سياسة أردوغان الخارجية على مفترق طرق! | مركز سمت للدراسات

سياسة أردوغان الخارجية على مفترق طرق!

التاريخ والوقت : الخميس, 25 مارس 2021

يواصل أردوغان العمل على إحياء المجد العثماني، و”الوحدة الإسلامية”، إلا أن عوائق كبيرة ونقاط ضعف عديدة تقف بينه وبين حلمه، وعليه أن يختار بين سياسة خارجية إسلاموية أو براغماتية. وإذا عاد الاقتصاد التركي للنمو السريع فسوف يتحسن وضع أردوغان الداخلي، وربما سيعود إلى مغامراته الإسلاموية في الخارج.

وفي سعيه لتبوؤ قيادة العالم الإسلامي، تصادم أردوغان بشدة مع حكومات أوروبية، ودول غرب آسيا وشمال إفريقيا؛ بسبب مواقفها من بعض القضايا الإسلامية، فقد هاجم أردوغان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بسبب موقفه بعد قضية قطع رأس المدرس صموئيل باتي في أكتوبر 2020، كما هاجم أيضاً السلطات الألمانية لمداهمتها مسجد “مولانا” في برلين المرتبط بحركة “ملي غوروش” التركية. كما تعاني علاقات تركيا مع الدول الإسلامية؛ مثل المملكة العربية السعودية ومصر، كثيراً من التوتر؛ بسبب دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين.

إلا أن أردوغان بدأ منذ ديسمبر 2020 بالتقرب مجدداً من الاتحاد الأوروبي والغرب، في ما يعتقد أنه محاولة للتخلي عن سياسته الخارجية الإسلاموية وتبني سياسة مؤيدة للغرب. ويبدو أن ضرورة تأمين مصالح تركيا في خضم التغيرات الجيوسياسية المحيطة بها هو الدافع وراء هذه الانعطافة.

الإسلام السياسي في تركيا

أدى صعود الكمالية (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك- المترجم) إلى تحول النظرة الغربية إلى تركيا على أنها دولة غربية علمانية ديمقراطية؛ ولكن التيارات الإسلامية الخفية كانت دائماً جزءاً من النظام السياسي فيها، وكانت كثيراً ما تحصل على دعمٍ مباشر أو غير مباشر من الطبقة الحاكمة في البلاد. وكانت الشيوعية هي العدو المشترك للقوى السياسية الكمالية والعلمانية، وانضمت إليهم التيارات الإسلامية التي تمتعت في كثيرٍ من الأوقات بدعم النظام الكمالي.

ففي السبعينيات شكَّل رئيس الوزراء الكمالي سليمان ديميريل، حكومة ائتلافية مع أحزاب إسلامية. وفي عام 1974 شكَّل حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك، حكومة بالتحالف مع حزب الإنقاذ الوطني بزعامة نجم الدين أربكان. وفي التسعينيات، أصبحت القوى السياسية الإسلامية جزءاً من التيار السياسي الرئيسي في البلاد.

تمتد جذور العديد من مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى حركة “ملي غوروش” التي أسسها أربكان عام 1969. وقد تأثر أردوغان عندما كان طالباً بأفكار أربكان وانضم إلى جناح الشباب في حزب الإنقاذ الوطني. أصبح أربكان أول رئيس وزراء إسلامي في تركيا؛ ولكنه لم يبق في منصبه أكثر من عام واحد. كان أربكان معادياً للغرب بشدة، وكان يصف الاتحاد الأوروبي بأنه “النادي المسيحي الصهيوني”.

لعبت جماعة الإخوان المسلمين دوراً كبيراً في تحول تركيا نحو الإسلاموية. فقد كان لرجل الدين والمنظر البارز لجماعة الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، دور كبير في تركيا؛ حيث وصف احتجاجات حديقة غيزي ضد أردوغان بأنها مؤامرة خارجية لزعزعة استقرار تركيا. وبدوره دافع أردوغان بشدة عن القرضاوي عندما أصدر الإنتربول الدولي مذكرة توقيف بحق القرضاوي، وهاجم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. ومن المعروف أن أردوغان كان عضواً في “الاتحاد الوطني لطلبة تركيا”؛ وهو تنظيم مناهض للشيوعية، ومرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.

قناع الكمالية

وصل أردوغان إلى الشهرة كرئيس بلدية إسطنبول، ثم تسلَّق سلم السياسة في النظام التركي. على مدى تاريخ تركيا الحديث، كان الجيش التركي يطيح بالطبقة السياسية الحاكمة كلما ابتعدت عن النهج الكمالي. وبعد أن اعتقل بتهمة التحريض على الكراهية في أعقاب انقلاب 1997، بدأ أردوغان يتخذ خطاً معاكساً لخط أربكان المعادي للغرب لتجنب مواجهة مع الجيش التركي، واستمر هو وحزبه (العدالة والتنمية) حتى وقتٍ قريب في تقديم أنفسهم على أنهم من الكماليين الموالين لأوروبا؛ إلا أن هذا القناع بدأ بالسقوط مع فشل تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وبحلول عام 2011 وما عرف بالربيع العربي، أظهر أردوغان بشكل سافر دعمه للقوى الإسلاموية في غرب آسيا وشمال إفريقيا.

أردوغان والعالم العربي

كانت مصر هي الدولة الأقرب إلى فكرة أردوغان عن الديمقراطية الإسلامية؛ حيث تولى الإخواني محمد مرسي رئاسة البلاد بعد تنحي حسني مبارك، في ما اعتبره أردوغان “انتصاراً للديمقراطية الإسلامية على الديكتاتورية العسكرية”. قدم أردوغان دعماً كبيراً لحكومة مرسي بقيادة الإخوان المسلمين، إلى درجة أنه رفض الاعتراف بالسيسي كرئيس شرعي لمصر بعد أن أطاح بحكم الإخوان، وقدم ملاذاً آمناً لقياداتهم في تركيا عندما بدأت حملة الحكومة المصرية ضد التنظيم. وأصبح دعم أردوغان للإخوان المسلمين إحدى القضايا الخلافية الرئيسية بين تركيا والدول العربية.

ففي ليبيا تدعم كل من الإمارات والأردن ومصر والسعودية الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر، بينما يدعم أردوغان، الذي لديه طموحات إقليمية في شرق المتوسط، حكومة الوفاق الوطني المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين.

ولا يخفي أردوغان دعمه للإخوان المسلمين أو صلاتهم الوثيقة مع قياداتهم. وعندما وقعت الأزمة الدبلوماسية بين ودول الخليج التي فرضت عليها إجراءات عقابية لدعمها الإخوان المسلمين وإيران، كانت تركيا جاهزة لمساعدتها. ومن المعلوم أن الدولتَين تشتركان في قناعاتٍ أيديولوجية لا تقتصر على دعمهما لجماعة الإخوان المسلمين؛ بل جماعات إسلامية أخرى مثل منظمة حماس،

كما أن العلاقات التركية- الإيرانية القوية تزعج العديد من دول الخليج التي تعتبر إيران تهديداً لها. وإلى جانب الاختلاف الطائفي بين تركيا وإيران، فهما تختلفان في موقفهما من سوريا ولبنان؛ ولكنّ الدولتَين حاولتا الحفاظ على تعاونهما في العديد من القضايا الأخرى، حيث عقدتا ستة اجتماعات لمجلس التعاون رفيع المستوى بينهما.

منقذ الأمة

في خطابٍ له عام 2019 اتهم أردوغان الدول الإسلامية بأنها “تبحث عن حلولٍ لمشكلاتها في العواصم الغربية بدلاً من التوجه نحو إخوتها المسلمين للحصول على المساعدة”. وفي العام نفسه، أثار قضية كشمير على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أثار قضايا مثل التدخل في اليمن والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

دأب أردوغان على السعي للترويج لفكرة إحياء الأمة الإسلامية، ودعمته في هذا السعي دول مثل باكستان وماليزيا. كما حاول بالتعاون مع باكستان وماليزيا وإيران وقطر إيجاد بديل لمنظمة التعاون الإسلامي التي تتزعمها المملكة العربية السعودية، مما أغضب الرياض التي ضغطت على باكستان كي لا تشارك في القمة.

وبالنظر إلى مشكلات تركيا العديدة مع كثير من الدول الإسلامية، لا يزال مشروع إحياء الأمة -الذي يهدف إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية- غير واقعي على الإطلاق. ومع كل المشكلات الإقليمية التي أثارتها تركيا مع دول العالم الإسلامي؛ فإن مقولة حزب العدالة والتنمية “إن أردوغان هو حلم الأمة الذي يتحقق” لا تزال بعيدة المنال.

ماذا بعد؟

هنالك الكثير من العوائق ونقاط الضعف في نهج أردوغان الإسلامي في السياسة الخارجية؛ فالاقتصاد التركي في حالة من التراجع المتسارع، وتراجعت قيمة الليرة إلى مستوى قياسي بلغ 8 ليرات تركية مقابل الدولار الأمريكي، ومن المتوقع أن يتأثر الاقتصاد بارتفاع مستوى التضخم على المديين المتوسط والبعيد. وكل هذا يهدد بتفاقم مشكلات أردوغان الداخلية، وبتراجع القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية.

كما أن تهديد حزب الشعب الجمهوري قد بدأ يحاصر أردوغان؛ خصوصاً بعد فوزه في انتخابات بلدية إسطنبول التي احتكرها حزب العدالة والتنمية لأكثر من عقد من الزمن. وإذا لم يتعافَ الاقتصاد بشكل كامل قبل الانتخابات الرئاسية عام 2023، فسيكون أردوغان في موقف صعب للغاية، وسيواجه معارضة شرسة لرئاسته حتى من داخل صفوف حزبه.

سوف تزداد العقبات التي تواجه سياسة أردوغان الخارجية الإسلامية، إذا ما قررت إدارة بايدن فرض المزيد من العقوبات على تركيا. فالاتحاد الأوروبي غاضب من تدخلها في شرق المتوسط ضد اليونان وقبرص، وربما يقرر بايدن إبقاء قواته في سوريا؛ حيث يثير تعاطفه مع الأكراد قلق أردوغان، الذي لم ينسَ قول بايدن أثناء حملته الانتخابية إنه سوف يدعم قيادات المعارضة التركية.

في مواجهة شبح العزلة عن الغرب، يبدو أن أردوغان قد بدأ بالعمل على إصلاح العلاقات معه، فقال في خطابٍ له أمام حزبه إن حكومته “تسعى لبناء مستقبلنا مع أوروبا”، ومؤخراً قام بتعيين سفير له في إسرائيل بعد تأخير دام نحو عامَين.

 

المصدر: كيو بوست

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر