“سياسة الخوف” في انتخابات الهند | مركز سمت للدراسات

“سياسة الخوف” في انتخابات الهند

التاريخ والوقت : الجمعة, 26 أبريل 2019

سايكات داتا

 

إن التنبؤ بنتائج الانتخابات أمرٌ صعبٌ جدًا في الهند، نظرًا إلى حجم العملية الانتخابية وتنوعها. ففي عام 2014، عندما توجه الهنود إلى صناديق الاقتراع، فشل المحللون والصحفيون والمراقبون من جميع أنحاء البلاد في قراءة مسار العملية الانتخابية؛ فقد فات على معظمهم دعوات المطالبة بالاستفتاء الذي نادى به رئيس الوزراء “ناريندرا مودي” وحزب “بهاراتيا جاناتا” الذي شكَّل بالأغلبية حكومة في الهند منذ 1984.

وكان “مودي” قد وصل للسلطة في الوقت الذي كان فيه المرشح الجديد لرئاسة الوزراء قد تمكن من تسجيل رقمٍ قياسيٍ في ولاية “غوجارات”.

وقد صاحب ذلك موجة من التطلعات، فقد رفع “مودي” شعار “أيام الخير”Good Days”، وهو الشعار الذي حمل وعد “الهند الجديدة” الذي ركَّز عليه “مودي” في عام 2019، وظَّل زعيم الهند الأكثر شعبية، مع عدم وجود منافسين يصوتون لصالحه من كافة أنحاء البلاد، ووفقًا لاستطلاعات الرأي المتوالية، لا يزال حزبه قادرًا على العودة للسلطة.

وفي أكبر ديمقراطية في العالم، نادرًا ما تعمل استطلاعات الرأي بدرجة دقيقة، إذ يصعب الحصول على عينةٍ مناسبةٍ لثمانمئة وثلاثين مليون مواطن يحق لهم التصويت من أصل مليار وثلاثمئة نسمة بالهند.

وعليه، فإن “مودي” ربَّما لا يكون واثقًا تمامًا من أن المخاوف الاقتصادية الناشئة، إضافة إلى بعض قوى المعارضة القوية في ولاية “أوتار براديش” الكبرى، بإمكانها أن تُوقف مسيرته.

وهذا ما يجعله في الجانب الآمن، فقد تخلص فعلاً من برنامج “أيام الخير”، عام 2014، ويحاول التخلص من مخاف كبيرة في الوقت الراهن، وبالتالي فإذا كان عام 2014 عام الطموحات، فإن 2019 يعدُّ عام “عدم الأمان”.

الاقتصاد

على مدار الثلاثين عامًا السابقة على “مودي”، كانت الهند تحت قيادة حكومات ائتلافية، وكانت متورطة في أزمة اقتصادية غير مسبوقة عام 1990، وحرب شهدتها الهند عام 1999، إضافة إلى مئات من الهجمات الإرهابية والتحديات الاقتصادية العالمية.

وانتقلت البلاد من مرحلة لم يكن لديها القدرة على سداد قيمة استيراد النفط الخام إلا لأسبوعين فقط، إلى واقع تتمتع فيه باقتصاد يصل حجمه إلى 3 تريليونات دولار. وفي حين يُنظر إلى الحكومات الائتلافية عادة على أنها تكون “غير مستقرة” أو “ضعيفة”، إلا أن النمو السريع للهند تحقق بدرجة كبيرة تحت هذه الحكومات.

وبطبيعة الحال، فقد كان هناك حالة من نفاد صبر، بين أعداد متزايدة من الجماهير، ومطالبات بتسريع النمو وتحقيق المجد الوطني بدرجة أكبر. ففي عام 2014، كان الائتلاف الذي يقوده “حزب المؤتمر الوطني” أثناء وجوده في السلطة يبدو فاسدًا، على الرغم من أن الأرقام الاقتصادية تحت قيادة ذلك الائتلاف شهدت نموًا ملحوظًا بين عامي 2004 و2014.

وفي الانتخابات التي بدأت في 11 أبريل الجاري، وجد “مودي” أنه يواجه تحديات جديدة مختلفة عن تلك التي واجهها عام 2014؛ وذلك لسبب واحد؛ وهو أن الأسئلة غير المريحة حول ما أنجزه “مودي” بدأت في الظهور. وكانت أبرز التساؤلات حول الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة.

وبينما تضمنت وعود “مودي” عام 2014 توفير20 مليون فرصة سنويًا، فإنه بدلاً من ذلك كانت الوظائف تتقلص. وفي ديسمبر 2018، ارتفعت البطالة في الهند إلى أعلى مستوياتها خلال 15 شهرًا، إذ وصلت إلى 7.4٪. وأفاد “مركز مراقبة الاقتصاد الهندي”، بأن الهند  فقدت 11 مليون وظيفة ، بدلاً من توفير 20 مليون سنويًا كما وعد “مودي” عام 2014. ومع ظهور البيانات الخاصة بمبيعات السيارات، التي تعدُّ مؤشرًا رئيسًا على تعافي الاقتصاد الهندي، أشار “فيفيك كاول” إلى بعض الأرقام الصارخة في تحليله؛ فمن السيارات إلى الشاحنات والجرارات، انخفضت المبيعات في كل فئة هذا العام.

وهذا ما يعني أن المواطنين إمَّا لم يكن لديهم المال، أو أنهم لم يكونوا مهتمين بأمور مثل التفاخر، وذلك في إشارةٍ واضحةٍ إلى أن الاقتصاد يتقلص. وتعتبر مبيعات الجرارات مؤشرًا على حالة الاقتصاد الريفي. وكما أشارت تقارير أخرى، فلا تزال الزراعة تعاني من ضغوط نتيجة لعدة أسباب. إذ يشير التباطؤ في مبيعات الشاحنات إلى أن قطاعَي العقارات والبنية التحتية كانا يُعانِيان من حالة ركود، فضلاً عن ذلك، فقد كان هناك عددٌ أقل من البضائع للنقل في جميع أنحاء البلاد.

ومن الناحية النظرية، فقد كان ذلك بمثابةِ أنباءٍ سيئةٍ جدًا بالنسبة للحكومة الحالية التي تسعى لإعادة انتخابها، وكانت هناك تطورات أخرى غير مرحب بها بالنسبة لـ”مودي” لكي يأخذها في الاعتبار.

انتخابات معقدة

لنأخذ ــ علي سبيل المثال ــ الوضع في ولاية “أوتار براديش”، التي تعدُّ الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الهند، فهي تشارك بثمانين عضوًا في البرلمان بانتخابات عامة، وهو أعلى مساهمة في البلاد التي تنتخب 543 نائبًا. ففي عام 2014، اكتسح حزب “بهاراتيا جاناتا” الانتخابات ووصل إلى السلطة، بعد أن حصل على 71 مقعدًا، بينما حصل حليفه على مقعدين، ما جعل حصتهما 73 مقعدًا. وهو ما جرى في العديد من الولايات الهندية الشمالية والغربية، بحيث تمكن الحزب من تشكيل حكومة ذات أغلبية كاملة لن تضطر إلى التحالف مع الأحزاب الجديدة والانتهازيين.

لكن اليوم، تمكنت ثلاثة أحزاب معارضة رئيسية من تشكيل تحالف كبير لمواجهة “مودي”. وقد شارك هذا التحالف في المرحلة الأولى بالانتخابات الأخيرة التي أجريت في 11 أبريل، ويبدو أن المشاركين في هذا التحالف لديهم قواعد جماهيرية ضخمة تدعمهم.

فمن بين المشاركين في هذا التحالف نجد حزب “ساماجوادي” يسيطر على أصوات المسلمين، وجماعات الـ”ياداف” وهم من الفلاحين خارج نطاق النخبة، ومعه حزب “بهوجان ساماج” الذي يتبعه الكثيرون من أبناء طوائف الـ”داليت”، الذين تعرضوا للاضطهاد لعدة قرون، وتمت معاملتهم على أنهم “منبوذون”. أمَّا الحزب الثالث، فهو حزب “ريشترايا لوك دال”، وهو أصغر الأحزاب المشاركة في هذا التحالف، لكنه يتمتع بنفوذٍ بين الطبقة العليا، ويوجد في مناطق الزراعة التقليدية في المناطق الغربية التي كان يهيمن عليها حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم سياسيًا واقتصاديًا.

ويجتمع الأحزاب الثلاثة على خلافهم ومعارضتهم لـ”مودي” الذي يصعب إزاحته كما يذهب الصحفي “راجيف تيواري” Tiwari، رغم اعتماد التحالف الجديد على “الهوية الطبقية”، وهو ما يفرض عليها المزيد من العمل للتوغل بين عموم الهند في مواجهة حزب “بهاراتيا جاناتا”.

وكما يوضح “تيواري”، فإن آخر مرة اجتمع فيها منافسون تقليديون كانت في عام 1993، إذ تمكن القادة الرئيسيون لحزب “بهاراتيا جاناتا” من جمع حشدٍ كبيرٍ، وقام بهدم مسجد “بابري” التاريخي. وكان الرصيد السياسي لحزب “بهاراتيا” يتصاعد في تلك الأثناء. لكن “تيواري” يشير إلى أن “مودي” ربَّما يتجاوز هذا المخزون التاريخي لرصيده التصويتي، وهو ما يتوقف على بقاء قواعد الطبقات المختلفة على دعمها له. والحال نفسه بالنسبة للتحالف الذي تشكَّل أخيرًا، إلا أن الذي سيفوز بالسلطة هو من سيشكل الحكومة المقبلة في الهند، وهو ما يدركه “مودي” جيدًا.

سياسة الخوف

بعد وقت قصير من انفجار سيارة مفخخة كان يقودها شخص كشميري، وأسفر عن مقتل 40 من قوات “الشرطة الاحتياطية المركزية” في 14 فبراير، كان هناك توقعات بأن يؤثر ذلك على الانتخابات العامة. وفي 26 فبراير، عبرت مقاتلات هندية إلى باكستان وألقت عدة قنابل على “بالاكوت”، وهي بلدة معروفة بإيوائها أحد أكبر معسكرات جماعة “جيش محمد” الإرهابية. وكانت حركة “الجهاد الإسلامي” قد أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم.

وقد كان “مودي” ينتظر ذلك السيناريو السياسي. ففي مسيرة بعد أخرى، يشير “مودي” إلى باكستان، بينما يشير مساعدوه إلى أن الهندوس، الذين يمثلون غالبية السكان في الهند (76٪ تقريبًا) ، معرضون لخطر أن تطغى عليهم الأقليات.

وهو الأمر الذي يتكرر كثيرًا خلال الفترة الأخيرة، حتى إن “مودي” ذكر في بعض المسيرات أن التصويت لحزب “المؤتمر الوطني الهندي”، المعارض الرئيسي، إنما هو “تصويت لباكستان”.

ويسيطر على الخطاب الذي يتبناه “مودي” وحزبه “بهاراتيا جاناتا”، إثارة المخاوف تجاه الأقليات الهندوسية وباكستان باعتبارها “العدو”، رغم أنه من المفارقات أن يصدر رئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” بيانات يؤيد فيه “مودي” قبل أسبوع. وهو ما قد يكون أفاد “مودي” في مواجهة إشكاليات كبيرة في مقدمتها تراجع عدد الوظائف، والضغوط الاقتصادية.

ومع ازدياد شعور الناس بانعدام الأمان، قام “مودي” بتعميد نفسه على أنه “حارس الأمن”. ووعد ناخبيه بأنه سيكون الوصي الوحيد عليهم وسيحميهم من مخاوف انعدام الأمن. وعلى أساس هذه الرسالة، يأمل “مودي” في الحصول على خمس سنوات أخرى كرئيس وزراء الهند القادم.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر