سياسة الإلهاء: السياسة الخارجية الاقتصادية لتركيا | مركز سمت للدراسات

سياسة الإلهاء: السياسة الخارجية الاقتصادية لتركيا

التاريخ والوقت : السبت, 26 سبتمبر 2020

جوناثان جورفيت

 

رغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال لمؤيديه في إسطنبول الأسبوع الماضي، إن “تركيا حاليًا في وضع متفوق اقتصاديًا، وإنه ليس في القاع، لكن عند حدوده القصوى”، فإنه في هذه الأيام، قد يكون لدى العديد من الأتراك انطباعات مختلفة عن ذلك.

فقدت الليرة التركية ما يقرب من ثلث قيمتها مقابل الدولار واليورو منذ بداية العام، في حين أن بطالة الشباب تحوم الآن حول 25٪ من المواطنين في سن العمل.

وقد فقدت صناعة السياحة حوالي ثلث عائداتها هذا الصيف بسبب الوباء الذي تسبب أيضًا في انهيار الطلب العالمي على السلع والخدمات، مما أثر بشكل سيئ على الاقتصاد التركي القائم على التصدير.

وفي الوقت نفسه، فإن المستثمرين الأجانب الذين كانوا يومًا ما مسؤولين عن حوالي 40٪ من أسواق السندات والأسهم التركية، أصبحوا يمثلون فقط 5٪، مع تراجع التصنيف الائتماني، مؤخرًا، لدى وكالة “موديز” Moody التي صنفت تركيا عند وضع “غير مستقر” فيما يخص الفترة المقبلة.

وبعد شهور من محاولات دعم الليرة التركية، يعاني البنك المركزي التركي والعديد من البنوك التجارية في البلاد من نقص خطير في العملة الصعبة، وانعزاله بشكل متزايد عن الأسواق المالية الدولية التي قد تساعده.

لقد قال “أيكان إردمير”، النائب التركي السابق ومدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها الولايات المتحدة، لموقع “قبرص ميل” :Cyprus Mail إن هذا ليس مجرد صدفة أو خلل، فمنذ فترة طويلة وقبل تفشي الوباء كانت هناك أزمة اقتصادية عميقة، ناجمة عن عيوب كبيرة متأصلة في الإدارة الاقتصادية للبلاد”.

ومن المفارقات، أن هذه العيوب نفسها قد تشكل الآن عقبات أمام أي محاولة جادة لمعالجة الأزمة.

وبعد ما يقرب من عقدين من الزمن في السلطة، تخلص حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان من العديد من الآليات التنظيمية والسلطات المستقلة التي تمَّ إنشاؤها بعد الأزمة الاقتصادية التركية الكبرى الأخيرة، في 2000-2001. فغالبًا ما تُمنَح العقود الحكومية المربحة لمؤيدي وأنصار حزب العدالة والتنمية، بينما يتمتع أفراد عائلة أردوغان بمناصب قوية في الهيكل الاقتصادي للبلاد.

يقول النقاد إنه من الضروري تغيير كل هذا من أجل معالجة المشاكل الهيكلية العميقة للاقتصاد، لكن من المستحيل القيام بذلك الآن بدون تقويض هيكل السلطة الذي يعتمد عليه حكم أردوغان.ويضيف “إردمير”: “إن هذا هو المكان الذي تأتي فيه السياسة الخارجية والأمنية المتقلبة لتركيا”، أمَّا بالنسبة لجيران تركيا، فتعدُّ هذه أخبارًا سيئة حقًا.

ويقول “دافيد لوكا”، المتخصص في الشأن التركي والزميل الزائر في مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد: إن أردوغان وحكومته بارعين في صرف انتباه الناس عن مشاكلهم الاقتصادية من خلال حملهم على الالتفاف حول العَلَم الوطني، (في إشارة لقضاياهم الوطنية)”.

إن المشاكل المتزايدة للحكومة التركية في الداخل تسير حاليا جنبًا إلى جنب مع العداء المتزايد في الخارج، حيث لا يتردد أردوغان أبدًا في استخدام القوة. ففي سوريا، لم يتوقف الأمر عند حد الكلام فقط.

بالنسبة للاقتصاد التركي، فقد شهدت السنوات الأخيرة نهايةً لفترة ازدهار طويلة. لذا، يقول “لوكا”: إنه قد تمَّ تمويل النمو في الغالب عن طريق الائتمان السهل وتدفقات الأموال الدولية. وقد شهدت تركيا نموًا اقتصاديًا قويًا وازدهارًا في البناء، حيث استفاد حزب العدالة والتنمية من كليهما. ومع ذلك، فقد استمر النمو الاقتصادي قائمًا على الديون. لكن البلاد تعاني حاليًا من نقص في المال.

هزَّت أزمة العملة في 2018، التي نجمت جزئيًا عن الخلاف المتزايد مع الولايات المتحدة والتهديد بفرض عقوبات على الليرة، البنك المركزي الذي بذل جهودًا كبيرة لمحاولة دعمها منذ ذلك الحين. وقد أدَّى ذلك إلى إفراغ احتياطيات الدولة من الدولار، في حين استمر انخفاض قيمة الليرة التركية.

بجانب ذلك، فقد أثَّرت أزمة فيروس كورونا في الطلب على الصادرات التركية وألحقت الضرر بعائدات السياحة التي يتم الحصول عليها عادةً بالدولار أو اليورو. كما اتبعت الحكومة سياسات مماثلة لدول أخرى تتعلق بمحاولة إبقاء الشركات والوظائف قيد العمل بعيدًا عن الإفلاس أثناء الإغلاق الجزئي للوباء.

ومع ذلك، فقد كان هذا يعني قفزة كبيرة في الإنفاق الحكومي مرة أخرى في وقت كانت الميزانية فيه بالفعل تحت ضغط. ويقول “إنفر إركان”، الخبير الاقتصادي لدى “تارا ياتريم” في إسطنبول: “إنه سيتعين على تركيا مواصلة الإنفاق أيضًا، مع استمرار الوباء، إذ ينبغي للحكومة حماية النشاط الاقتصادي والقوى العاملة للمضي قدمًا، خاصة إذا كانت هناك موجة ثانية من تفشي فيروس كورونا ويصحبها إغلاقٌ آخر.”

ارتفعت حالات الإصابة اليومية بفيروس كورونا بشكل مطرد منذ انخفاضها في يوليو، حيث قال رئيس الجمعية الطبية التركية، “سنان أديامان”: “إن البلاد عادت إلى المربع الأول في مكافحة الوباء”، حيث أصبحت أعداد الإصابات مماثلة الآن لتلك التي كانت في شهر مارس.

وبطبيعة الحال يؤدي ذلك إلى تدهور الوضع الائتماني الاقتصادي لتركيا التي تعتبر حاليًا في أوضاع خطيرة على المستوى الجيوبوليتيكي، حيث تشكل قضية شرق البحر المتوسط ​​جزءًا مهمًا من هذا السياق. وفي الوقت نفسه، يزيد عدم اليقين بشأن ردود فعل السلطات التركية من الشعور بعدم الارتياح بين المستثمرين العالميين. إننا ببساطة لا نعرف ما سيفعله البنك المركزي بعد ذلك. إذ يتعين أن تكون تصرفاته متوقعة، لكننا لا نعرف ما يمكن توقعه.

وفي الآونة الأخيرة، فقد البنك المركزي الكثير من استقلاليته، فتعرض لضغوط متزايدة من أردوغان للحفاظ على الائتمان عند حدود سهلة ورخيصة من خلال تحديد أسعار فائدة عند أوضاع منخفضة. كما اعتاد أردوغان على التدخل بشكل كثيف في مثل هذه الأمور بجانب الابتعاد عن سيادة القانون والشفافية والمساءلة؛ وهو ما يقلل من احتمالية طلب المساعدة الخارجية. فخطة الإنقاذ التي عرضها صندوق النقد الدولي ستكون مصحوبة بشروط، ولا يستطيع أردوغان تحمل تبعاتها. إذ يتوقع أن تقوض هيمنته على النظام السياسي التركي.

آفاق جديدة

بالنسبة للبعض، فإن تصرفات وكالات الائتمان وصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى هي جزء من المشكلة، وليست الحل. فكما يقول “كان سيلكوكي”، كبير المحللين واستطلاعات الرأي بشركة أبحاث السوق “إسطنبول إيكونوميكس”، فإن الناس يقسمون اللوم بشأن المشاكل الاقتصادية إلى ثلاث جهات: أولاً الفاعلون الخارجيون، وثانيًا فيروس كورونا، وثالثًا سوء إدارة أردوغان ووزرائه للأزمة الاقتصادية.

إن المؤسسات الأجنبية، والغربية تحديدًا، غير موثوقة على نطاق واسع، حيث تتعرض غالبًا للهجوم من الحكومة ومسؤولي حزب العدالة والتنمية. فقد انتقد وزير المالية “بيرات البيرق”، صهر أردوغان ووصفها بـ”النظام الظالم”، وذلك خلال مناظرة في أغسطس على التلفزيون التركي، حيث قال إن تركيا تثور ضد هذا النظام. فأزمة العملة السابقة التي حدثت في 2018، أُلقِىَ باللوم فيها على “هجوم مخطط له من إحدى العواصم الأجنبية”.

إن كل شيء يوصف هذه الأيام بأنه “تهديد وجودي” لتركيا يهدف إلى إبقاء البلاد على حافة الحرب في جميع الأوقات، وإبقاء المواطنين عند حافة الهاوية باستمرار. لكن السؤال الأهم هنا يتركز على: هل سيصيب الأتراك الملل من هذه المزاعم؟ فقد أصبحت ثروات البلاد نفسه الآن سلاحًا في صراع وطني، بدلاً من مسألة الواردات والصادرات وقواعد السوق وأسعار الصرف.

إنه أمر يشبه سؤال المليون دولار. ما هي العواقب؟ إن الحكومة في ورطة خطيرة، لكن تشتيت انتباه الجمهور عن ذلك شيء طالما فعله أردوغان بنجاح لفترة طويلة جدًا.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: قبرص ميل

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر