وتشكّل هذه المنابر فضاءات لترسيخ حرية التعبير وتنوّع الآراء بصدد مختلف القضايا، خصوصاً أنها تعجّ بالمواقف المتباينة. وينبثق استثمار هذه الشبكات من الحق في الاتصال والإعلام كحقّ من حقوق الإنسان التي تضمنها الدساتير والتشريعات الداخلية والمواثيق الدولية (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، في ارتباط ذلك بحقّ الفرد في الاتصال والولوج إلى المعلومات والاستفادة من تكنولوجيا الاتصال الحديثة.
وفرت هذه الشبكات فرصاً كبيرة أمام الأشخاص، ما جعلها تتجاوز في تأثيراتها المنابر الإعلامية التقليدية، بعدما أضحت بمثابة آليات للمرافعة والنقاش بشأن الحقوق والحريات، وعدد من القضايا التي تهم المجتمع، حيث سمحت بظهور ما يسمى بالمواطن الصحفي، ما جعلها تسهم بشكل كبير في تشكيل وتوجيه الرأي العام على المستويين الوطني والدولي.
يستأثر الإعلام والاتصال بأهمية قصوى خلال فترات الكوارث الطبيعية، وخاصة على مستوى تنوير الرأي العام والتواصل بشأن تطورات الوضع، وكذا المساهمة في تدبير الانعكاسات الناجمة عن الكوارث، والتخفيف من ضغطها.
فالكوارث التي تحيل إلى محطات ضاغطة، وإلى حوادث مفاجئة، تتمخض عنها مجموعة من الخسائر في الأرواح، والمنشآت، والبنى التحتية، والمصالح الاقتصادية، تفرض ضغطاً كبيراً على صانعي القرار، وتتطلب انخراط عدد من الفاعلين من أجل المساهمة في إدارتها، بالنظر إلى الفجائية التي تطبعها، وبالنظر أيضاً إلى السرعة التي تتطور بها، وحالات الفزع التي تخلفها داخل المجتمعات، إضافة إلى بروز أزمات فرعية اقتصادية واجتماعية ونفسية وصحية أخرى تتطلب المتابعة أيضاً.
وفي الوقت الذي يمكن لهذه الشبكات أن تلعب أدواراً بنّاءة تدعم الانخراط في مواجهة هذه المحطات القاسية على المستويين، الأفقي من حيث ترسيخ الوعي وإطلاق الإرشادات، وتقديم العون، وكذا العمودي عبر رصد الأضرار، والوقوف على الحاجيات المطلوبة والمرافعة بشأنها أمام صانعي القرار. يمكن لتدخلاتها في هذا الشأن أن تتّخذ في أحيان أخرى طابعاً هدّاماً، عبر إطلاق الإشاعات والأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة، بما يؤثر سلباً في استراتيجية إدارة الكوارث التي تنهجها الدول.
لا يمكن إنكار الجهود التي قامت بها دول كثيرة في ضبط المجال الإلكتروني، عبر سنّ قوانين، حاولت من خلالها الموازنة بين حماية حرية التعبير التي تدعم النشر الإلكتروني بكل أشكاله، انسجاماً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، من جهة، والحرص على ضمان الأمن الرقمي، عبر مواجهة الجرائم الإلكترونية المختلفة بقدر من الصرامة، من جهة أخرى. غير أن المفارقة القائمة بين بطء تطوّر التشريعات من جهة، وتسارع التطور الإلكتروني من جهة أخرى، يوسع الفجوة بينهما، بما يسهم في انتعاش الكثير من الاختلالات والخروق، وتربك سياسيات الدول خلال فترات الكوارث والأزمات.
المصدر: الخليج