سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مما لا ريب فيه، أن الإرهاب يعد خطرًا استراتيجيًا يهدد كافة الدول، منذ أمد التاريخ، ويتطور بتطور الحياة ذاتها، فقطعًا طبيعة الجرائم الإرهابية في القرن التاسع عشر تختلف عمَّا وقع منها في القرن العشرين، وكذلك في القرن الحادي والعشرين، فباتت ظاهرة الإرهاب – اليوم – بفضل العولمة، ذات صبغة عالمية، ولم تبقَ التنظيمات الإرهابية تعمل في إطارها المحلي فقط، أي في إطارها الإقليمي أو الحضاري. ففي السنوات الأخيرة، شهد العالم كافة، والمنطقة العربية بصورة خاصة، موجات من الإرهاب لم يشهد العالم مثلها من قبل، وظهر جليًا مدى التأثير الذي أحدثه تنظيم “داعش” الإرهابي، عقب انطلاقه من العراق أولاً قادمًا من خلفيته القاعدية – فقد كان فرعًا لتنظيم القاعدة المتمركز في أفغانستان – متأثرًا بطبيعة الأحوال السياسية والاجتماعية في الداخل العراقي، فينجح في الاستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، لينتقل إلى سوريا ثانيًا، حيث الصراع بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، ليمتد صداه إلى كل المناطق المتوترة – اليمن وليبيا – والبلاد ذات الحدود الرخوة، كبعض البلدان الإفريقية على سبيل المثال.
– العالم العربي وموجات الإرهاب المتعاقبة
وفي كل الأحوال، شئنا أم أبينا، فإن العالم العربي يعتبر أول المتأثرين بموجهات الإرهاب المتعاقبة. فعلى الرغم من نجاح ذئاب تنظيم “داعش” المنفردة، في تنفيذ عمليات إرهابية وإحداث جلبة في العديد من العواصم والدول الأوروبية والغربية، فإن هدفه أولًا، شرذمة المنطقة العربية، كي يصل في النهاية إلى تحقيق باقي أغراضه، وفقًا لأيدولوجياته المضادة – بالتأكيد – لكل ما هو قائم حاليًا، والقائمة على تكفير الشعوب والحكومات، ودونها من الأفكار والمعتقدات التي لا تتفق مع صحيح كافة الأديان. ومحل الحديث هنا، يرتكز على إلقاء الضوء، على سياسات مكافحة التطرف والإرهاب في العالم العربي، ولذا سنتطرق إلى الاستراتيجية العربية التي وضعت داخل أروقة جامعة الدول العربية، وكذلك اتفاقية مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد، ومن ثَمَّ النظر في بعض من النماذج على سبيل المثال. ونورد هنا السياسات الخاصة بالعالم العربي، لنستطيع أخيرًا الوصول إلى نتائج محددة، قدر المستطاع، والإجابة عن السؤال الأهم: “هل حان وقت مراجعة هذه السياسات بما يتماشى مع طبيعة المتغيرات التي تؤثر بالضرورة على وضعية التنظيمات الإرهابية وآلياتها؟!”[1].
– مساعٍ حثيثة رغم غياب خارطة موحدة
بداية، رغم المساعي الحثيثة للمجتمع العربي لمكافحة ظاهرة الإرهاب، فإن غياب استراتيجية موحدة، أو خارطة عربية لمكافحته، يكاد يكون سببًا رئيسًا في ازدياد معدلات الجريمة الإرهابية بكافة أشكالها وصورها، بل وتفاقمها، إن لم تتمكن الاتفاقيات الدولية لدول العالم العربي، سواء ذات الطابع الإقليمي كاتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب 2004، أو ذات الطابع العالمي مثل الاتفاقية المبرمة سنة 1963 بطوكيو المتعلقة بالجرائم المرتكبة على متن الطائرات، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لسنة[2]1997.
والحديث – غالبًا – لا يصح إن أغفلنا ضرورة وضع تعريف دقيق ومحدد بشأن الإرهاب، تعمل وفقه كل الدول العربية، وتلاشي تلك التعريفات الخاصة بمنظور كل دولة للإرهاب، وهو ذاته المنظور التي تستند إليه الدولة حين عمدت عدد من الدول إلى سن تشريعات خاصة بمكافحة الإرهاب، مثل قطر، التي تمتلك رؤية مغايرة تمامًا لكل ما هو عربي، وتتماهى بشدة في دعمها لكبريات التنظيمات الإرهابية، ليصل الأمر حد إفساد كل محاولات مكافحة الإرهاب في الخليج وفي العالم العربي، وإن لم يكن في العالم أجمع. وهنا يشهد العالم كله أجمع، الدعم القطري الهائل لحركة “الإخوان” في كل مكان، لا سيَّما ارتباطات النظام القطري المشبوهة بعدد من التنظيمات الإرهابية في آسيا وإفريقيا. وفي صدد آخر، اقتصرت بعض الدول على تعديل تشريعاتها الداخلية بما يتلاءم مع السياسة الجنائية الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب كالجزائر، والكويت. لكن في النتيجة، نرى تباينًا واختلافًا، فكل دولة ترى الإرهاب وتعرفه من زاويتها الخاصة، بالتوافق مع مصالحها وخلفياتها التاريخية، والإيديولوجية، والسياسية؛ ما خلق حالة من الارتباك في تكييف الأعمال الإرهابية وتمييزها عن العديد من المفاهيم الأخرى، وهذا اللا توافق حول مفهوم الإرهاب – بالتأكيد – له انعكاساته السيئة والخطيرة[3].
– مفهوم الإرهاب في التشريعات العربية
استكمالاً للدور المحوري للأمم المتحدة، بكل ما تضمه من هيئات ووكالات تعمل على ملف مكافحة الإرهاب، تؤدي المنظمات الإقليمية دورًا مماثلًا في هذا الصدد، من ناحية التعاون والتنسيق الأمني والسياسي بين الدول الأعضاء في محاولة لتوحيد جهودها للحد من مخاطر الأعمال الإرهابية ومواجهة تحديات الإرهاب في حدود مستواها الإقليمي ونطاقها الجغرافي.وبما أن الدول العربية لم تكن بمنأى عن أعمال العنف والتخريب التي طالت دول العالم، فقد تضررت الدول العربية، وما زالت، من الإرهاب منذ أواخر الثمانينيات. وحماية لاستقرارها وأمنها، أصدرت العديد من النصوص التشريعية لمكافحة الظاهرة والحد من تناميها.
وعبر مراحل زمنية متعاقبة، تبلورت جهود تلك المنظمات في تقريب الرؤى والأطروحات الخاصة بكل عضو فيما بينها جميعًا. وفي هذا الإطار تأتي الاتفاقيات العربية، فقد اتخذت دول العالم العربي، الكثير من الخطوات لمجابهة هذا الخطر والحد من توسعه، وكان أولاها الاستراتيجية الأمنية العربية المعتمدة من قبل وزراء الداخلية العرب سنة 1983، التي نصت على ضرورة الحفاظ على أمن الوطن العربي وحمايته من الأعمال الإرهابية الآتية من الشرق والغرب، ولكنها تعثرت بعض الشيء بسبب حرب الخليج في التسعينيات.
– الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب
في أبريل 1998، صدرت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بقرار من مجلسي وزراء العدل والداخلية العرب، تحت مسمى “الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب”، في اجتماع مشترك، انعقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في السابع من مايو عام 1999، وهذا في حد ذاته يدخل في زمرة الخطوات اللازمة والمهمة، في مجال التعاون العربي لمكافحة الإرهاب. ورغم ذلك، طال تعريف مفهوم الإرهاب الوارد بالمادة الأولى، العديد من الانتقادات، كونه غير دقيق كما ينبغي، أي فضفاض، ناهيك عن تمييز الاتفاقية بين أعمال العنف المشروعة والمنضوية تحت حق تقرير المصير للشعوب والمنصوص عليها ضمن مبادئ القانون الدولي وبين الأعمال الإرهابية، وكذلك استثناء كل الأعمال التي لها علاقة بالوحدة الترابية، أي: استثناء الحركات الانفصالية من الكفاح المسلح المشروع.
– اتفاقيات مجلس التعاون الخليجي
وفيما يتعلق بمجلس التعاون الخليجي[4]، كمنظمة إقليمية، معنية بشؤون دول الخليج العربي، فقد نجحت في التوصل إلى استراتيجية أمنية لمكافحة الإرهاب، حتى مايو 2004، لتظهر الاتفاقية الأمنية لمكافحة الإرهاب بهدف التعاون وتنسيق الجهود فيما بينها لمحاربة الإرهاب، وأكدت ديباجتها على التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالمبادئ الدينية والأخلاقية والتراث الحضاري والإنساني للمجتمع الدولي، والأمتين العربية والإسلامية، وقيم وتقاليد المجتمع الخليجي، التي تدعو جميعها إلى نبذ العنف والإرهاب بكل أشكاله وصوره، وتؤكد على الالتزام بالمواثيق الدولية بما فيها ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، كما تؤكد على أن الإرهاب لا يمكن تبريره بأي ظرف أو باعث أو غاية، وبالتالي يجب مكافحته بجميع أشكاله ومظاهره بغض النظر عن أساسه وأسبابه وأهدافه، والتأكيد على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها.
ومن الواضح في الاتفاقية، تأثر دول مجلس التعاون الخليجي بالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998، حيث اقتبست تعريف كل من الإرهاب والجريمة الإرهابية مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة، غير أن الاختلاف بين الاتفاقيتين يكمن في كون اتفاقية مجلس التعاون الخليجي عززت سبل التعاون الأمني بين الدول الأعضاء لمكافحة الإرهاب وآلياته والتدابير الواجب اتخاذها.
– مفهوم الإرهاب في مصر “نموذج”
في التشريع المصري، عرّف المشرع الإرهاب من خلال قانون العقوبات المعدل بموجب القانون رقم 97 لسنة 1992، حيث نصت المادة 86 منه: “يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام، أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستلاء عليها، أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين واللوائح”.
وهنا يتضح أن المشرع المصري أورد تعريفًا فضفاضًا وعامًا للغاية للإرهاب، إذ هناك العديد من المصطلحات غير الدقيقة، مثل: الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.. ما أسفر عنه عدم التحديد الدقيق للجريمة الإرهابية وعدم تمييزها عن غيرها من الجرائم؛ ما يسمح أن ينضوي تحت مفهوم الإرهاب العديد من الجرائم دون أن يكون لها صلة بالإرهاب.
– مضمون التشريعات العربية للجرائم الإرهابية
تصدّت تشريعات الدول العربية للجرائم الإرهابية من خلال العديد من النصوص القانونية، حيث عالجت النصوص، الظاهرة الإرهابية من خلال تجريم أعمال العنف المشكلة لها، وتحديد سبل وآليات مكافحتها، والعقوبات المقررة لها. كما ورد ضمنها – أيضًا – تحديد مفهوم الإرهاب، حيث عرفت جل التشريعات العربية، الإرهاب من خلال النص على الأعمال المكونة للجريمة الإرهابية واتسم تعريفها بالعمومية، حيث لم تتحرَّ الدقة؛ ما جعل مفهوم الإرهاب واسعًا للغاية، ويبرر ذلك بمحاولة احتواء التطور السريع للجريمة الإرهابية. وتميزت التشريعات بالدول العربية عن نظيرتها في الدول الغربية، بالتزامها بمبدأ الإقليمية، فلم تتناول تطبيق النصوص القانونية خارج إقليمها.
وكذا، تكثيف الجهود الدولية وصولاً إلى اتفاق يتضمن تحديدًا دقيقًا وشاملاً لمفهوم الإرهاب، مراعيًا كافة جوانبه الجوهرية بحيادية تامة، أي دون ربط الظاهرة بدين معين أو بطائفة منه أو بحضارة أو بعرق، وتمييز ظاهرة الإرهاب عن غيرها من المفاهيم ضمانًا لفعالية مكافحته، لا سيَّما ما تعلق بالكفاح المسلح والمنصوص عليه ضمن المعاهدات الدولية وميثاق الأمم المتحدة. وكذلك تجريم إرهاب الدولة، سواء على المستوى الداخلي كالتعذيب والاعتقال والاغتيال، أو على المستوى الدولي من خلال دعم وتمويل الأعمال الإرهابية بدول أخرى، والالتزام باحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول والمنصوص عليها في صلب المواثيق الدولية، دون التذرع بالحرب على الإرهاب.
– توصيات لمراجعة المفاهيم
ولكي نصل إلى مفهوم أكثر دقة – في ظل تعريفاتنا للإرهاب بالعالم العربي – لا بدَّ من صك تعريف وتحديده بمفهوم محدد قادر على تغطية كامل الأعمال الهادفة إلى منع ومكافحة التطرف العنيف، وتفسير الرابط بين منع ومكافحة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب. فمسألة مكافحة الإرهاب تستوجب جهودًا تكتيكية لإحباط الهجمات، وجهودًا استراتيجية لمكافحة الراديكالية المتطرفة التي تغذي الكراهية والعنف وتدعّم استراتيجيته وجاذبيته العالمية.
أمَّا آلية منع ومكافحة التطرف العنيف، فلا تعتبر أداةً لمكافحة الإرهاب، بل خيارًا متوازيًا ومكمّلًا في السياسات التي تتعامل مع الأنشطة المقلقة – ولكن ليس غير القانونية – التي تقع ما قبل الجريمة. ويمكنها – أيضًا – أن تلعب دورًا هامًا في مرحلة ما بعد الجريمة، حيث تتم إعادة التأهيل والدمج في المجتمع. كما أن جهود منع ومكافحة التطرف العنيف، تقلص عدد الأشخاص الذين يحتمل تجنيدهم لأعمال إرهابية عبر طيف الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة. وبنفس القدر من الأهمية، فهي تعزز التماسك المجتمعي، ولا تعارضه، خلال معالجة مخاوف الأمن القومي.
ومن الضروري التفرقة بين أجزاء “منع ومكافحة التطرف العنيف” التي تهدف إلى منع التطرف العنيف، وتلك التي تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف، مع وضع عملية منع ومكافحة التطرف العنيف ضمن السياق الأكبر المتعلق بتنمية مرونة المجتمع بوجه التطرف العنيف وضمن السلامة العامة وإدارة حالات الطوارئ القائمة، مع إقامة قنوات فعالة وموثوقة بين البرامج المجتمعية وقوى إنفاذ القانون المحلية، وعلى مستوى الولاية وتلك الفيدرالية[5].
وكذلك تحديد الأفكار المتطرفة – من المذهب الجهادي – مع الإقرار بأن “عوامل الدفع” (المظالم المحلية، والصحة العقلية، والمشاكل الشخصية) و”عوامل الجذب” (القرابة، والأيديولوجية المتطرفة، والخطابات)، تلعب دورًا في التطرف والتعبئة على العنف، وأن أهميتها النسبية تتفاوت من حالة إلى أخرى.
– لماذا الدور السعودي المصري مركزي في مكافحة الإرهاب؟
لعل الدور السعودي المصري[6]، محوري في هذه المسألة برمتها، نظرًا لثقلهما السياسي والاجتماعي والديني والثقافي في كافة أرجاء العالم العربي، إذ شرع الكثير من السعوديين، داخل الحكومة أو خارجها، في محاولات جادة للتصدي للإيديولوجيات المتطرفة، خاصة في الفترة الأخيرة عقب إقرار سياسات جديدة تمامًا على المملكة، واتخذ قادة المملكة الجدد عددًا من القرارات التي قد تعد حاسمة لمواجهة التطرف والتشجيع على التسامح، ومن ضمنها تبني الحكومة إصلاحًا اقتصاديًا هائلًا، لا سيَّما أجندة اجتماعية أكثر تحررًا، ناهيك عن إقرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن عام 1979 شكّل بداية فترة طويلة من الدعم الحكومي الواسع والإشكالي للإيديولوجيات المتطرفة. وثالثًا، أظهر الأمير استعداده لاتخاذ تدابير أمنية لا تقتصر على قمع الجماعات الهامشية العنيفة فحسب، بل على المتعاطفين معها داخل المؤسسة الدينية أيضًا.
لكن التحدي لا يكمن في تغيير السياسات الحكومية فحسب، بل أيضًا في تغيير الرأي العام ككل. ولا شك في أن بعض الدول لعبت دورًا محوريًا في نشر الأفكار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على مر السنين، وخاصة مصر أيام جمال عبدالناصر، والمملكة العربية السعودية برجال دينها السُّنة. وقد يكون ذلك هو السبب الذي يدفع واشنطن للاعتقاد بوجود عتلة تسحبها الرياض لوقف انتشار التطرف في المنطقة. والحقيقة هي أن احتواء الأفكار السامة أصعب بكثير من ذلك.[7]
وتضطلع حكومات الشرق الأوسط، بدور جوهري في أي جهد لمعالجة هذه المشكلة. ونظرًا إلى النفوذ الإقليمي الراسخ الذي تتمتع به كل من السعودية ومصر، لا بدَّ لهاتين الدولتين أن تأخذا زمام المبادرة في هذا المسعى. ونذكر هنا ما جرى في كانون الثاني/ يناير 2015، حينما دعا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي – علنًا – إلى ثورة دينية، ولقيت كلمته ترحيبًا من واشنطن. ولكن بعد ثلاث سنوات، لم تحدث مثل هذه الثورة، مع أن ذلك ليس مستبعدًا. فمن حسن الحظ، لا تزال هناك فرصة لإحداث بعض التغييرات، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا أيضًا؛ لأن الاستخدام الأوسع لوسائل الإعلام البديلة يمكن أن يوفر وسيلة جادة لمواجهة الأفكار السامّة.
– أعمدة الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب وسبل محاربته
ويمكن القول إن الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب[8]، تقوم على 4 أساسيات، نوجزها كالتالي:
– إنتاج تعريف عربي للإرهاب يأخذ بالحسبان الحالة العربية في التعامل مع الاحتلال، وحق تقرير المصير، والتفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
– إظهار القيم الإسلامية والعربية النابذة للعنف والإرهاب، وتعزيز قيم التسامح والوسطية ضمن مظلة قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وجلب الإرهابيين للقضاء ومحاكمتهم بشفافية لا تهدد الأمن الوطني.
– استئصال الإرهاب من خلال معالجة المنتجات الاجتماعية وعوامل الخطورة الاجتماعية المنتجة له كالفقر والبطالة، وسد قنوات الوصول إلى تجنيد الشباب الفئات المهمشة والمنكشفة للإرهاب، وخلق ثقافة التسامح والصمود، وتحصين المجتمع قيميًا ضد العنف والإرهاب.
– خلق شبكة شراكة وتعاون اجتماعية وأمنية محلية وإقليمية ودولية مناهضة للعنف والإرهاب والتطرف، ومعززة لقيم الديموقراطية واحترام الآخر، ودعم الضحايا وتبادل الخبرات والتدريب وحماية الشهود.
– محاربة الإرهاب على المستوى العربي
وكما أسلفنا، حتى يتم القضاء على الإرهاب، فإنه من المهم الالتزام بعدد من الآليات والسبل، نلخص بعضًا منها كالتالي:
– إيجاد آلية دولية تعمل على تعريف الإرهاب، ووضع المبادئ والسبل الكفيلة بوأده في مهده، حيث التمويل والتدريب والممارسة.
– اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد أي دولة تدعم الإرهاب، أو تأوي مؤسساته ومنظماته، حيث إن التحرك من جانب واحد، أو حتى من جانب ثنائي، لا يكفي لمواجهة خطر هو في طبيعته خطر كوني ومستمر.
– على الدول العربية، العودة إلى توصيات الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وتنفيذها كما ينبغي، لا سيَّما اتخاذ إجراءات عملية في سبيل التقليل من خطورة هذه الظاهرة والقضاء عليها، بنقلها من الحيز النظري إلى الحيز العملي.
– التأكيد على أن مواجهة الإرهاب تتطلب وضع الخطط التي تدعو إلى توعية المواطنين داخل الوطن وخارجه بمخاطر ومشاكل الإرهاب التي تهدف إلى عزل المجتمعات العربية عن العالم، وكذلك تبصير الرأي العام العربي من خلال مواد إعلامية مسموعة ومقروءة ومرئية، بمسؤوليته نحو حماية الأجيال الناشئة من السقوط في براثن الإرهاب.
وأخيرًا، بما أن دائرة العنف والإرهاب في العصر الحديث قد اتسعت، وتجاوزت النشاطات الإرهابية حدود الدول لتصبح ذات طابع دولي، مهددة بذلك أمن وسلامة البشرية، فإن عملية مكافحة الإرهاب، تحتاج بالإضافة لإعداد الوحدات الخاصة والتجهيزات، إلى تعاون دولي في مجال تبادل المعلومات والخبرات حول المنظمات الإرهابية من حيث أهدافها ودوافعها والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الأعمال الإرهابية. ومن المهم لمكافحة الإرهاب، إزالة العقبات والصعوبات الدولية التي تعترض ذلك، وعلى الأخص إعادة النظر في موضوع منح حق اللجوء السياسي، وحق تسليم المجرمين.
وحدة الدراسات الساسية*
المراجع
[1]الاستراتيجية الفكرية والسياسية لمكافحة الإرهاب، دراسة نقدية، المركز الديمقراطي.
[2]أبو سخيلة، محمد عبدالعزيز، الفوارق القانونية والسياسية بين مفهومي حق الشعوب في الكفاح المسلح من أجل تقرير المصير، الجزء الثاني، ص ٦٠٧.
[3]من مكافحة التطرف العنيف إلى “منع الإرهاب”، تحليل سياسي، معهد واشنطن.
[4]https://arbne.ws/2qrEwPP تحديات الإرهاب المحلي غير المسبوقة، ماثيو ليفت، قناة الحرة.
[5]هزيمة التطرف العنيف المستلهم من العقيدة، ماثيو ليفيت، مركز واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
[6]كيف يمكن للسعودية ومصر المساعدة في مواجهة الأيديولوجيات السامّة؟ حلقة تلفزيونية مسجلة.
[7]How Can Saudi Arabia and Egypt Help Confront Toxic Ideologies?
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر