سيناريوهات محتملة: أيُّ مستقبل ينتظر “القاعدة” خلال عام 2022؟ | مركز سمت للدراسات

سيناريوهات محتملة: أيُّ مستقبل ينتظر “القاعدة” خلال عام 2022؟

التاريخ والوقت : الخميس, 23 ديسمبر 2021

تقى النجار

 

يشهد تنظيم “القاعدة” في السنوات الأخيرة جملة من التحديات الداخلية والخارجية التي تركت أثرًا مباشرًا على بنيته التنظيمية، وقيادته المركزية، وعلاقته بفروعه المختلفة.

وعلى الرغم من الظهور الصوتي والمرئي لزعيمه الحالي “أيمن الظواهري” خلال عام 2021 في عدد من الرسائل، إلا أن هذا الظهور لم ينجح في رأب التصدع الذي يشهده التنظيم، بل عكس انفصال القيادة الحالية عن الواقع الفعلي للتنظيم، وبلور حجم التحديات والأزمات الهيكلية التي تعصف به. ومن ثم يسعى هذا التحليل إلى استعراض هذا المشهد بهدف تفكيك ملامحه وتفسير سياقاته واستشراف مستقبله.

ثمة محددات حاكمة لوضع تنظيم “القاعدة” في التوقيت الراهن، يتعلق بعضها بمحددات داخلية، ويرتبط البعض الآخر بأوضاع خارجية، ويمكن استعراضها على النحو التالي:

١. أزمة قيادة: يُعاني تنظيم “القاعدة” من غياب الزعامة الكاريزمية؛ إذ إن الزعيم الحالي له “أيمن الظواهري” يفتقد الكاريزما التي تمتع بها سلفه “أسامة بن لادن”، وهو ما حال دون تحقيق الهيمنة الجهادية للتنظيم من ناحية، واستقطاب عناصر جديدة من ناحية أخرى، ناهيك عن فقدانه عددًا كبيرًا من قيادات الصف الأول والثاني خلال عامي 2020 و2021.

فقد شهد عام 2020 استهداف كل من “قاسم الريمي” (زعيم تنظيم القاعدة في اليمن) (يناير 2020)، و”عبدالمالك درودكال” (قائد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي) (يونيو 2020)، و”خالد العاروري” (القيادي في تنظيم حراس الدين) (يونيو 2020)، و”أبو محمد المصري” (الرجل الثاني في تنظيم “القاعدة”) (أغسطس 2020)، و”أبو محسن المصري” (المسئول عن الجناح الإعلامي في التنظيم) (أكتوبر 2020)، و”أبو محمد السوداني” (القيادي في تنظيم حراس الدين) (أكتوبر 2020).

كذلك شهد عام 2021 استهداف كل من “عبدالحميد المطر” (القيادي بتنظيم القاعدة في سوريا) (أكتوبر 2021)، و”أبو أحمد العنابي” (زعيم كتيبة “عقبة بن نافع” الفرع التونسي لتنظيم القاعدة) (مايو 2021)، و”سالم أبو أحمد” (القيادي بتنظيم القاعدة في سوريا) (سبتمبر 2021).

٢. غموض العلاقة مع طالبان: تشهد العلاقة بين تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان” حالة من الغموض والضبابية، فمع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ونجاح الثانية في الصعود إلى الحكم كانت مآلات العلاقة بينهما موضع تساؤل من المراقبين، حيث أشارت تقديرات عديدة إلى أن نجاح الحركة في السيطرة على الحكم سيمنح الأولى الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعها وإحياء هياكلها التنظيمية مرة أخرى، وذلك في ضوء العلاقات الوطيدة التي جمعت بينهما في الماضي.

غير أن المشهد الحالي مخالف لتلك التوقعات، فعلى الرغم من احتفاء تنظيم “القاعدة” وفروعه المختلفة بصعود حركة “طالبان” إلى حكم أفغانستان عبر إصدار عددٍ من البيانات تُهنئها على انتصارها؛ إلا أن الأخيرة لا تتوانى في تأكيد فك ارتباطها بالأولى، ونفي وجود أي علاقة تجمع بينهما، حيث تسعى إلى اتّباع نهج براجماتي قائم على التخلي عن إرث الماضي، والحفاظ على مصالحها بما يضمن لها تحقيق انخراط فعّال في المجتمع الدولي.

وفي ضوء ذلك التوجه من قبل حركة” طالبان”، شنّ “أيمن الظواهري” هجومًا عليها بعد مطالبتها بالحصول على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، حيث ظهر في إصدار نشرته مؤسسة “السحاب” في 24 نوفمبر الماضي جاء تحت عنوان “نصيحة الأمة الموحدة بحقيقة الأمم المتحدة”، مؤكدًا على أن الانضمام إلى الأمم المتحدة يعني الانضمام إلى منظمة “علمانية تتناقض مع الشريعة الإسلامية”، مما يشير إلى وجود حالة من الشد والجذب بين الحركة والتنظيم بدأت إرهاصاتها تظهر إلى العلن.

٣. تحديات هيكلية: هناك جُملة من التحديات الداخلية التي تعاني منها بعض فروع تنظيم “القاعدة”؛ إذ يشهد تنظيم “القاعدة في اليمن” في الوقت الحالي حالةً من التشظّي والتشرذم والاقتتال الداخلي نتيجة لتصاعد الاتهامات المتبادلة تحت تسميات العمالة والجاسوسية، وفي ضوء ذلك المشهد المتشابك قررت جماعة “النهدين” بقيادة “أبي عمر النهدي” (قيادي شرعي داخل التنظيم) الانشقاق عن التنظيم خلال عام 2020 فيما أطلق عليه “الاعتزال الكبير”، مما مثّل تحديًا كبيرًا للتماسك الداخلي له، ناهيك عن فقدانه جزءًا كبيرًا من موارده المالية نتيجة لخسارته مناطق كانت تقع تحت سيطرته.

ولم يختلف الحال بالنسبة لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، حيث شهد عام 2020 تفشي حدة الخلافات الداخلية حول قدرة “أبي عبيدة يوسف العنابي” على قيادة التنظيم في أعقاب تعيينه زعيمًا له خلفًا “لعبدالمالك دروكدال”. وعلى الرغم من تسكين هذه الخلافات في الوقت الحالي؛ إلا أن ذلك لا ينفي التراجع الذي يشهده التنظيم، في ضوء ضعف القدرات القيادية “للعنابي” وانعزاله عن واقع التنظيم.

٤. صراعات خارجية: تتعرض بعض فروع تنظيم “القاعدة” لضغوط وصراعات خارجية. فعلى الرغم من سعي التنظيم إلى فرض نفسه بقوة داخل الصراع السوري عبر تأسيس كيان جديد تابع له أطلق عليه تنظيم “حراس الدين” في عام 2018، إلا أن الأخير عانى من ضغط أمني وعسكري في أماكن تواجده في الشمال السوري من قبل “هيئة تحرير الشام” (ظهرت كفرع تابع لتنظيم “القاعدة” في سوريا عام 2012 تحت مسمى “جبهة النصرة” وتحولت بعد ذلك إلى “هيئة تحرير الشام” بعد أن انفصلت عن “القاعدة”) منذ عام 2019 حتى نهاية عام 2021، وذلك عبر تصفية واعتقال عدد من عناصره وقياداته، مما أسفر عن تحوله إلى خلايا متخفية والتخلي عن أماكن ارتكازه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، مَثّل عام 2020 مرحلة فارقة في تحول العلاقة بين “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المبايعة لتنظيم “القاعدة”، وتنظيم “داعش الصحراء الكبرى” من التعايش المشترك إلى القتال المستمر، حيث تصاعد الصراع العملياتي والإعلامي بينهما، وذلك في إطار سعي القيادة المركزية للأخير إلى نقل مركز ثقله الإقليمي إلى إفريقيا وإعادة التموضع في ساحات بديلة بعضها يخضع لنفوذ الأولى، في مقابل محاولات الأولى للحفاظ على نفوذها في معاقله الرئيسية، وتأكيد قدرتها على الصمود ، مما أسفر عن اندلاع اشتباكات بين الطرفين، تطورت إلى قتال، ثم تحولت إلى حرب شاملة.

ومن ناحية ثالثة، دخل تنظيم “القاعدة في اليمن” في صراع مع تنظيم “داعش في اليمن” منذ منتصف عام 2018 حتى عام 2020، إذ كان الأخير يركز بشكل مباشر على استفزاز الأول بهدف استدراجه إلى صراع مفتوح، ومثّلت النقطة الفاصلة لاندلاع المواجهات بينهما، عندما قام الأخير بخطف مجموعة من مقاتلي الأول، مما أسفر عن نشوب صراع مباشر بينهما استمر حتى أوائل عام 2020.

تطرح التطورات السابقة تساؤلاتٍ مُهمةً حول السيناريوهات الحاكمة لمستقبل تنظيم “القاعدة”، والتي يمكن تحديدها في السيناريوهات الثلاثة التالية:

السيناريو الأول- استمرار التراجع:

يُشير هذا السيناريو إلى احتمالية استمرار التراجع لنفوذ القيادة المركزية لتنظيم “القاعدة”، وهو سيناريو مرجّح على المديين القصير والمتوسط، مما يترتب عليه أن يتحول اسم تنظيم “القاعدة” إلى مجرد مسمى لعلامة جهادية متراجعة تجمع تحت مظلتها مجموعة من الجماعات غير متجانسة المصالح والأهداف، ويستند هذا الطرح إلى مؤشرين؛ يتعلق أولهما بالضعف والتفكك الذي تعاني منه القيادة المركزية في الوقت الحالي بالتزامن مع غياب مرشحين فاعلين خلفًا للظواهري. ويتصل ثانيهما بمقتضيات مصلحة حركة “طالبان” والتي تفرض عليها الوفاء بالتزاماتها مع الولايات المتحدة من حيث تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية والحيلولة دون إعادة تموضعهم، وذلك من أجل الحصول على اعتراف دولي.

السيناريو الثاني- فك الارتباط:

يفترض هذا السيناريو احتمالية قيام بعض فروع تنظيم “القاعدة” بفك ارتباطها بالقيادة المركزية، واتباع نهج مماثل “لهيئة تحرير الشام”، وذلك في ضوء محددين رئيسين؛ يتعلق أولهما بأن ارتباط الفروع بالتنظيم جاء بارتدادات سلبية عليهم، إذ إن تلك الروابط هي التي حشدت الجهود الدولية لمواجهتهم والضغط العسكري عليهم. وينصرف ثانيهما إلى وجود اختلاف في المصالح بين كل من القيادة المركزيه والفروع، إذ إن الأولى تهدف إلى تطبيق استراتيجيتها العالمية، بينما تهدف الثانية إلى تحقيق تعزيز لنفوذها في سياقها المحلي.

ومن ثمّ يمثل تكرار نموذج “هيئة تحرير الشام” سيناريو قابلًا للحدوث بدرجة كبيرة، لا سيما وأن الهيئة نجحت في ترسيخ نفسها في ديناميكيات الصراع السوري، وأصبحت في الوقت الراهن الحاكم الفعلي لشمال غرب سوريا، مما يُنذر باحتمالية التحول من نموذج الجهادي العالمي إلى نموذج الجهاد المحلي الذي أثبت نجاحًا في تطبيقه.

السيناريو الثالث- الخيار الطالباني:

يرتبط هذا السيناريو بالسيناريو السابق ويعد خطوة تالية له، إذ يشير إلى احتمالية اتّخاد بعض فروع “القاعدة” نهج حركة “طالبان” والانخراط في المفاوضات مع الحكومات المحلية، بما يمنحها شرعيه التحول لفاعل سياسي. وقد سعت “هيئة تحرير الشام” إلى اتّباع ذلك النهج عبر فك ارتباطها بتنظيم “القاعدة” من أجل إعادة رسم صورتها لتبدو كمجموعات معارضة داخلية، بهدف الانخراط في التسويات المستقبلية للأزمة السورية. كما دخلت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في مفاوضات مع الحكومة المالية خلال عام 2020، أسفرت عن تبادل رهائن بين الطرفين وحصول الأولى على مبلغ قدرة 30 مليون يورو.

ويمكن القول إن انخراط التنظيمات الإرهابية في مفاوضات مع الحكومات المحلية مرتبط بجملة من المؤشرات، يتعلق أولها بحجم القبول المحلي الذي يحظى به التنظيم. وينصرف ثانيها إلى توسع نفوذ التنظيم من ناحية أخرى. ويتصل ثالثها بدرجة التماسك الداخلي له. ويرتبط رابعها بقوة أو ضعف الدولة المركزية.مجمل القول، لا يمكن إغفال حجم التحديات التي يعاني منها تنظيم “القاعدة” بفروعه المختلفة، والتي انعكست بصورة مباشرة على تراجع نشاطه، إلا أن هناك صعوبة بالجزم بتراجع تهديده، لأنه دائمًا ما تقدم التنظيمات الإرهابية البراجماتية على حساب الأيديولوجية، مما يعني أن هناك احتمالية لأن يبحث التنظيم بفروعه المختلفة عن آليات وأدوات للتكيف، ولا سيما في ظل استمرار البيئات الحاضنة وما توفره من سياقات وظروف مواتية تساعد على إعادة تموضعه مرة أخرى.

 

المصدر: المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر