يكاد لا يمر يوم إلا ونقرأ الكثير من الأخبار والموضوعات عن الذكاء الاصطناعي في مختلف وسائل الإعلام، بل إننا ومنذ فترة ليست بالقليلة لا نقوم بعملية بحث على شبكة الإنترنت إلا وتطالعنا في مقدمة نتائج بحثنا “نبذة بواسطة الذكاء الاصطناعي“.
أصبح الذكاء الاصطناعي شغلنا الشاغل، هناك من يرصد في تقارير مطولة تأثيره في الاقتصاد، من خلال تأسيس شركات تعم الكوكب وتبلغ قيمتها مليارات الدولارات، وحقق هذا الذكاء أسرع موجة ثراء في التاريخ، وفي السياسة تطالعنا بين الحين والآخر أخبار تتبع تسابق القوى الكبرى في تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يذكرنا بسباق التسلح خلال الحرب البادرة، وهناك تقارير تشير إلى حكومات توظفه في الرقابة وأخرى تستخدمه في توجيه الرأي العام، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل رأينا استخدامات للذكاء الاصطناعي في كل مجال من مجالات الحياة: التعليم، الصحة، الثقافة والإبداع. وهنا علينا أن نأخذ في الاعتبار أن كل هذا الزخم حول الذكاء الاصطناعي بدأ منذ أعوام قليلة، وأننا قبل ذلك كنا نتعاطى مع الذكاء الاصطناعي من باب الفانتازيا أو الخيال العلمي، وإذا استمرت وتيرة التسارع هذه على الحال نفسها، فإن ما نعتبره اليوم مستحيلاً ربما يتحقق في السنوات القليلة المقبلة.
هذه الصورة تفرض علينا التفكير في سيناريوهات علاقة الذكاء الاصطناعي بالبشر، في السيناريو الأول نجد أنفسنا أمام تقنية تساعد البشر على العديد من القطاعات، تسهل لهم العمل وتختصر الوقت، والأزمة هنا تتمثل في أن اعتماد البشر على ذلك الذكاء سيعود العقل على الكسل ويضعف حاسة الإبداع والابتكار، وستنشأ أجيال لا تعرف فكرة تحدي المشكلات والعوائق وبذل الجهد في محاولة تجاوزها.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في حلول الذكاء الاصطناعي مكان الإنسان في معظم قطاعات العمل، وهنا لا مفر من حدوث اضطرابات تصل إلى درجة العنف والتخريب في الكثير من بلدان العالم، وحتى لو تعطل الملايين من العمال والموظفين ووفرت لهم الحكومات حاجاتهم الأساسية في الحياة، فعلينا أن لا ننسى أن البشر لا ينخرطون في العمل لمجرد توفير تلك الحاجات وحسب، فمع مرور آلاف السنين من التجربة والخبرة بات العمل ضرورة إنسانية تتجاوز فكرة الكدح من أجل “لقمة العيش”.
السيناريو الثالث، وهو أكثر كابوسية، حيث يتخوف الكثيرون من تطوير الذكاء الاصطناعي لمهارات خاصة به، بعيداً عن البشر، مهارات يوظفها لاحقاً في الانقلاب على الإنسان وربما الهيمنة عليه، وهو سيناريو ينتمي إلى أدب “الديستوبيا”: المدينة الفاسدة، وإن كان ليس بعيداً عن التحقق لو تأملنا التطور اللحظي لقدرات الذكاء الاصطناعي.
كل تلك السيناريوهات السابقة مرعبة أو على الأقل مزعجة، وتتطلب التوقف والتأمل والتفكير، وربما تستدعي نقاشاً موسعاً بين عقلاء العالم لتجنب مخاطر التكنولوجيا فائقة الحداثة، فالآثار السلبية للذكاء الاصطناعي ستطال في النهاية الجميع حتى من يستفيدون منه اقتصادياً، ومن يعتبرونه أحد أسلحة الهيمنة على الآخرين.
المصدر: الخليج