سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
رينجنساي تشكوهوميرو
تبدو إدارة الرئيس “إيمرسون منانجاجوا” بصدد الدفع نحو تعديلات دستورية مشكوك فيها تحت غطاء مواجهة أزمة “كوفيد – 19″، وذلك بخلاف سنوات من الجهود التي انتهت بصياغة دستورها الحالي.
فقد تمَّ تعديل دستور 2013 مرة واحدة في عام 2014، وهو الآن على استعداد للخضوع لتغيير 27 مادة إضافية دفعة واحدة. كل هذا يحدث في ظل ظروف تقييدية تحد بشكل كبير من مشاركة المواطنين الكاملة في العملية الاستشارية اللازمة لإجراء مثل هذه التعديلات.
وبالنظر إلى بعض التعديلات التي اقترحتها حكومة الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي – الجبهة الوطنية (ZANU-PF)، نجد أنها تبدو غير ضارة إلى حد ما، بل إنها تقدمية. إذ تشمل هذه التغييرات المقترحة إنشاء مكتب المحامي العام، وتوسيع نظام الحصص ليشمل تمثيل الشباب في البرلمان. لكن بعض هذه المواد يبدو خبيثًا، إذ تنطوي بعد التغييرات على محاولة واضحة للاحتفاظ بالسلطة التنفيذية وترسيخها.
كما أن أحد هذه التعديلات من شأنه أن يؤثر في تقاعد القضاة. فقضاة المحكمة العليا في زيمبابوي لديهم أدنى سن للتقاعد في منطقة الجنوب الإفريقي، وهو 70 عامًا. بينما تسعى التعديلات المقترحة إلى إضافة خمس سنوات أخرى. وللوهلة الأولى قد يبدو هذا غير ضار، ولكن السنوات الخمس الإضافية تعتمد على تجديد لمدة عام واحد على أن يخضع القاضي لفحص طبي يثبت لياقته البدنية والعقلية.
ثم إن عمليات التجديد هذه لن تستند إلى مشورة لجنة الخدمة القضائية، ولكنها ستكون بقرار الرئيس، وهو ما لا يزيل فقط الأمن المهم لعنصر الجدارة الذي يجب أن يتمتع به القضاة، ولكن أيضًا يؤثر في استقلاليتهم؛ لأن التجديد يكون وفق مزاج الرئيس. كما يكمن الخطر في أن القضاة سيشعرون بالضغوط من أجل التواصل مع السلطة التنفيذية للحصول على تلك الجدارة والاستحقاق.
بالإضافة إلى التهديد باستقلال القضاء، فإن التغييرات الجديدة تقترح تقليص الرقابة البرلمانية على القروض و”الصفقات” الاقتصادية بين الحكومة والوكالات الدولية عن طريق إزالة حق النقض (الفيتو) في البرلمان على جميع الاتفاقات الثنائية.
وبالتالي، فإن الآثار المترتبة على تلك التغييرات تبدو خطيرة جدًا. فبدون إشراف برلماني، قد تُترك زيمبابوي مثقلة بالديون الكبيرة، وقد يكون مستقبلها مرهونًا بعدد كبير من الصفقات السيئة. إذ تعود المشاكل الاقتصادية الحالية للبلاد جزئيًا إلى الديون الموروثة من النظام الاستعماري السابق.
وقد زاد الأمر سوءًا بالاقتراض العشوائي والصفقات الفاسدة بين حكومة ما بعد الاستقلال والدول المارقة الأخرى واللاعبين التجاريين. لذا، سيُطلب من المواطنين دفع الديون عن طريق الضرائب التي لم يكن لهم دور في التصديق عليها، لأن المسؤول عن ذلك هي السلطات السابقة وليس ممثليهم البرلمانيين.
وفي المقابل، سيترك أبناء زيمبابوي في الوقت الحالي دون جهة يلجؤون إليها، لأن حقوقهم في التنظيم والمشاركة يتم تقييدها بشدة. فقد بدأ البرلمان بجدية المشاورات العامة بشأن مشروع قانون تعديل الدستور (رقم 2) ابتداء من 15 يونيو 2020. وهو ما يجري في خضم إجراءات مواجهة أزمة “كوفيد – 19” الصارمة التي تحد من حقوق المواطنين في التنظيم والمقاومة الجماعية، أو دعم التعديلات الدستورية.
كما لم يتم منح المواطنين الوقت الكافي والطرق والموارد للمشاركة في العملية التشاورية، إذ إن قيود أزمة “كوفيد – 19” لا تزال سارية.
وفي حين تجري حاليًا الكثير من الأعمال مثل التعليم المدني عبر الإنترنت في العالم، يُحرم أبناء البلد من الإنترنت (62% لا يحصلون على الخدمة)، ويُترك الكثير من الناس بعيدًا عن متابعة المستجدات الأخيرة في البلاد.
إن الدساتير تعدُّ وثائق حية وتعتبر تعديلاتها أدوات رئيسية للارتقاء بالقوانين، ما يعني أن تغييرها لا ينبغي أن يكون حسب الرغبة من قبل الأحزاب السياسية لمجرد أنها فازت بأغلبية واضحة في الانتخابات. وكان الحزب الحاكم حصل على أغلبية الثلثين في آخر انتخابات برلمانية، لكن ذلك لا يعني أن رغبته وأهواء قادته هي التي تبرر تغيير الدستور بين الحين والآخر.
لقد كانت عملية تعديل الدستور قيد التنفيذ بالفعل قبل وضع قيود أزمة “كوفيد – 19” في 30 مارس الماضي. ومع ذلك، فإن الدفع نحو إكمال تلك التغييرات في ظل إجراءات الإغلاق الصارمة، يهدف في المقام الأول إلى استفادة الحزب الحاكم من الوباء ليشق طريقه بدون مواجهة أي حشد أو احتجاج من قبل المواطنين.
إن قيود “كوفيد – 19” الحالية من شأنها تقييد عدد كبير من الأشخاص الذي يمكنهم حشد الاحتجاجات التي لا يسمح لأكثر من 50 شخصًا من التجمع في مكان واحد، حتى وإن كان للتسوق، أو لأسباب طبية فقط.
إن التعامل مع الدساتير في الديمقراطيات الراسخة يتم باحترام باعتبارها الأطر التي تحكم هيكل العلاقة بين المواطنين والحكومة. وفي بلد يفتقر إلى الثقة في القادة والممثلين العامين، تساعد المؤسسات القوية مثل السلطة القضائية في ملء فراغ آلية المساءلة المتصدعة.
لذا، فمن الضروري ألا يُنظر إلى مشاركة المواطنين على أنها موافقة ممتدة، بل يجب أن ينظر إليها باعتبارها مشاركة نشطة، وأيضًا واعية في القضايا الوطنية المهمة من موقف إيجابي ومستنير. كما أن التدابير التي تفرضها الحكومة لمواجهة الجائحة الراهنة تجعل مشاركة المواطنين بهذا الشكل مستحيلة.
ذلك أن الوقت الحالي لا يبدو أنه مناسب للتلاعب بدستور يهدف إلى خدمة مصالح جميع الزيمبابويين. كما أنه من المؤسف أن يختار الحزب الحاكم المضي قدمًا نحو التعديلات الدستورية على خلفية التدابير التقييدية التي تمنع المواطنين من المساهمة بنشاط في العملية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: معهد الدراسات الأمنية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر