تضمنت تصريحات ولي العهد إلقاء نظرة على الحماية الاجتماعية التي تعكف المملكة على توفيرها، لاسيما ما يتعلق بخلف وظائف عامة تتسق مع رؤية 2030، التي اعتبرها خطوة في إطار الصناعة التحويلية في المملكة، بالإضافة إلى مخطط الوصول بإنتاج النفط إلى أكثر من 3 ملايين برميل من البتروكيماويات في العام 2030، معظمها في المملكة العربية السعودية، وهو ما يخلق فرصاً كبيرة للنمو الاقتصادي والوظائف، بالتوازي مع خطة أكبر اكتتاب عام في تاريخ البشرية عبر الاكتتاب العام لشركة أرامكو، وهي الرسائل التي أراد من خلالها ولي العهد أن يبث الثقة لدى المجتمع السعودي بالنسبة لثمار التنمية الاقتصادية، لكنّ الأمير محمد بن سلمان كان واضحًا حين تحدث عن أن إعادة هيكلة لا تحدث دون وجود آثار جانبية، وهو ما يحتاج إلى التمهل في الحكم على التجارب التنموية في عمومها.

النتائج

1- اتسمت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع وكالة “بلومبيرغ” الأميركية، بـ”الجرأة” والصراحة والرد القاسي المحبوك بذكاء سياسي ودبلوماسي.

2- المقابلة واسعة النطاق حملت العديد من الرسائل، سواء من خلال اختيار صحيفة أميركية، وإتاحة مساحة أكبر للقضايا الاقتصادية، رسمت حدودًا لـ”رؤية السعودية 2030″.

3- الإشادة الأكبر التي حظي بها حوار ولي العهد السعودي، تمثلت في الردود على العلاقات السعودية الأميركية في أعقاب تصريحات دونالد ترمب، حيث أظهر الأمير محمد بن سلمان، قدرًا من الذكاء الدبلوماسي يفوق الرئيس الأميركي.

4- بدت تركيا في موقف لا تحسد عليه بشأن قضية الصحفي جمال خاشقجي، لا سيما عندما أبدى ولي العهد السعودي، استعداد المملكة السماح لتركيا بتفتيش قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول.

5- لم يغب الاحتفاء العربي بحوار ولي العهد السعودي، لما تضمنه من مستوى عال من الجرأة والإلمام والوضوح والشفافية.

6- اكتفى ولي العهد السعودي، في حواره بشأن الملفات الإقليمية أو السياسية بملف اليمن، أو هكذا أعدّت الأسئلة التي وُجِّهت إليه.

وحدة الرصد والمتابعة*

المراجع

1- حوار ولي العهد السعودي في وكالة “بلومبيرغ” الأميركية على ثلاثة أجزاء:

https://bloom.bg/2C1JfPP

https://bloom.bg/2y3DjTE

https://bloom.bg/2OIwhgm

2- المرجع السابق.

3-أبرز التعقيبات على حوار محمد بن سلمان لـ”بلومبيرغ”.. “أحاط بالتساؤلات والمخاوف”.. اليوم السابع.

4-حوار ولي العهد السعودي مع وكالة “بلومبيرغ”.. روسيا اليوم.

5-محمد بن سلمان: أحب العمل مع ترمب.. ونشتري السلاح الأميركي بأموالنا.. سي إن إن. https://cnn.it/2E3uhLD

6-محمد بن سلمان: السعودية موجودة قبل أميركا بـ30 عاماً . العربية. نت

7- محمد بن سلمان: علاقتنا مع ترمب ممتازة ولن ندفع شيئًا مقابل أمننا. البيان

8-محمد بن سلمان يرد على تصريحات ترمب بخصوص حاجة السعودية لـ”حماية” أميركية. إرم نيوز

9- ولي العهد السعودي يكشف مصير سعر “النفط”.. محمد بن سلمان: هذا ردنا على الطلب الأميركي. صوت الأمة

10- اختفاء جمال خاشقجي يحرج تركيا بعد تصريح محمد بن سلمان. إرم نيوز

11- صحف السعودية تبرز ردود محمد بن سلمان النارية على ترمب. صدى البلد

12- ولي العهد السعودي: لن ندفع شيئًا مقابل أمننا. موقع 24. http://bit.ly/2Nsmw1l

13- ولي العهد السعودي يرفض تصريحات ترمب: أميركا لا تعطينا الأسلحة بالمجان. بوابة الأهرام. http://bit.ly/2ykvgB5

14- محمد بن سلمان يحدد متى ستنتهي الحرب في اليمن. روسيا اليوم. http://bit.ly/2RwIxPR

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر