سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بي ألترمان
إي كونلي
طالما كانت الاستراتيجية الأميركية الخاصة بمنطقة شرق المتوسط في حاجة إلى المراجعة. فالاستراتيجية الحالية قد وُضعت قبل سبعين عامًا، في أثناء وجود الاتحاد السوفيتي، حيث لم تكن قضية الإرهاب تشغل الاهتمام كما هو الحال اليوم، كما كان نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية تحت قيادة الولايات المتحدة. لكن الآن، وفي عام 2018، فقد أدت الحرب السورية الدائرة، منذ سبع سنوات، إلى توفير ملاذ آمن للجهادية السلفية؛ مما تسبب في أكبر أزمة للاجئين يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، كما أدت – أيضًا – إلى إضعاف سيطرة الدولة وتماسكها.
وفي الوقت نفسه، تسعى كلٌّ من تركيا وروسيا والصين وإيران، إلى الحصول على موطئ قدم في المنطقة بما يقوض الترتيبات التي كثيرًا ما أمّنَت مصالح الولايات المتحدة وحلفاؤها. فالمصالح الأميركية لا تزال كثيرة، لكن المنطقة تشهد تغييرات من شأنها إلحاق الضرر بتلك المصالح والحد من النفوذ الأميركي.
لقد حان الوقت أن تضع الولايات المتحدة، استراتيجية جديدة في منطقة شرق المتوسط، من شأنها أن تعزز المصالح المشتركة عبر الأطلنطي، وأن تضمن الأمن والوحدة الأوروبية، وتوفر استقرارًا أفضل في منطقة الشرق الأوسط، وتحمي قدرة الدولة في مواجهة النفوذ المتعاظم للفاعلين غير الدوليين.
وتنطلق تلك الاستراتيجية من افتراضين أساسيين:
الأول: أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في حل الصراع في سوريا بالطرق التي تُعلي من شأن المصالح الأميركية؛ وهو ما يتطلب الاعتراف بأنه على الرغم من وحشية نظام بشار الأسد، فإن دولةً سوريةً موحدة، هي أفضل من حالة الفوضى. كما أن الحرب الأهلية التي لا تنتهي، من شأنها أن تُشيع حالةً أكبر من عدم الاستقرار الإقليمي، بما يضعف حلفاء الولايات المتحدة، ويرسخ الوجود الروسي في المنطقة. وعلى الرغم من أهمية العمليات العسكرية الأميركية ضد السلفية الجهادية، فإن ذلك ينبغي أن يُوضع في إطار استراتيجية أكبر تسعى لفرض الاستقرار في سوريا. لكن الأمر لن يستقيم إذا لم تتبع واشنطن سياسة أميركية تدعم الأسس الأخلاقية القائمة للنظام القائم بما يعيد سيطرته على سوريا.
ثانيًا: لأجل مصالح الولايات المتحدة ومستقبل قوة الناتو، وكذلك العلاقات عبر الأطلنطي، فإن الولايات المتحدة عليها تقييم علاقاتها مع تركيا لتضييق الفجوة بين الأهداف والمصالح الأميركية والتركية في المنطقة، مع تطوير بدائل إضافية – إذا لزم الأمر – للحفاظ على الأصول الاستراتيجية التي تقدمها تركيا.
فمن خلال موقف سياسي نشط يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة في مواجهة التحديات الاستراتيجية بالمنطقة، يمكن لواشنطن إعادة بناء نفوذها الإقليمي وتعزيز مصالحها. كما يجب أن تركز الولايات المتحدة على ما كان موجودًا في السابق، إلا أنه يتعين عليها – بداية – تحديد ما يجب أن يكون عليه مستقبل المنطقة؛ إذ إن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع التحديات التي تفرضها كل من سوريا وتركيا، سيترتب عليها تشكيل مستقبل المنطقة، وكذا دور الولايات المتحدة فيها.
إن إطالة أمد الصراع السوري، الذي مضى عليه سبع سنوات، من شأنه تقويض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة؛ فقد أدت موجات اللاجئين إلى زعزعة استقرار أوروبا وتركيا والأردن ولبنان وبقية دول المنطقة. فقد استخدم السلفيون الجهاديون، سوريا كقاعدة لتنسيق الهجمات التي يشنونها على أوروبا وخارجها. كما أن روسيا تستغل الصراع في سوريا لاستعراض نفوذها في منطقة شرق المتوسط. فضلاً عن ذلك، فإن إيران تستغل سوريا كرأس حربة بالنسبة لها، وجسرًا إلى البحر المتوسط في الوقت نفسه. وهنا، يتعين على الولايات المتحدة أن تنخرط بشكل يهدف إلى إنهاء الصراع في سوريا، بحيث لا يستمر التهديد الناتج عن المشاكل والانقسامات السورية للمصالح الأميركية، وكذلك عدم تصدير التوتر إلى جيران سوريا وأوروبا.
لكن الملاحظ أنه لا تبدو لأي من الخيارات التي تواجه الولايات المتحدة، جاذبية تذكر. فقد كانت الظروف مختلفة تمامًا عندما اندلعت الانتفاضة في سوريا عام 2011، لكن خلال السنوات التالية، ومع تقاعس السياسة الأميركية، تضاءل النفوذ الأميركي، بينما زاد نفوذ روسيا وتركيا وإيران. فقد انعكست التدخلات العسكرية لهؤلاء الأطراف على تشكيل المشهد السياسي في سوريا بشكل أدى إلى تهميش الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة بتخصيص 2000 جندي لمقاتلة تنظيم “داعش”، فضلاً عن كونها لا تزال أكبر الجهات المانحة لجهود دعم اللاجئين والمساعدات الانسانية، عبر تقديم 7.4 مليار دور كمساعدات منذ 2011، فإن تأثيرها السياسي والدبلوماسي بات ينحسر لصالح الأطراف الأخرى؛ فقد كانت الولايات المتحدة طرفًا هامشيًا خلال مفاوضات جنيف التي تقودها الولايات المتحدة، (والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة)، كما تضاءل نفوذها خلال عملية أستانا الروسية الإيرانية التركية، ولم تلعب دورًا يذكر في محادثات “سوتشي” التي يقودها الروس. ومن ثَمَّ، فإن العمليات العسكرية الموسعة التي تقودها واشنطن في مواجهة تنظيم “داعش”، والنشاط الدبلوماسي الموازي بما يتضمنه من حوار متواصل مع الروس، كلها لم تزد من النفوذ الأميركي، بل إن واشنطن لم تسعَ إلى ذلك.
ويكمن جزء من المشكلة، في عدم وجود استراتيجية أميركية مناسبة بالنسبة لسوريا. فحتى يمكن القيام بدور فاعل في تشكيل هذه البيئة، خلال مرحلة ما بعد الصراع، فإن الولايات المتحدة مطالبة بمضاعفة جهودها الدبلوماسية لتحقيق المصالحة في المناطق التي شهدت الصراع فيما سبق. كما يجب دعم كل من الأكراد ونظام بشار للتوصل إلى إتفاق يضمن الإدارة الذاتية بالمناطق الكردية. وهذا يتطلب مشاركة أميركية عالية المستوى بالتوازي مع الأطراف الفاعلة بما فيها روسيا وتركيا. فقد حدد وزير الخارجية الأميركي السابق “ريكس تيليرسون” في 17 يناير 2018، قاعدة فعلية للعمل في هذا السياق تتضمن عدة محاور. ومن ثَمَّ، فعلى الولايات المتحدة ألا تدعم النظام السوري بشكل مباشر، أو أن تقدم المساعدات المتصلة بعمليات إعادة الإعمار بالأراضي التي يسيطر عليها النظام، وذلك حتى يتسنى لها التوصل إلى اتفاق سياسي بعد انتهاء الصرع. وعلى ذلك، ينبغي التركيز على العملية التفاوضية مع وجود ضمانات لالتزام الأطراف المختلفة. ومن ثَمَّ، فإن عودة سيطرة النظام من شأنها أن تقلل الحاجة إلى نشر قوات خارجية داخل سوريا، بما في ذلك القوات الروسية والتركية والإيرانية.
فالولايات المتحدة لا يمكنها حل المشاكل العميقة بالداخل السوري، ولا يمكنها تحديد من يحكم سوريا. وبالتالي، فإن على واشنطن أن توسع نفوذها في العملية التفاوضية الخاصة بمستقبل سوريا، وينبغي أن تسعى لتعزيز فرص الحكم الذاتي، وتقليل الوجود المستمر للقوات الأجنبية في سوريا.
لقد أدت الخلافات السياسية بين الولايات المتحدة وتركيا حول سوريا، إلى اقتراب حلفاء الناتو من دائرة الصراع الذي ارتبط بالسياق المتسع للخلافات فيما بينهم، والذي تعمق خلال السنوات الأخيرة، حتى وصل إلى مرحلة فارقة، ولا سيَّما بعد أن ساعدت واشنطن وأنقرة في صعود تنظيم “داعش” في سوريا لمحاربة نظام الأسد، في الوقت الذي تعطي فيه تركيا الأولوية لمحاربة الأكراد في سوريا بدلاً من “داعش”. والملاحظ في هذا الصدد، أن تركيا تتعاون مع روسيا وإيران حول سوريا بشكل أكبر من حلفائها في حلف الناتو.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور علاقات تركيا العثمانية اللاديمقراطية مع الولايات المتحدة وأوروبا، على خلفية أعمال التطهير المستمرة والاعتقالات التي يقودها أردوغان، كل ذلك من شأنه أن يقوّض حقوق الإنسان والمؤسسات الديمقراطية في تركيا، ويهدد استقرارها السياسي والاقتصادي مستقبلاً. ومن المرجح أن تضمن الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 24 يونيو، نجاح “رجب طيب أردوغان”، وسيطرته على الرئاسة التركية خلال الخمس سنوات المقبلة مما يعزز النزعة السلطوية التركية وعلاقاتها المتوترة مع الغرب.
وسواء أكان أردوغان يعتقد أن الولايات المتحدة قد دعمت الانقلاب، أم يستغل ذلك لأغراض سياسية داخلية، فإن الحالة المتنامية من عدم الثقة تسهم في تعقيد العلاقات بين تركيا وغيرها من أعضاء حلف الناتو.
فقد أعلنت تركيا أنها تعتزم شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي طراز “S-400″، الذي يتعارض مع أنظمة حلف شمال الأطلسي، بما يهدد القدرات الدفاعية للناتو، كما أنه يحتمل أن تنتهك تركيا نظام العقوبات التي تفرضها واشنطن على روسيا. وعلى ذلك، فإن التعاون العسكري بين تركيا وروسيا، من شأنه أن يعقد مشاركة تركيا في البرنامج المشترك للمقاتلات “”F-35، حيث يوجد قلق من إمكانية نقل تقنية تلك المقاتلات المتطورة إلى روسيا.
كما أدت التدخلات التركية المتكررة في سوريا إلى عرقلة الجهود الأميركية للقضاء على تنظيم “داعش” في سوريا، إذ انسحبت القوات التركية الحليفة للأميركان، التي كانت متصدرة الخطوط الأمامية أثناء محاربة “داعش” وخلال الدفاع عن المناطق التي توجد فيها القوات التركية المدعومة أميركيًا؛ فحينما تبدأ تلك القوى في العمل بالتوازي مع القوات الأميركية، تتصاعد مخاطر الصدام. وإذا حدث ذلك، فستكون له عواقب وخيمة.
لقد كان الأتراك والأميركان في حالة جمود سياسي لبعض الوقت؛ فتركيا لا تبدو عدائية بالمعنى التقليدي، كما أنها ليست حليفًا كاملاً. ومن غير المرجح أن تعود العلاقات الحميمية بينهما، التي كانت في العهود السابقة خلال فترة الحرب الباردة. كما أنه من المستبعد قطع رسمي للعلاقات.
إلا أنه من خلال التوصل إلى اتفاق مع وجود شريك ذي ثقة محدودة، فإن الولايات المتحدة عليها أن تعترف بأن العلاقات الثنائية لا يمكن ربطها بالافتراضات المشتركة القديمة؛ حيث ينبغي لواشنطن أن تتبع استراتيجية تحاول من خلالها إعادة الاستثمار في العلاقات الأوروبية الأطلسية التركية. وفي الوقت نفسه، يمكن تطوير أصول استراتيجية إضافية، إذا لزم الأمر، والدخول في شراكات بديلة مع الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى، مثل قبرص واليونان، مع إعادة تنشيط تواصلها مع المجتمع المدني بالداخل التركي وخارجه. وبذلك يمكن لواشنطن إيجاد توازن جديد أكثر قابلية لإدارة الموقف؛ بحيث لا يؤدي العداء التركي والإجراءات التي تتخذها أنقرة إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة وسياساتها، على أن يكون ذلك كله ضمن استراتيجية أميركية أوسع تجاه منطقة شرق البحر المتوسط.
الخاتمة
لا تعد منطقة شرق البحر المتوسط، الوحيدة التي غابت عنها الاستراتيجية الإقليمية الأميركية. وتصل التحديات التي تزخر بها هذه المنطقة، إلى المصالح الأساسية للولايات المتحدة في أوروبا والشرق الأوسط؛ ذلك أنه من الضروري لواشنطن أن تحد من الأنشطة الحالية والمحتملة لخصومها بالمنطقة، مثل: روسيا وإيران، على وجه الخصوص، إذ إن تصرفاتهم تعرض الحلفاء الإقليميين لواشنطن للخطر، مثل: إسرائيل والأردن واليونان.
فالولايات المتحدة لا تستطيع إنعاش الصرح الذي أقامته منذ بداية “الحرب الباردة”، ولا ينبغي لها أن تسعى إلى ذلك. لكنها في المقابل، ينبغي أن توضح الوضع الاستراتيجي بالمنطقة بدقة.
وأخيرًا، فإن الولايات المتحدة تقوم بعملية مواءمة واضحة للأدوات والمصالح، وهو ما قامت به واشنطن بشكل كبير في منتصف القرن العشرين؛ وهو ما يجب أن تفعله مرة أخرى في بداية القرن الحادي والعشرين.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: csis
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر