أردوغان أكبر ديكتاتور في العالم | مركز سمت للدراسات

سياسات تركيا أفقدتها شرف تمثيل العالم الإسلامي

التاريخ والوقت : الأحد, 10 فبراير 2019

غوكهان باجيك

 

حظيت زيارة البابا فرنسيس؛ بابا الفاتيكان، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بأهمية خاصة على مستوى العالم، لكونها أول زيارة يقوم بها بابا للفاتيكان إلى منطقة شبه الجزيرة العربية، بالإضافة إلى أهميتها الرمزية باعتبارها زيارة لزعيم المذهب الكاثوليكيّ الأول إلى منطقة شبه الجزيرة العربية التي خرج منها الإسلام.

ويعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة ما يربو من مليون مسيحي يتبعون المذهب الكاثوليكي، قدم أغلبهم من شبه القارة الهندية للعمل في دول الخليج، ويشكلون قطاعا كبيرا من قوة العمل هناك. وقد لفتت هذه الزيارة الأنظار إلى الإمارات باعتبارها بلداً محورياً في منطقة الشرق الأوسط يجمع أعدادا هائلة من مواطنين يدينون بالديانة الإسلامية والمسيحية يعيشون على أرضها بسلام. وقام البابا أثناء زيارته لأبو ظبي بالصلاة في حشد قارب مِئة وخمسين ألف مسيحي.

ويمكن التعليق على زيارة البابا لدولة مسلمة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة من جوانب عدة:

أولها، أن زيارة البابا تعدّ في حد ذاتها تطوراً مهمّاً للتصدي للمسار التصادمي على الساحة السياسية العالمية.

كما أن حضور زعيم المسيحيين الكاثوليك على مستوى العالم إلى بلد مسلم بقيمة الإمارات، وإقامة قُدَّاس حضره مئات الآلاف، كان له تأثيره القويّ على المستوى العالمي بدرجة أو بأخرى.

ويعدّ لقاؤه مع مئات الآلاف من المسيحيين في دولة الإمارات المسلمة، وتوجّهه بالدعاء من أجل انتهاء الحروب في المنطقة والعالم، تطوراً إيجابياً، ورسالة واضحة ضدّ الصورة الصدامية المتحاملة التي يروّج لها الإعلام العالمي للمنطقة.

وعلى الرغم من كل شيء فالواقع أن المسيحيين والمسلمين يعيشون بالفعل جنبا إلى جنب في منطقة الشرق الأوسط دون وجود دون أي مشاكل.

الأمر الثاني، أن تركيا ظلت لفترة حتى وقت قريب تُروِّج لنفسها باعتبارها الواجهة الثقافية للحوار بين الشرق والغرب. ولكن، وكما نعرف، فقد أفقدتها التطورات السياسية التي تعيشها في الفترة الحالية شرف التمثيل الثقافي للعالم الإسلامي. ويبدو أن المسافة التي تسببت فيها السياسة التركية الهوجاء مع الكثير من دول الصراع في الشرق الأوسط كانت سببا آخر وراء انفتاح دول العالم على دول أخرى مثل الإمارات في مجال السياسة الثقافية.

وكان من نتائج إقحام تركيا نفسها طرفا في مشاكل المنطقة، سواء ما يتعلق بها بشكل مباشر أو لا، أنّ دولاً أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وبعض الدول في المنطقة، تقدّمت وأخذت مكانها، لتمارس دورا أكثر فاعلية في مجال الدبلوماسية الثقافية بين الشرق والغرب. ومن ناحيتها عمدت الدول الغربية على إقامة علاقات استراتيجية جديدة مع هذه الدول، وفتح حوار معها في مجال الدبلوماسية الثقافية بعد ما أحدثته التطورات السياسية على الساحة التركية من تأثيرات سلبية على الرأي العام الغربي.

كما كان لتشوه الصورة التي عهدها الغرب من تركيا، منذ بدايات القرن الواحد والعشرين، دور في تعرّض السياسة الخارجية لتركيا لخسائر فادحة، بعد أن أدرك الغرب أنها لم تعد تلك الدولة التي اعتاد على الحوار معها.

زيارة البابا تعدّ في حد ذاتها تطوراً مهمّاً للتصدي للمسار التصادمي على الساحة السياسية العالمية

وكانت آخر زيارة قام بها البابا إلى تركيا في شهر نوفمبر عام 2014. وكان الدور التركي من الضعف بحيث سمح بعد هذا التاريخ للكثير من القوى الإقليمية الأخرى التي زاحمتها على لعب هذا الدور. في تلك الأثناء عملت دول في الشرق الأوسط مثل الإمارات العربية المتحدة على تطوير استراتيجيات جديدة فاعلة في مجال الدبلوماسية الثقافية بين الشرق والغرب، كما عملت على إحداث نوع من التناغم على مستوى السياسة الخارجية. ومرة أخرى كانت الإمارات العربية المتحدة واحدةً من تلك الدول الواعدة على مستوى العلاقة السياسية الخارجية بين الثقافات والعقائد المختلفة.

من ناحية أخرى كان الحس العدوانيّ لدى قطر، التي تربطها بتركيا علاقات وثيقة خلال هذه الفترة، سبباً مهمّاً آخر في اضطلاع الإمارات العربية المتحدة بهذا الدور على مستوى الدبلوماسية الثقافية. وبهذا المعنى يبدو أن أعداد الدول الإسلامية، التي لها رصيد على المستوى العالمي في مجال التسامح، والمعايشة مع الآخر الذي قد يختلف في الفكر والعقيدة قد أصبحت قليلة في هذه الفترة. ولعل في إقدام دولة الإمارات العربية المتحدة على استحداث وزارة أطلقت عليها اسم “وزارة التسامح” دليلاً آخر على أن دولة الإمارات صارت بالفعل واحدة من الدول القليلة الحاضنة لقيم التسامح والسلم في العالم الإسلامي.

العامل الآخر الذي يجعل الفرصة أمام الإمارات سانحة لقيادة الدبلوماسية الثقافية في هذه المنطقة أن حقّقت قدراً كبيراً من التقدم بهذا الخصوص.. ولعل التباين يصبح أكثر وضوحا عندما نقارن بين نظرة العالم الآن لدولة مثل الإمارات العربية المتحدة ونظرته لدول أخرى مثل تركيا وإيران. فعلى سبيل المثال قام رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بزيارة لدولة الإمارات عام 2015، وشهد مراسم افتتاح معبد هندوسي هناك.

وما يميز دولة الإمارات كذلك عن كثير من الدول الأخرى أن السوق المحلي بها يعمل به عدد هائل ينتمي لما يقرب من مِئتي دولة وطائفة حول العالم. وفي حين تنظر بعض دول الخليج الأخرى إلى العمالة الأجنبية لديها باعتبارها مصدراً للكثير من المشاكل الأمنية، نجد أن الإمارات تعتبر وجودهم لديها من المزايا وليست عيبا. وبالطبع كان لهذا مردوده الطيب ليس فقط لدى الدول الغربية، بل لدى دول كبرى أخرى مثل الهند التي تقصد أعداد كبيرة من مواطنيها دول الخليج بحثا عن فرص عمل.

في النهاية أود التأكيد أن زيارة البابا لدولة الإمارات، وإقامة الصلاة على أراضيها في حضور حشود هائلة في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تدهورا على المستوى السياسي، حيث تتعمد بعض الحكومات انتهاج سياسات استبدادية، تعد نقطة مهمة للغاية تحسب لها. ولا يفوتني هنا أن أشير أيضًأ أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت عام 2018 “عام التسامح”.

وتعتبر هذه الزيارة من الناحية السياسية أيضا فرصة من أجل تفعيل “الحوار بين الأديان” كذلك. وقد امتدح البابا دولة الإمارات أثناء هذه الزيارة بعبارات مهمة من قبيل “أنها نموذج للتعايش والأخوة”، وأنها “المكان الذي تلتقي فيه الثقافات والحضارات”.

من ناحية أخرى تطرقت زيارة البابا للإمارات لعدد من الموضوعات المهمة كذلك، منها تحسين ظروف الكثير من المسيحيين الذين يعملون في دول الخليج، وإتاحة الفرصة أمامهم لممارسة طقوسهم الدينية بشكل أكثر سهولة ويسر. وفي السياق نفسه طالب البابا بافتتاح كنيسة، وتعيين رجال دين مسيحيين هناك. ويُعتقد كذلك أن البابا تناول مع المسؤولين الإماراتيين خلف الأبواب المغلقة عددا آخر من الموضوعات التي تؤرق المنطقة مثل الأزمة اليمنية.

 

المصدر: صحيفة أحوال تركية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر