انتهت يوم الخميس الماضي مهلة الشهور الستة التي كانت الولايات المتحدة منحتها لعدد من الدول التي تشتري النفط الإيراني لإعفائها من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أعاد فرض هذه العقوبات في العام الماضي بعد أن أعلن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، وهو اتفاق يقول إنه يريد إعادة التفاوض بشأنه.
ويواصل القادة الإيرانيون إبداء تحديهم للعقوبات الأميركية ويقولون إنهم مصممون على التغلب عليها، ولكن أثر العقوبات على الحياة المعيشية في إيران واضح لا ريب فيه.
التوجه نحو ركود اقتصادي خطير
كان الاقتصاد الإيراني قد تأثر سلبا إلى حد بعيد نتيجة العقوبات التي كان يفرضها المجتمع الدولي جراء برنامج البلاد النووي.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني اتفق في عام 2015 مع الولايات المتحدة وخمس قوى دولية أخرى على الحد من النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات.
وفي العام التالي لتنفيذ الاتفاق النووي، عاود الاقتصاد الإيراني النمو وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 12,3 في المئة، حسب ما يقول المصرف المركزي الإيراني.
ولكن جزءاً كبيراً من هذا النمو الاقتصادي عُزي إلى قطاع النفط والغاز، بينما لم يف تعافي القطاعات الاقتصادية الأخرى بآمال وتوقعات الإيرانيين.
وفي عام 2017، انخفض معدل النمو ثانية إلى 3,7 في المئة ما ساعد في إشعال مشاعر الغضب التي أدت بدورها إلى اندلاع أكبر احتجاجات مناوءة للحكومة تشهدها البلاد منذ عقد من الزمن في كانون الأول / ديسمبر الماضي.
بيد أن إعادة فرض العقوبات الأميركية في العام الماضي – والتي استهدفت قطاعات الطاقة والنقل البحري والمال على وجه الخصوص- أدت إلى توقف الاستثمارات الأجنبية وأضرت كثيرا بصادرات النفط.
وتمنع العقوبات الشركات الأميركية من التعامل مع إيران، وكذلك التعامل مع الشركات الأجنبية العاملة في إيران.
نتيجة لذلك، انكمش الناتج المحلي الإيراني بنسبة 3,9 في المئة في عام 2018، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
وقال الصندوق أواخر نيسان / أبريل الماضي إنه يتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 6 في المئة في عام 2019، ولكن هذه التقديرات سبقت القرار الأميركي الاخير انهاء مهلة الشهور الستة الممنوحة لبعض الدول لشراء النفط الإيراني.
صادرات النفط انخفضت إلى النصف تقريبا
في أوائل عام 2018، وصل انتاج النفط الإيراني إلى 3,8 مليون برميل يوميا، حسب منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وكانت إيران تصدر آنذاك نحو 2,3 مليون برميل يوميا.
وكانت ثماني دول تشتري هذا النفط منحتها الولايات المتحدة استثناءات من العقوبات التي تفرضها على طهران هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان وإيطاليا.
ونص قرار الاستثناء على أن مصارف هذه الدول سيسمح لها بمواصلة العمل والتعاون مع البنك المركزي الإيراني دون أن تتعرض لعقوبات أميركية شريطة أن تقوم بتقليل اعتمادها على مشتريات النفط الإيراني.
ولكن، وبحلول آذار / مارس 2019، كانت صادرات النفط الإيراني قد انخفضت إلى 1,1 مليون برميل يوميا (كمعدل عام)، حسب ما تقول شركة SVB الاستشارية لشؤون الطاقة.
وكانت تايوان واليونان وإيطاليا قد أوقفت شراء النفط الإيراني، بينما خفضت أكبر دولتين مشتريتين وهما الصين والهند الكميات التي تستوردها بنسبة 39 في المئة و47 في المئة على التوالي. وقدّر مسؤول أمريكي بأن الحكومة الإيرانية خسرت أكثر من 10 مليارات دولار من الدخل نتيجة لذلك.
وكان الرئيس الأميركي ترمب قال إنه ينوي أن “يخفض صادرات إيران من النفط إلى الصفر” عندما قرر إنهاء مهلة الإعفاء من العقوبات في الثاني من أيار/ مايو.
ولكن من السابق لأوانه الجزم بالمدى الذي ستنخفض فيه صادرات النفط الإيراني.
فالصين تصر على أن تجارتها مع إيران قانونية وإنه ليس للولايات المتحدة الحق في التدخل، أما تركيا فقالت إنها لا تتمكن من قطع علاقاتها ببلد جار لها.
وبامكان إيران تصدير النفط لتغطية حاجاتها الإنسانية وقد تتمكن من تفادي العقوبات بتصدير النفط خلسة وهو أمر يقول بعض المحللين إن الإيرانيين يقومون به فعلا.
تدهور قيمة الريال
تمكن الرئيس روحاني وحكومته من المحافظة على استقرار سعر صرف العملة الإيرانية لأربع سنوات تقريبا، ولكن الريال فقد نحو 60 في المئة من قيمته مقابل الدولار الأميركي في السوق غير الرسمية منذ أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على طهران حسبما تذكر مواقع متخصصة بالتحويل الخارجي.
إذ لا يستخدم سعر الصرف الرسمي للريال (42 ألف ريال للدولار) إلا في مجال ضيق من التعاملات، ولذا يلجأ معظم الإيرانيين إلى مكاتب الصرافة. ويقول موقع Bonbast.com إن هذه المكاتب تبيع الدولار لقاء 143 ألف ريال منذ الـ 30 من نيسان / أبريل.
ويعزى انهيار قيمة الريال إلى المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الإيراني والطلب الكبير على العملة الأجنبية من جانب الإيرانيين العاديين الذين يشاهدون مدخراتهم وهي تتلاشى ويقلقون من أن الأوضاع قد تزداد سوءا.
وكان الريال قد استعاد بعضا من عافيته منذ أيلول/ سبتمبر 2018 عندما ضخ البنك المركزي الإيراني كميات من الدولارات في السوق المحلية وتصدت السلطات للمضاربين في العملات عندما وصل سعر صرف العملة المحلية إلى 190 ألفا للدولار.
وأدى تدهور سعر صرف الريال إلى شح في السلع والمنتجات المستوردة التي تعتمد على مواد أولية تستورد من الخارج، وعلى وجه الخصوص حفاظات الأطفال.
ارتفاع كلفة المعيشة بشكل كبير
تمكنت حكومة الرئيس روحاني من خفض مستوى التضخم إلى 9 في المئة في عام 2017، ولكن صندوق النقد الدولي يقول إن التضخم ارتفع إلى 31 في المئة في عام 2018، ويتوقع أن يرتفع أكثر – إلى 37 في المئة أو أكثر – هذا العام اذا استمر انخفاض صادرات النفط.
لم يؤثر تدهور قيمة الريال على أسعار السلع المستوردة فحسب، بل أثر سلبا أيضا على المواد الأساسية المنتجة محليا. ففي الشهور الـ 12 الماضية، ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء والدجاج بنسبة 57 في المئة، وأسعار الحليب والجبن والبيض بـ 37 في المئة، والخضراوات بنسبة 47 في المئة، حسبما يقول مركز الإحصاء الإيراني.
وأدى ارتفاع الأسعار إلى ازدحامات كبيرة عند متاجر الأغذية التي تدعمها الحكومة، وخصوصا المتاجر التي تبيع اللحوم المدعومة. وفي محاولة منها لخفض الأسعار، حظرت الحكومة تصدير الماشية واستوردت جوا مئات الآلاف من البقر والخراف من الخارج. ولكن محللين يقولون إن بعض المزارعين الإيرانيين يبيعون اللحوم للدول المجاورة من أجل الحصول على العملات الصعبة.
كما هناك خطة تهدف إلى استحداث نظام للكوبونات الإلكترونية لمساعدة الشرائح الفقيرة على شراء اللحوم وغيرها من السلع الأساسية. يذكر أن 3 في المئة من الإيرانيين (2,4 مليون نسمة) لم يكونوا يتقاضون أكثر من 1,90 دولارا في اليوم في عام 2016.
كما تلقى الفقراء ضربة أخرى جراء ارتفاع كلفة السكن والخدمات الصحية بحوالي 20 في المئة في العام الماضي.
وقال جهاد آزور من صندوق النقد الدولي لوكالة رويترز في الأسبوع الماضي إن بإمكان إيران ترويض وحش التضخم عن طريق العمل على إلغاء الفرق بين سعر صرف الريال الرسمي وسعره في السوق غير الرسمية.