سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
جينفرا فيلينداسي
على مدى العقدين الماضيين، وبشكلٍ أكثر تحديدًا منذ هجمات 11 سبتمبر، تعرضت العديد من الدول الأوروبية لهجماتٍ إرهابية مفاجئة، فكشفت عن إخفاقاتٍ استخباراتية1. واتهم الرأي العام وبعض الخبراء -في بعض الحالات عن حق- وكالات الاستخبارات الوطنية بأنها السبب الأساسي وراء تلك الإخفاقات2. ومع ذلك، وفي معظم الحالات، كانت المشكلة الرئيسة تكمن في غياب التنظيم والتعاون داخل المنظومة الأمنية، التي تشارك فيها العديد من الجهات الفاعلة (وكالات الاستخبارات والشرطة وصناع السياسات والمشرعين ونظام العدالة). وحتى في الدول التي لديها أنظمة أمنية، تتعاون وتنسق مع بعضها البعض، كانت هناك أوجه قصور أخرى مثل ضعف سياسات إعادة تأهيل المتطرفين أو الافتقار إلى برامج مكافحة التطرف العنيف.
سيركز هذا المقال على سياسات مكافحة الإرهاب والأنظمة الأمنية في الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وبلجيكا، وإيطاليا، وتحليل أخطائها. وبعد إجراء تقييم موجز لمختلف الدول ونقاط ضعفها، سيكون من الأسهل فهم المشكلات، ومن ثم اقتراح أفضل السبل لإصلاحها.
الولايات المتحدة
يمكن القول إن هجمات 11 سبتمبر التي استهدفت مدينة نيويورك هي على الأرجح أوضح مثال على ضعف التعاون بين الأجهزة الأمنية، حيث تعرّض هيكل النظام الأمني ووظائفه لانتقاداتٍ شديدة بسبب هذا الفشل الذريع3. بداية، وفرة الوكالات المختلفة، العسكرية والمدنية على حد سواء، عقّدت المهمة الصعبة بالفعل للحفاظ على الأمن القومي. وعلاوة على ذلك، لم يكن لدى هذا النظام المعقد تنسيق سليم، أو تسلسل قيادة فعّال، أو تسلسل هرمي واضح. وقد ثبت كم كانت أوجه القصور هذه فادحة. فعلى سبيل المثال، لم ييسر هيكل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أي تبادل للمعلومات عن الإرهابيين المشتبه فيهم4. لذا، رغم أن هجمات 11 سبتمبر كانت واحدة من أكثر الهجمات الإرهابية مأساوية في التاريخ، فإنها كانت بمنزلة جرس إنذار أيضًا.
المملكة المتحدة
واجهت المملكة المتحدة العديد من الحوادث الإرهابية الإسلاموية في أعقاب الهجوم الأول الذي وقع في عام 2005. كانت المملكة المتحدة تعاني بعض أوجه القصور الهيكلية في نظامها الأمني5، مثل عدم التعاون بين وكالات الاستخبارات والشرطة6. فلقد كان ضعف الحوار بين المخابرات البريطانية الداخلية الخارجية، ومركز الاتصالات الحكومية والشرطة، واضحًا في العديد من الهجمات الإرهابية. وتم توثيق فشل هذه الوكالات في تحديد التهديدات توثيقًا جيدًا في الهجمات التي وقعت في أعوام 2005 و2013 و72017. وفي تلك الحالات، كانت لدى قوات الشرطة والاستخبارات معلومات مهمة عن المهاجمين، لكنها لم تعترف بالخطر الذي يشكلونه أو تشارك المعلومات، التي ثبت أنها حاسمة.
سلّطت الهجمات في المملكة المتحدة الضوء على وجود صلةٍ مباشرة بين التطرف والجرائم الصغيرة. كما كشفت عن الطبيعة الداخلية لهذا النوع من الإرهاب، لأن معظم المهاجمين كانوا مواطنين بريطانيين. ذلك لأن الإرهاب يتطور ويشكل ليس فقط قلقًا أمنيًا، بل اجتماعيًا أيضًا.
وعندما أدركت المملكة المتحدة العيوبَ الخطيرة في نظامها الأمني، قررت تكثيف التعاون النشط بين وكالات الاستخبارات، وبينها وبين الشرطة، نظرًا للخلفية الإجرامية للعديد من الإرهابيين والدور الذي لعبته السجون في عملية التطرف. كما أبرزت الهجمات مشكلة أخرى: هي الافتقار إلى الشمولية الاجتماعية في العقود السابقة.
فرنسا
تبرز الحالة الفرنسية أهمية الإطار القانوني بوصفه أحد أهم جوانب نظام الأمن الوطني الفعّال. في عام 2008، شرعت فرنسا في سنِّ تشريعٍ قاد إلى إحداث تحوِّل في وكالات الاستخبارات الوطنية. وأدى هذا التغيير إلى نظام استخبارات مختلف تمامًا يعرف باسم “مجتمع الاستخبارات الفرنسية”. وقد استحدث هذا النظامُ وكالاتٍ ومهامًا جديدة. غير أن النتيجة كانت نظامًا مجزأً لا تتضح فيه التسلسلات الهرمية والمهام المحددة8. ولم يتم تنفيذ التعاون بين وكالات الاستخبارات العامة والمناطقية. وفي الوقت نفسه، كانت السجون تلعب دورًا أكبر في عمليات التطرف في فرنسا.
بلجيكا
في حالة بلجيكا، هناك بعض أوجه التشابه مع الأمثلة المذكورة أعلاه مثل ضعف التعاون بين الوكالات، بيد أن الدولة أخفقت أيضًا على المستوى التشريعي والسياسي فيما يتعلق بقضايا الاستخبارات/الإرهاب في العقود القليلة الماضية. لم تتوصل بلجيكا إلى إطار استخباراتي فعّال إلا في عام 1991. وحتى في ذلك الحين، ظلت وكالات الاستخبارات ضعيفة. وعلاوة على ذلك، فإن عصر المعلومات الرقمية طرح قضية إضافية تتمثل في فرط تدفق المعلومات التي تؤدي إلى تعقيد عملية التحليل.
وقد أدّت حالات الفشل في تبادل المعلومات، وعدم وجود إطار قانوني متماسك، ووضع استراتيجية سياسية عامة نحو الاستخبارات إلى أوجه قصور خطيرة9. بشكل عام، قلل صناع السياسات من أهمية التشدد والتطرف حتى فوات الأوان.
إيطاليا
كانت إيطاليا، حتى وقتٍ قريب، بمنأى عن الهجمات الإرهابية الإسلاموية لأسبابٍ عدة، مثل تركيبة السكان المسلمين، والتجارب السابقة في مكافحة الجريمة المنظمة/الإرهاب الداخلي، والإصلاحات التشريعية الفعّالة. ولغرض هذه المقالة، من الأهمية بمكان أن نحلل كيف أن نظامًا أمنيًا متعاونًا ومتماسكًا مثل النظام الإيطالي، يفتقر إلى عناصر حاسمة أخرى في مجال مكافحة الإرهاب. والواقع أن النظام التشريعي الإيطالي يبدو منظمًا وفعالًا بصفة خاصة فيما يتعلق بالتعاون في بين وكالات الاستخبارات والشرطة، وهي عناصر من الواضح أن البلدان الأخرى لا تملكها.
وقد ثبت أن هذا النوع من التعاون مثالٌ يُحتذى به بالنسبة لبقية أوروبا، لا سيما بسبب وجود قسم أمن المعلومات (هيئة التنسيق داخل نظام الاستخبارات، التي تربط بين وكالتي المعلومات والأمن الخارجي وصناع السياسات) والقوات المشتركة التي تستخدم فقط لمكافحة الإرهاب (حيث تقوم قوات من الشرطة والاستخبارات بتبادل المعلومات بانتظام)10.
غير أن التعاون وأساليب تبادل المعلومات لا تكفي للقضاء على الإرهاب كلية. فالنظام الإيطالي أبعد ما يكون عن الكمال بالنظر إلى الغياب شبه الكامل لبرامج و/أو قوانين لمنع التطرف أو مكافحته11. لقد أصبحت هذه التدابير مطلوبة الآن أكثر من أي وقتٍ مضى من أجل مجابهة التهديدات الإرهابية التي تتنامى بسرعة في إيطاليا، حتى من المواطنين الإيطاليين أنفسهم. ويبدو أن السياسة ذات المسارين، التي تشمل الأساليب الوقائية والقمعية على حد سواء، هي السبيل الوحيد لمواجهة الإرهاب الحديث.
الخلاصة
بناء على التحليل الوارد أعلاه، يمكن القول إن إدارة سياسات مكافحة الإرهاب في الدول الغربية دائمًا ما تكون صعبة بسبب عوامل عدة مختلفة. وفي حين أنه لا توجد صيغة مثالية، فإنه يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات المدعومة بالأمثلة التي تم تحليلها أعلاه. وبغض النظر عن الدولة التي نتحدث عنها، هناك بعض الشروط المسبقة التي يجب توافرها من أجل وجود نظام أمني متين وسياسات فعّالة لمكافحة الإرهاب مثل وجود: نظام استخباراتي متماسك ومحدد بشكل واضح، آليات للتنسيق وتبادل المعلومات (خاصة بين الاستخبارات والشرطة)، وفهم شامل لكيفية أن المشكلات المجتمعية قد تفضي إلى التطرف، وتشريعات متماسكة وواضحة، واهتمام مناسب من قبل صناع السياسات، وإدراج تدابير ناعمة وبرامج لإعادة تأهيل المتطرفين.
المصدر: كيو بوست
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر