سياسات تركيا الخارجية | مركز سمت للدراسات

سياسات تركيا الخارجية العدوانية يمكن أن تصل قريبًا إلى طريق مسدود

التاريخ والوقت : الخميس, 22 أكتوبر 2020

تمارا قبلاوي

 

منذ ما يقارب العقدين من الزمن، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتخاذ خطوات كبيرة لتعزيز مكانة أنقرة في العالم؛ إلا أن أحلامه أصبحت اليوم أبعد منالاً من أي وقت مضى.

قبل أكثر من عشر سنوات، نفَّذ رئيس الوزراء، آنذاك، أردوغان، انعطافة كبيرة في السياسة الخارجية لبلاده. فلم تعد تركيا تتذلل على باب الاتحاد الأوروبي متوسلةً السماح لها بالدخول؛ فبدلاً من ذلك يمكن لتركيا أن تستعرض قوتها الإقليمية، وأن توسع نفوذها في الدول التي كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، وتصبح قوة عالمية لا يُستهان بها.

وقد استحوذت هذه الفكرة على خيال قاعدته الشعبية، ودعمت مغامرته في توسيع قوته. حقق حلفاء أردوغان في مصر وسوريا مكاسب كبيرة جداً في السنوات الأولى للربيع العربي، الذي بدأ في ديسمبر 2010، وبدا أن أحلام أردوغان العثمانية الجديدة قد بدأت تتحقق.

ولكن بعد مرور عقد من الزمن، فقد حلفاء أردوغان في المنطقة، ومعظمهم جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين، القسم الأكبر من قوتهم، وترك استعراض أردوغان لقوته الكثيرَ من المرارة في أفواه العديد من حلفائه في المنطقة؛ باستثناء قطر والصومال، وحكومة طرابلس في ليبيا التي مزقتها الحرب.

كما أثار أردوغان غضب دولٍ أوروبية؛ مثل فرنسا واليونان وقبرص، التي حاولت احتواء نفوذ تركيا في شرق المتوسط. وألقى الاقتصاد التركي، الذي ازداد تعثراً بسبب تداعيات “كوفيد- 19″، العصي في عجلات مشروع أردوغان، وقلَّص قدرته على التخلص من عزلة تركيا المتزايدة. وتبخَّر حلم أردوغان في تحقيق نهضة تركيا من خلال تزعمها للدول ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط، ولم تعُد لتركيا علاقات جيدة مع أيٍّ من هذه الدول؛ باستثناء قطر والصومال ونصف حكومة ليبيا.

ويبدو أن القوى الإقليمية المعادية لأردوغان قد وجدت قضية مشتركة مع بعض الدول الأوروبية؛ فقد كثَّفت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان تعاونها الاستراتيجي في العديد من المبادرات، لا سيما تلك المتعلقة باستخراج الغاز من شرق المتوسط.

وقامت فرنسا، التي عارضت الحملة التركية على الأكراد في سوريا والدعم التركي لحكومة طرابلس، بدعم مبادرة الطاقة في شرق المتوسط، وكذلك فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة التي ساندت الجهود الرامية إلى سحق المجموعات التي تدعمها تركيا في ليبيا.

وبدأت إدارة الرئيس ترامب، التي كانت تحافظ على علاقة جيدة مع أردوغان، بالوقوف في صفّ خصومه؛ فقد صرَّح وزير الخارجية الأمريكي، مؤخراً، بأن بلاده تشعر بالقلق من تصرفات تركيا في شرق المتوسط، كما أعلنت الولايات المتحدة، في الشهر الماضي، أنها سوف ترفع حظر بيع الأسلحة عن قبرص. وقال سنان أولغن؛ المحلل السياسي التركي والباحث الزائر في جامعة كارنيغي أوروبا: “لم يحدث كل ذلك بين ليلة وضحاها؛ بل هو نتيجة لسلسلة من سياسات أنقرة الخارجية العدائية والمستفزة والقتالية”.

ومؤخراً، توَّج أردوغان سياساته الخارجية من خلال دعم بلاده للحملة العسكرية الأذربيجانية لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ الانفصالية. ومرة أخرى، سار أردوغان على نهجه المتعنت ذاته، ورفض الانضمام إلى دعوات المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار.

قال أولغن: “إن موقف تركيا من الصراع في أذربيجان يتماشى مع الخطاب التركي بشأن المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي وعدم فاعلية الهيئات الدولية متعددة الأطراف”.

الركود الاقتصادي

يرى المحللون أن الظروف التي مكَّنت أردوغان من قيادة ثورة في سياسات تركيا الخارجية قد تبخرت؛ ففي عام 2000 كان قد حقق نتائج اقتصادية ممتازة عززت سعيه لإجراء تحولات كبرى في سياساته الداخلية والخارجية. أما اليوم، فإن الاقتصاد التركي هو أبعد ما يكون عن ذلك، مما أدى إلى خسارة كبيرة لحزب أردوغان في الانتخابات البلدية، وقد يؤدي لاحقاً إلى انسحاب تركيا من المشهد الدولي.

لقد شهد العقد الأول من حكم أردوغان انتشال الملايين من الأتراك من مستنقع الفقر، وازدهاراً اقتصادياً واضحاً، وتنويع الأسواق التركية، وانخفاضاً حاداً في معدل وفيات الأطفال. غير أن السنوات الأخيرة حملت معها انخفاضاً كبيراً في قيمة العملة التركية، في الوقت الذي تضخمت فيه الديون الحكومية، وزادت معدلات التضخم.

قال سونير تشاغبتاي؛ مدير مركز الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “الاقتصاد هو بمنزلة (كعب أخيل) بالنسبة إلى أردوغان؛ ليس على المستوى المحلي فحسب، بل في السياسة الخارجية أيضاً. فالاقتصاد هو ما يحدد قدرة تركيا على الاستمرار في عرض عضلاتها، وإذا تراجع الاقتصاد فلن تجد تركيا الميزانيات الضرورية لتكرسها لهذه المعارك والجبهات”.

يرتبط مستقبل تركيا الاقتصادي بشكل وثيق بعلاقاتها الدولية؛ إذ يمكن أن يؤدي الاقتصاد المنهك إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، وهي مساعدة قد تأتي مع قيود على السياسة الخارجية. كما أن فقدان تركيا شعبيتها على الصعيد الدولي يمكن أن يتسبب في خسارة كبيرة في مسألة استخراج الغاز من شرق المتوسط التي تحتاج إليها بشدة. قال أولغن: “إن المعضلة الرئيسية التي تواجه صانعي السياسات التركية ليست القيود المفروضة على تنفيذ سياساتها الخارجية؛ بل هي نتائج تنفيذ سياساتها الخارجية وخطابها العدائي، وتأثير ذلك كله على الآفاق الاقتصادية للبلاد”.

 

المصدر: qposts

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر