سُبُل تمويل البنية التحتية الخضراء | مركز سمت للدراسات

سُبُل تمويل البنية التحتية الخضراء

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 8 نوفمبر 2022

أوتافيانو كانوتو، وكريم العيناوي

لن يكون من السهل حشد المدخرات الزائدة في الاقتصادات المتقدمة من أجل الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه في البنية التحتية الخضراء بالأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. لكن هذا ممكن إذا قام كل من القطاعين العام والخاص بأدوارهما.

فلتحفيز التنمية ومكافحة تغير المناخ، سوف تحتاج اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الخضراء خلال العقود القليلة المقبلة. لكن العديد من هذه البلدان لديها حيز مالي محدود، خاصة بعد صدمات السنوات القليلة الماضية. وفي ضوء ذلك، ولتلبية احتياجات البنية التحتية لبلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، بات من الواجب علينا تعبئة المدخرات الخاصة الزائدة في الاقتصادات المتقدمة. لكن السؤال هو: كيف يمكن ذلك؟ 

تتمثل الخطوة الأولى نحو بناء جسر بين المدخرات الخاصة والاستثمار في البنية التحتية في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية في فهم احتياجات المستثمرين. إذ يمتلك المستثمرون، مثل غيرهم من المستثمرين في مجال الديون والأسهم، الحوافز والقيود والأهداف الخاصة بهم، فالجميع يعمل على توجيه أموالهم نحو المشاريع الخضراء Greenfield مقابل المشاريع غير الصديقة للبيئة Brownfield، لذا يجب تحديد ماهية هذه المشروعات ومواقعها وتحديد مراحل دورة المشروع الخاصة بتطويرها أو تشغيلها. لكن يمكن أن تكون تغطية المخاطر غير كافية، فضلاً عما يكتنفها من نقص البيانات، وعدم تجانس هياكل المشروع والبيئات التنظيمية والمعايير التعاقدية التي تعد بمثابة حواجز أمام الاستثمار.

ويتمثل التحدي في تحديد “فرص الاستثمار الجذابة” ومطابقة المستثمرين معها بطريقة أكثر منهجية. إذ يجب أن يكون محور هذا الجهد ممثلاً في توفير مجموعة واسعة من المنتجات الاستثمارية جيدة التنظيم، ومصممة خصوصًا لأنواع مختلفة من المستثمرين المؤسسيين وخصائص المخاطر والعائدات الخاصة بهم. فعلى سبيل المثال، قد يميل المستثمرون المؤسسيون (مثل صناديق التقاعد) إلى المشاركة في المراحل المبكرة من المشروع (قبل التشغيل) إذا تمت تغطية مخاطر إعادة التمويل ومعالجة مخاطر البناء.

وتشكل مخاطر العملة تحديًا آخر للمستثمرين في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية. وهنا، قد تكون وكالات ائتمانات التصدير قادرة على المساعدة، وإن كان ذلك بتكلفة عالية في كثير من الأحيان.

وتعد ندرة الأدوات المالية المناسبة وتكاليف وتعقيد الأدوات المتاحة عائقًا آخر محتملاً أمام الاستثمار في البنية التحتية في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية. كما يمكن أن تساعد أدوات الدخل الثابت بما في ذلك السندات (مثل المشروع، والسندات البلدية، وشبه السيادية، والسندات الخضراء، وكذلك الصكوك)، والقروض (مثل الإقراض المباشر والمشترك لمشاريع البنية التحتية وقروض المشاريع المشتركة) في حل هذه المشكلة، إذ يمكنها جذب مجموعة واسعة من المستثمرين المؤسسيين في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

وتلعب المؤسسات المالية متعددة الأطراف دورًا مهمًا في جذب رأس المال الخاص نحو المشاريع طويلة الأجل التي يمكن أن تحفز التنمية في البلدان والقطاعات التي تعتبرها أسواق رأس المال عالية المخاطر. فمن خلال توفير التمويل أو الضمانات أو كليهما، يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تزيل المخاطر عن المشاريع وتزدحم الاستثمار الخاص. كما يمكنهم جلب شركاء في صفقات محددة من خلال القروض المشتركة.

من جانبه، يمتلك القطاع الخاص عددًا من الأدوات تحت تصرفه لإدارة المخاطر. فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات استخدام أدوات تحويل المخاطر وتعزيز الائتمان، التي يتم تجريبها حاليًا من قبل بنوك التنمية الوطنية والمتعددة الأطراف. ويشمل ذلك الضمانات، وبوالص التأمين، وآليات التحوط التي بموجبها يوافق مقدم الخدمة، ومقابل رسوم على تعويض صاحب الامتياز (أو المقرضين) في حالة التخلف عن السداد أو الخسارة الناشئة عن بعض الظروف المحددة.

وفي هذا الإطار، يعد التأمين ضد المخاطر السياسية ذات أهمية خاصة. كما أن بعض القطاعات، مثل الاتصالات أو الكهرباء، تعد أكثر عرضة للتقلبات التنظيمية، أو آثار الضغط السياسي (بما في ذلك الأسعار). وهو ما يعني الحاجة إلى مزيد من التدقيق من جانب مستثمري البنية التحتية وآليات مخصصة لتخفيف المخاطر.

إن الهيكل المالي للمشروع يعد الأساس بالنسبة له. إذ تُظهر التجربة أن مزيجًا متنوعًا من الممولين لمشروع بما في ذلك البنوك والمالكون المحليون والدوليون والمتعددون، يمكن أن يردع التدخل السياسي وهو ما يكون بمثابة حاجز ضد الصدمات. ومثلما تزود التحالفات الاستراتيجية مع الكيانات الأجنبية الجهات الفاعلة المحلية بالتحوط ضد التدخل السياسي، حيث يمكن للشراكات مع الشركات المحلية أن تساعد مشغل البنية التحتية على تجاوز علامة “المستثمر الأجنبي”.

وفي إطار تحويل وفرة المدخرات والسيولة اليوم إلى استثمار مطلوب جدًا في البنية التحتية الصديقة للبيئة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، يلعب كلٌّ من القطاعين العام والخاص أدوارًا مهمة. ويجب على صانعي السياسات زيادة شفافية الأطر القانونية وتحقيق الاستقرار السياسي والتنظيمي، مع الاعتراف بأن القطاع العام سيتحمل في نهاية المطاف تكاليف المعاملات المرتفعة التي يتكبدها مستثمرو القطاع الخاص عندما يوجهون الموارد المالية إلى بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

وغالبًا ما يسلط المستثمرون المؤسسيون والوسطاء الماليون الآخرون، وكذلك المؤسسات المالية غير المصرفية، الضوء على عدم وجود قنوات مباشرة من المشاريع الجاهزة للاستثمار. ولتحسين خياراتهم، يجب على القطاع العام أن يتحمل المزيد من المسؤولية عن تصميم المشروع في المواقف التي تتسم بتعقيد كبير ومخاطر تنظيمية، خاصة عندما يكون تحديد المخاطر وقياسها أصعب. ويمكن تعويض تكاليف هذه العملية إلى حد كبير عند إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص (مثل الامتيازات)، فالتخطيط بالقطاع العام وتحديد الأولويات يعد أمرًا ذا أهمية كبيرة.

لكن يجب على مستثمري القطاع الخاص أن يتبنوا دورًا أكثر نشاطًا، من خلال الاستفادة من أدوات إدارة المخاطر المتاحة لهم. وقد تساعد الأسواق والأدوات المالية المتطورة والمتطورة، من خلال تمكين الوكلاء الماليين من تحمل المخاطر التي تتوافق مع شهيتهم وقدراتهم.

إن الأمر لن يكون سهلاً، لكن مع هذه اللبنات الأساسية، سوف يكون بإمكاننا الشروع في بناء البنية التحتية الأكثر أهمية على الإطلاق، وهو ما يعد الجسر الذي يربط مدخرات البلدان المتقدمة واحتياجات التمويل في الأسواق الصاعدة والبلدان النامية.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر Policy Center

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر