سر الأمير المعلن | مركز سمت للدراسات

سر الأمير المعلن

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 17 أكتوبر 2017

تركي بن صالح العتيبي

 

عندما وقع ظريف اتفاقية النووي (المذلة) لإيران الثورة التي لن تركع للغرب، كانت صورة صانع السجاد الإيراني الصبور المتقن والمتفنن والدقيق جدًا، هي تعويذة البروبغاندا الإيرانية التي بشرت ببعث فكرة شرطي الخليج من مقبرة التآمر الفارسي على المنطقة. كانت تلك الخدعة يمكن أن تنطلي على كل أحد، إلا على الخصم الحقيقي والتقليدي للخرافة الإيرانية، إنها السعودية.. التي ليست ببعيد من ذلك، تراقب التحركات الإيرانية منذ اجتماعات الغرف السرية في مسقط (الخليجية)، تلك الاجتماعات التي رُوِّج لها – لاحقًا – على أنها فرصة لصنع بصيص أمل من السلام في منطقة مضطربة، وكأن ظريف وملاليه من خلفه، حمامات سلام. نعم، كانت السعودية قد اتخذت قرارها بالانتقال إلى مربع آخر مختلف عن المربعات التي مارست فيها أدوارها السياسية عربيًا وإقليميًا وعالميًا، فقد وصلت التدخلات الإيرانية في المحيط العربي حدًا لا يحتمل السكوت، ولا ( التريث)، ولا البدائل السلمية. كانت المواجهة هي الخيار، لكن إيران البلد المنفوخ إعلاميًا، يستخدم أساليب قذرة وحيلاً خسيسة، ويضحي بدماء العرب من أجل أطماعه التوسعية؛ لذا فقد كانت المواجهة مختلفة، والملفات متداخلة، والميادين متعددة .

 

الحكم على الشيء فرع من تصوره

في مقابلة تلفزيونية مع الأمير محمد بن سلمان (قناة العربية 25/4/2016)، سأله المذيع عن إمكانية وجود حوار مستقبلي مع إيران (كان ذلك بعد قطع العلاقات معها)، فأجاب الأمير: كيف أتفاهم مع نظام قائم على أيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره؟ ووصية الخميني الداعية للسيطرة على العالم الإسلامي ونشر المذهب الجعفري (الخاص بهم) حتى يظهر المهدي المنتظر، هذا كيف أقنعه؟

 لم تكن الأسئلة هنا استفهامية، بل استنكارية تأتي في إطار (رفع العتب)، لكن الأهم من ذلك، أن هذا اللقاء كشف عن منهج سعودي جديد لم يعهده الأعداء، منهج يقدمه وجه جديد واعٍ متوثب، يحسب حساب الكلمة، والموقف، والقرار. كانت الرسالة أن صانع القرار، يعي جيدًا الفلسفة الإيرانية في الحكم؛ لذا فهو مدرك للاستراتيجية بكل تكتيكاتها، وهي كما حددها الأمير محمد في لقائه مع “العربية” :

1 ‎‏- النظام الإيراني نظام توسعي يتمترس خلف فهم (خاص به) للمذهب الجعفري.

 2- يضع المملكة هدفًا له.

3- إيران تمتلك قوتين: ناعمة (فكرة ولاية الفقيه)، وأحزاب عربية إرهابية تابعة لها وخائنة لأمتها .

لذلك، فلا يفيد معها، إلا الخروج من سياسة رد الفعل والتهدئة، والانتقال إلى مرحلة (نقل المعركة).

قبل ذلك، كانت السعودية قد بدأت تحركات فعلية وحاسمة لتقليم مخالب الوحش الإيراني، ومن ثم قطع دابره، حيث كانت أولاً العملية الحاسمة والمفاجئة في البحرين، التي شوشت ذهن المخطط الفارسي وأدخلته في حسابات مبهمة، ثم تلتها عاصفة الحزم في اليمن .

 

دهاليز السياسة ليست نسيجًا 

كان صانع السجاد (كما يحلو للسياسي الإيراني أن يصف نفسه)، مزهوًا باتفاق مذل مع الغرب يتلخص بانتهاك للسيادة، وتفتيش مفاجئ على المفاعلات، وتحديد لنسب التخصيب. لكنه – للأمانة – ذو آثار سلبية على المنطقة تعيها السعودية جيدًا، فقد استخدمته دولة الملالي كصك شرعي لتغوُّلها في المنطقة؛ لذا فقد كانت السعودية وبموازاة صراعها مع أذناب إيران في المنطقة، قد بدأت حربًا دبلوماسية بدأت أولاً باختراق آلة الدعاية الإيرانية التي – للأسف – كانت تستخدم وسائل إعلام قطرية، تروج لإيران باعتبارها الحل الوحيد لمواجهة التطرف السني، وأن المملكة دولة تشدد وحامية للتطرف، وقد ملأت بذلك الميديا الغربية. لكن الجهد الدبلوماسي الدؤوب والمكثف الذي يرتكز على حقائق تدين إيران بالكثير من العمليات الإرهابية في كل أنحاء العالم، من أميركا إلى الأرجنتين إلى السعودية إلى البحرين إلى إيران نفسها، كان خاطفًا ومؤثرًا في صناع القرار الغربيين، وربما ساعد في ذلك حماقة إيران بعد قيامها بتجارب صاروخية (مسرحية) .

 

قصة موت معلن  

في رواية (قصة موت معلن) للكاتب الكولومبي ذائع الصيت، جابريل جارسيا ماركيز، يعيش (سانتياجو نصار) بطل الرواية، وكل الشخصيات معه، في وضع الترقب لذلك الحدث الذي سيحدث حتمًا، ألا وهو مقتله بتهمة جريمة شرف.. فإيران في هذه الفترة، تعيش نفس الظروف، خاصة بعد عقد قمة الرياض بين الرئيس الأميركي والعاهل السعودي والقمة الأميركية الإسلامية التي ظهرت فيها إيران (كالجرذ المنبوذ)، خاصة بعد تأكيد البيان على نبذ الإرهاب، وتجفيف منابعه، والتعاون الأميركي مع دول المنطقة في ترسيخ الأمن والسلام .

كانت قمة الرياض، التي أعلن عنها الرئيس الأميركي بشكل مفاجئ، ضربة موجعة للمحور الإيراني في المنطقة، وانتصارًا للدبلوماسية السعودية، وبداية لمرحلة المواجهة مع الإرهاب تحت شرعية دولية. و‏كان العدو قبل الصديق، يعرف أن المملكة العربية السعودية، مقبلة على القيام بدور تاريخي آمنت به قبل أن تفرضه ظروف المنطقة، دور ينبني على مراعاة مصالح الوطن، وحفظ الحقوق العربية، ورعاية الشؤون الإسلامية، ذلك الدور الذي لمسه أمير قطر قبل أن يخطو خطواته الأخيرة في مطار الرياض مغادرًا القمة الأميركية الإسلامية، عرف الأمير القطري أن السعودية (الأخ الكبير) قررت أن ترتب البيت الخليجي قبل الإقليمي .

 

الاتفاق في مهب الريح و(ولايتي) يندب

كان الاتفاق النووي المشؤوم، هدفًا مرحليًا للدبلوماسية السعودية، وفي ليلة ظلماء على ملالي طهران، خرج الرئيس الأميركي ليقول للعالم إنه لن يصدق على التزام طهران بالاتفاق النووي، معلنًا استراتيجية الجديدة تجاه إيران، قائلاً :

“إن الاستراتيجية تتمثل في أننا نتعاون مع حلفائنا لمواجهة أنشطة إيران التدميرية، ونقوم بفرض أنظمة أخرى على نظام إيران لوقف تمويل الإرهاب، ومعالجة مسألة صواريخ إيران التي تهدد دول الجوار، وعدم السماح لنظام إيران بامتلاك أي من الأسلحة النووية”.

وأوضح أن تنفيذ الاستراتيجية، سيبدأ بفرض عقوبات على الحرس الثوري، وهو ما يمثل المرشد الإيراني “الفاسد” الذي استفاد من “كافة خيرات إيران لنشر الفوضى”.

هنا علا صوت العويل في إيران، وخرج الأصولي القديم، والعقل المفكر لنظام إرهابي مارق، علي أكبر ولايتي، وقال خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة طهران، أمس الاثنين، إن “بعض الدول الأوروبية اعتبرت الاتفاق النووي اتفاقًا قائمًا، لكنهم اشترطوا التفاوض حول دور إيران الإقليمي، والبعض الآخر يقول إنه اتفاق منقوص ويجب أن يكتمل، وإن إيران لن تتفاوض مجددًا مع الغرب بشأنها”.

والسؤال هنا: ماذا لو استجابت إيران لمتطلبات الرئيس الأمريكي ولم تنسحب أمريكا من الاتفاق، فهل هي هزيمة للدبلوماسية السعودية وانتصار لإيران؟

الجواب: إن مجرد وضع الاتفاق على الطاولة، يحوّله إلى ورقة ضغط على إيران، ويجبرها – لاحقًا – على قبول شروط أصعب، وينتهك سيادتها، ويفقدها الكثير من أدوارها في المنطقة .

في السعودية حيث كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى، يؤمنون أن أغلب الأهداف تأتي من أخطاء الدفاع، والنسبة الأقل من براعة الهجوم، لذلك فهم يحبون وزراء الدفاع بداية بالمرحوم منصور بن عبدالعزيز وانتهاء (بالمنصور) محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

كاتب سعودي*

@turkysaleh

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر