سياسة النأي بالشرف | مركز سمت للدراسات

سياسة النأي بالشرف

التاريخ والوقت : الإثنين, 11 ديسمبر 2017

تركي بن صالح العتيبي

 

الأزمة اللبنانية لا حل لها، ولا قرار للدرك الأسفل الذي هوت فيه العملية السياسية. لا يمكن لرئيس وزراء أنيق، مهندم، مُسرح الشعر، أن يحكم قطعانًا من الوحوش المسلحة في شوارع بيروت، ناهيك عن الجنوب والبقاع وصيدا، ولا أن يطلب تطبيق أبسط القرارات كالسيطرة على أمن المطار مثلاً، أو تنظيم شبكة الاتصالات.

الدويلة الحزبية الإيرانية في الضاحية لم يكفِها أن تستقل عن الدولة، بل أصبحت الآن تحتلها، أضحوكة الدفاع المشترك وسلاح المقاومة فُرضت غصبًا، رغم معرفة جميع اللبنانيين أنه احتلال إيراني فج وواضح وسافر.

حزب الله عبر استضافته قيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب الحق (العراقي) في جنوب لبنان، ودون علم ولا موافقة الدولة، لم يدعس على سياسة النأي بالنفس فقط، بل أخرج لسانه لعون وللحريري ولماكرون ولكل من كان يأمل من حزب إرهابي أن يلتزم بتعهداته.

لقد قدَّمت السعودية فرصة تاريخية للبنانيين للنهوض والخروج من عباءة نصر الله، وتشكيل حكومة حرة نزيهة قوية تستقل بلبنان وبقرار لبنان عن النزاعات والمتنازعين، لكن المسألة تبدو أنها كحليمة التي لا تمل من عادتها القديمة.

لا بدَّ أن يعرف اللبنانيون والعالم العربي والعالم، أن المنظمات التي تأخذ دور الدولة وترتهن الدولة لقرار خارجي، لا يمكن التعامل معها، إلا بلغة القوة والسلاح وفرض الأمر الواقع، الأمر الوحيد الذي تفهمه وتعيه وترتعب منه، كلُّ هذا الترديد للمداهنات السياسية وتمسيح الجوخ والمداراة وحديث ما فوق الطاولة وما تحتها، ما هو إلا تضييع للوقت وللكرامة.

إن العمل السياسي الحقيقي تجاه مثل هذه العصابات التي تحاول اختطاف أوطاننا، هو ما تقوم به السعودية، حيث تسمِّي الأشياء بأسمائها وترفض التعامل مع هذه العصابات، وتدعو وتقوم بالعمل على تخليص الأمة منها، فهي أخطر بكثير من الغزو أو الاحتلال الخارجي؛ لأنها تنخر أوطاننا وبنيتنا الاجتماعية والثقافية والحضارية من الداخل. والسعودية، إضافة إلى عملها السياسي، تقاتل هذه الجماعات وتحاصرها وتجفف منابعها وتمنعها من نشر سمومها؛ لأنها تعي خطرها الكارثي. ولعلَّ ذلك ظاهر في تحركات المملكة، وفي تصريحات قادتها التي نذكر منها تصريح الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، لوكالة “رويترز” بأن المملكة لن تسمح لإيران بإقامة حزب الله آخر في اليمن عبر الحوثي.

نعود للبنان، والعود لا هو أحمد ولا محمود، باستمرار العملية السياسية الهشة والاختراق الاستخباراتي المخيف والتوافقات الهلامية، فلا الرئيس يرأس ولا المرؤوس يطيع، بلد أشبه ما يكون بحارة (كل مين إيدو إلو). لبنان الفكرة العظيمة في الشرق أصبحت الزبالة قضيته. أيُّ مهزلة يمكن أن يتصورها العقل، لبنان المطابع والحرية والليبرالية أصبح بلا ثقافة ولا حرية، لبنان الأرز أضحى معممًا يدين بالولاء والطاعة لدراويش قم.

كاتب سعودي*

@turkysaleh

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر