سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
باولو زوكوني
في الحادي والعشرين من أبريل الماضي، عانت سريلانكا من عدة هجمات إرهابية ضخمة أسفرت عن مقتل 359 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 500 آخرين.
ومن بين الضحايا، كان هناك خمسة وثلاثون مواطنًا من دول أجنبية مختلفة. ووفقًا للسلطات السريلانكية، هاجم عدد من الإرهابيين بعض الفنادق الكبيرة والكنائس المسيحية بالمتفجرات. وقد ألقت أجهزة الأمن السريلانكية القبض على عشرات الأشخاص.
لقد تأثرت سريلانكا (سيلان سابقًا) بالعنف السياسي منذ أن أعادت ترسيخ نفسها كجمهورية في عام 1971، وخاضت حربًا أهلية دامت لعقودٍ حتى عام 2009، وكانت النتيجة النهائية للحرب الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في البلاد. فالسياسات الاجتماعية والاقتصادية أدت إلى تقييد حقوق سكان “التاميل”؛ وهي مجموعة أقلية هندوسية، شعرت أنها مهمشة سياسيًا في المجتمع السريلانكي.
وفي عام 1972، عندما غيرت “سيلان” اسمها إلى سريلانكا، وأنشأت نظامًا جمهوريًا، وتمَّ الإعلان أن الديانة الرسمية ستكون هي البوذية، بدأ “التاميل” يحتجون بشكل سلمي على سياسات الحكومة. ومع مرور الوقت، بدأت مجموعات المقاومة المسلحة التاميلية في الظهور. فاستخدمت هذه الجماعات تكتيكات إرهابية خلال ما تحول لاحقًا إلى حربٍ أهليةٍ دمويةٍ، تميزت بانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ومقتل أكثر من مئة ألف شخص.
اليوم.. الوضع في سريلانكا يختلف
في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، يتم تنفيذ أعمال العنف بشكل أساسي من قِبَل الجماعات الجهادية والحركات الانفصالية الدينية. إذ يتم استهداف المسيحيين بشكل متزايد من قِبَل المنظمات الإرهابية القديمة، مثل تنظيم القاعدة، والجماعات التي تأسست حديثًا، مثل “داعش”. وينخرط التنظيمان الإرهابيان في منافسة على النفوذ والقيادة داخل تلك المنطقة، وهو ما يعد مثالاً يوضح الطبيعة المتطورة لحركات التمرد الجهادية في المنطقة.
وعلى الرغم من أن “داعش” لم يعد يسيطر على الأراضي في سوريا والعراق، فإن الطبيعة غير المتكافئة بشكل متزايد للجماعة والدعاية التي تقوم بنشرها تؤثر بالضرورة حاليًا على دول جنوب شرق آسيا، مثل: إندونيسيا والفلبين، وتواجه الحكومات صعوبة في مجابهتها. علاوة على ذلك، فإن ثمة قلقًا متزايدًا بشأن التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب العائدون إلى بلدانهم الأصلية، حيث يمكن أن يكون له تأثير عميق على النزاعات المحلية. ففي سريلانكا، على سبيل المثال، لم يقم تنظيم “داعش” بجذب الكثير من الأفراد. ومع ذلك، تتقاطع دعايته مع الجماعات المسلحة الجهادية الأخرى، مما يزيد من التهديد الإرهابي العام في سريلانكا، إذ إن التوترات والتنافس بين مختلف الفصائل الجهادية تجعل المشهد الأمني أكثر تعقيدًا بطبيعته.
وقد أعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن تفجيرات عيد الفصح التي وقعت يوم الأحد عام 2019 في سريلانكا، حيث كشف ذلك عن أدلة على تطور الإدارة وقدرات التنظيم المتقدمة، إلى جانب استخدامه للأساليب الجهادية المعروفة. وقد اتهمت الحكومة “جماعة التوحيد الوطنية” بتنفيذ الهجمات بدعم أجنبي، وهو ما يستحق التدقيق. لم تحدث تفجيرات عيد الفصح في الذكرى السنوية العاشرة لهزيمة “التاميل” على أيدي قوات الحكومة السريلانكية فحسب، بل إن جماعة “ثوثيث” الوطنية قد قامت تاريخيًا بأعمال تخريبية بدلاً من الإرهاب. وإذا كانت المجموعة، هي المسؤولة عن تفجيرات عيد الفصح، فإن استخدامها للمتفجرات والانتحاريين يدل على حدوث قفزة نوعية كبيرة في قدراتها. وبالتالي فمن الضروري أن يوضح التحقيق الجاري مدى تورط هذه الجماعة الوطنية.
علاوة على ذلك، كانت الهجمات ناتجة عن فشل استخباراتي، وذلك وفقًا للسلطات السريلانكية. إذ ورد أن “بوجيث جاياسوندارا”، وهو مسؤول كبير في الحكومة السريلانكية، تلقى تحذيرًا من جهاز استخبارات أجنبي بشأن هجوم إرهابي محتمل على كنائس مسيحية في البلاد وأصدر تحذيرًا بذلك. لكن لسوء الحظ، فشلت المعلومات في الوصول إلى صانعي السياسة في الوقت المناسب، وذلك وفقًا لوزير الاتصالات “هارين فرناندو”.
كسر العلاقة بين التيارات الانفصالية العنيفة والجماعات الجهادية
إذا ثبت تورط الجماعة الوطنية في الهجمات، فسيكون ذلك بمثابة دليل إضافي على أن أعمال العنف التي يقوم بها أعداد صغيرة من المتشددين الجهاديين يمكن أن تهدد الأمن القومي والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للبلد بشكل خطير، خاصة إذا كانت السياحة ذات دافع اقتصادي مهم. ومن ثَمَّ، ينبغي تحسين التعاون المحلي والإقليمي بين أجهزة الشرطة والمخابرات على نحو عاجل؛ لأنه أصبح من الأسهل على المقاتلين المحليين والمجموعات الأصغر الاتصال عبر الحدود لنشر التعليمات والتدريب والمعلومات اللوجستية من المنظمات الإرهابية الكبرى.
وفي جنوب شرق آسيا، وهي منطقة متأثرة بالصراعات الداخلية بدرجة كبيرة، يؤثر نمو الحركات الجهادية والانفصالية العنيفة بشكل كبير على الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتشكل الحركات الانفصالية بطبيعتها تهديدًا للأمن القومي، خاصة أن النزعة الانفصالية والرغبة في الاعتراف ترتبطان بشكل متزايد بالحركات العرقية والجهادية. ولا تعمل الثغرات الحالية في جهود مكافحة الإرهاب إلا عبر تعميق الترابط المتزايد بين الحركات الجهادية والانفصالية.
ورغم أن الحركات الانفصالية المحلية تحافظ على استراتيجيات وأهداف مختلفة عن كلٍّ من الجماعات الجهادية العالمية والمحلية، فإن الكثير منها يستخدم خطابًا جهاديًا في كافة أنحاء البلاد، فضلاً عن تبنيه خطابًا دعائيًا يهدف إلى تحقيق الأهداف السياسية والدينية. وقد تستخدم الجماعات الانفصالية التكتيكات الجهادية في شن هجماتها لأنه يصعب مواجهتها، كما أن لها تأثيرًا واضحًا على وسائل الإعلام المحلية والدولية.
وأخيرًا، فمن الأهمية بمكان أن تعيد جنوب شرق آسيا تكثيف جهودها لمكافحة الإرهاب لكسر الصلة بين التمرد السياسي والحركات الجهادية، وبخاصة في الوقت الراهن بعد أن عاد المقاتلون المدربون جيدًا وذوو الخبرة إلى الوطن من سوريا والعراق.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز للدراسات
المصدر: Global Security Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر